يتفاقم التوتر في المنطقة وتصعد الأطراف المعنية مباشرة من تحشداتها العسكرية وترفع من درجة الاستعداد والتهيئة، فيما تُسمع تصريحات تعلن عدم نية الذهاب الى الحرب، رغم تواصل قرع طبولها من جهات عدة.

يجيء هذا في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة الامريكية تشديد الخناق على ايران، ومحاصرتها اقتصاديا عبر مجموعة من العقوبات المفروضة عليها من جانب واحد، ومن دون غطاء دولي، وآخرها فرض حظر على تصدير النفط الايراني، وما يسببه ذلك كله من تقليص ملحوظ في وارداتها، وانكماش اقتصادي وتدهور في العملة وضنك في العيش. وسبق هذا قرار امريكا التنصل من الاتفاق النووي، واعلان ايران ردا على ذلك تجميد العمل ببعض بنود الاتفاق.

من جانب آخر، وبدلا من التروي والحكمة، واصلت أصوات في الجانبين اطلاق تصريحات غير مسؤولة، تعكس عدم اكتراث بنتائج الحروب وما تسبب من خسائر بشرية ودمار هائل، خصوصا إن جرى فيها استخدام أسلحة تدمير شامل، وهي متوفرة بل ومكدسة في المنطقة.

ويتوجب القول ان هناك فوق ذلك من يتحين الفرص ليصب المزيد من الزيت على النيران الملتهبة في المنطقة، ويسعى الى خلط الأوراق لحسابات خاصة به، وفِي مقدمة هؤلاء حكام إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو.

ان شعوب المنطقة تدرك جيدا مخاطر الحروب وآثارها ونتائجها، وهي المتضرر الاول منها، خصوصا وان هناك من لا يزال يحرق الأخضر واليابس، ويتسبب في المزيد من الخسائر في الأرواح ومن التدمير لما جرى بناؤه عبر عشرات السنين من قوت ومال الشعب وجهده، والذي ينهار خلال لحظات في أتون دمار الحرب وجرائم الإرهابيين، وفِي أتون الصراع على السلطة والتدخلات الخارجية، مثلما يحصل في سوريا واليمن وليبيا.

ويدفع عدم الاستقرار في المنطقة والانكفاء على الاوضاع الداخلية، إسرائيل المدعومة أمريكيا الى التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، والسعي الى تنفيذ صفقة القرن التي تصادر تلك الحقوق وحل الدولتين. وإمعانا في ذلك تسعى إسرائيل الى إدامة بؤر التوتر في المنطقة وتغذيتها.

ان من الحكمة والعقل ان تراعى مصالح شعوب المنطقة جميعا، وان يتم التوجه نحو إطفاء الحروب المشتعلة الآن، والجنوح الى السلم والحوار والتفاوض بدل المزيد من التقتيل والتدمير والتسبب في الكوارث والمآسي، وان تراعى إرادة الشعوب وتطلعها الى حياة مستقرة آمنة كريمة. 

وفِي هذا السياق يتوجب نزع فتيل الحرب وتفادي الاحتكاكات المحتملة بين امريكا وايران، وعدم الترويج لما يمكن ان يشعل المنطقة ويلحق افدح الخسائر بها وبشعوبها.

ولا ريب ان بلدنا العراق سيكون من ضمن الدول المتضررة ان نشبت الحرب بين الطرفين، ولذا فان من واجب الحكومة في مثل هذه اللحظات العصيبة والتحديات الجمة ان يكون لها موقف واضح وصريح، بالنأي بالبلاد عن هذا الصراع، الذي لا مصلحة لنا فيه من قريب او بعيد، وان تسعى هي وبقية السلطات الى الحيلولة دون ان يصبح العراق طرفا في الحرب، او ميدانا لمعارك الآخرين وصراعاتهم، وان لا يساهم أي طرف عراقي فيها، او يكون سببا في توريط بلدنا فيها بالضد من ارادة الشعب، الذي عانى الكثير من شرورها وويلاتها وما زال.

لقد بات ملحا الآن ان يكون هناك موقف وطني عراقي موحد ازاء ما يجري، منعا لأي  انفراد غير مسؤول قد يجلب على بلادنا الخراب والدمار.

واننا، إدراكا منا للمخاطر الجمة التي تنجم عن الحرب اذا نشبت، نحذر من جر المنطقة وبلدنا اليها، ولنعلن جميعا بصوت واحد: لا للحرب أصالة او وكالة! ولا لتأجيجها من طرف اية جهة! ونعم للسلم والحوار ومراعاة الشرعية والقانون الدوليين، واحترام ارادة شعوب المنطقة وحقها في صنع مستقبلها وتقرير شؤونها بنفسها.