علينا الانفتاح على المحيط المجتمعي وتعبئة اوسع الطاقات الجماهيرية من أجل الاصلاح والتغيير

أجرت لجنة الإعلام المركزي في الحزب الشيوعي العراقي، حوارا موسعاً مع سكرتير اللجنة المركزية للحزب الرفيق رائد فهمي، بمناسبة الذكرى الـ 85 لتأسيس الحزب.

وقد بُثّ اللقاء في إذاعة "الناس" وعلى صفحة الحزب في فيسبوك.

 "طريق الشعب" تنشر بدورها نص الحديث:

بدأ الرفيق رائد فهمي حديثه قائلاً:

اود ان انتهز هذه المناسبة للتوجه بالتهاني والتحيات لجميع الشيوعيين واصدقائهم ومحبيهم وهم في مواقع النضال المختلفة سواء في داخل العراق وخارجه وهم يمارسون شتى اشكال العمل خدمة لقضايا الشعب وخاصة الكادحين منهم.

ونحن في هذه المناسبة ايضا نستذكر قادة حزبنا الاماجد الذين ضحوا بحياتهم من اجل خدمة الشعب وفي مقدمتهم الرفاق فهد وصارم وحازم وسلام عادل وجمال الحيدري والعشرات والمئات من قادة حزبنا الاماجد الذين نستذكرهم ونستلهم نضالهم ونستمد منهم العزم والطاقة لمواصلة عملنا.

الحزب كما كان في الامس سيكون غدا هو في خدمة الشعب ولا يتوانى في تقديم اي نوع من التضحيات واي نوع من الجهد في سبيل خدمة بلدنا، وتحقيق الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية التي نعتبرها هدفنا في المرحلة الحالية.

ماذا يعني بالنسبة اليك حلول الذكرى الـ85 لتأسيس الحزب؟

85 سنة، تعني أننا نقترب من 100 عام على ظهور هذا الحزب الذي شكل حدثا متميزا في تأريخ العراق السياسي المعاصر. اعتقد، ويتفق معي الكثير من المراقبين والباحثين ناهيك عن الشيوعيين، ان تاريخ العراق الحديث يصعب فصله عن دور ومساهمة الحزب الشيوعي العراقي. اذ كان فصيلا تنظيميا يعتمد أرقى اشكال التنظيم السياسي، ولعب دورا مقداما في الحركة الوطنية والنضال الطبقي وفي سبيل الديمقراطية.

وما يميز تاريخ الحزب، أن نضاله ارتبط بالقضية الوطنية والقضية الديمقراطية، وكذلك مع قضايا الشعوب القومية، سواء قضية الشعب الكردي والقوميات الأخرى، وارتبط نضاله ايضاً بقضية العدالة الاجتماعية وتحقيق المكاسب الطبقية للكادحين. هذا النضال جعله يحتل موقعا رئيسا في تاريخ البلد وفي مسيرة الحركة الوطنية.

وما يميز الحزب الشيوعي العراقي ايضاً، أنه بالرغم من كونه يحمل فكرا أيديولوجيا، وربما عالميا، لكنه استطاع بشكل خلاق أن يوفق بين البعدين الوطني والأممي، بلغة قريبة جدا من الشعب وتاريخه واحاسيسه وصلاته. إن ارتباطاته الجماهيرية وعمق جذوره في المجتمع جعلت من العصي انتزاعه من هذه التربة الوطنية على الرغم من حملات القمع القاسية التي تعرض لها منذ الزمنين الملكي والجمهوري وحتى عهد قريب، وهي حملات تصفية جسدية وسياسية. لكن الحزب كان في كل مرة يعود ويظهر بقوة وبعنفوان. وهذا يعني ان الحزب الشيوعي العراقي يعكس نوعا من الحاجة المجتمعية لأقسام واسعة من الشعب لمثل هذا الفكر والتنظيم من اجل ان يعبر عن مصالحهم.

نحن ننظر الى هذه المسيرة، بعين الفخر والاعتزاز، نظرة موضوعية صارمة تميزها النجاحات والاخفاقات. إذ أن حزبنا كان ولا يزال يدرس تجاربه السياسية ويقيمها، وبالتالي استخلاص الدروس منها، ولو لا هذا العمل ما كان للحزب ان يستمر ويواصل عمله في ظل اوضاع كانت في غالب الأحيان غير مؤاتية له.

خلال تاريخه النضالي، مرت على الحزب محطات سياسية وقعت فيها الأخطاء، ومثلما هناك مظاهر لنجاحات عديدة كانت هناك إخفاقات معينة.

نعم العببء الاكبر يقع على عاتق الانظمة الاستبدادية المعادية للديمقراطية، ولكن كانت هناك سياسات ومواقف او تحليلات للحزب كان يمكن ان تدقق بشكل أعمق، وربما كانت هناك تحوطات معينة لم نستخدمها او نلجأ اليها كما ينبغي.

أود أن أشير في هذا الشأن، إلى ما بعد العام 1990، أي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، هذه الموجة العارمة التي ادت الى تغيير في العالم. في ذلك الحين وقف الحزب وقفة جدية وأخذ ينظر إلى مساره النضالي بعين فاحصة نقدية تقييمية ليس فقط في تاريخنا وانما في تاريخ وضع الحركة الشيوعية والفكر كله. وهذا فتح نقاشا واسعا داخل الحزب ليتبين ماذا يمكن للشيوعين ان يستخلصوا مما حدث على صعيد النظرية والممارسة.

لقد شرعنا الابواب جميعا للنقاش، استخلصت في حينها العديد من الدروس ومعظمها تم تجسيدها في وثائق المؤتمر الخامس للحزب في العام 1993. وانطلقت العملية التي أطلق عليها "الديمقراطية والتجديد" الداخلي للحزب. اعتقد أنه حدث الكثير من التجديد والتغيرات داخل الحزب. ونحن نؤكد باستمرار ان عملية التجديد هي ليست عملية منتهية ولمرة واحدة وانما هي عملية ملازمة لعمل الحزب.

فواقع العراق المتسارع والذي يتسم بالتعقيد والتغييرات المجتمعية العميقة التي الآن نتوقف عند بعض ملامحها، يقتضي من الحزب دائما ان يجدد في اساليب عمله.

أين الحزب اليوم في الحياة السياسية العراقية؟

الحزب حاضر كتواجد تنظيمي سياسي في كل ارجاء العراق، وله منظمات في كل المحافظات والمدن، وذلك بفضل ما يمتلكه الحزب من قاعدة جماهيرية ومن قبول اجتماعي وانتشار ومن جذور عميقة داخل بلدنا.

والحزب ايضا حاضر في الحياة السياسية على مستويين، الاول على المستوى الرسمي، أي في مؤسسات الدولة والحكومة وفي الميادين المختلفة، والثاني في الميدان الجماهيري اذ انه من النادر ان يكون نشاط من الانشطة الجماهيرية سواء في الميدان المطلبي وميدان العمل الجماهيري او في النقابات او في الميدان الثقافي، الا وكان الحزب متواجدا فيه. وهذا يجعله قوة وفكرا وممارسةً وحضورا ماديا في الحياة المجتمعية بأوجهها المختلفة.

لم يعد من الممكن الآن تصوير الحزب الشيوعي شيئا غريبا او بعيدا عن الواقع السياسي والاجتماعي العراقي، كما حاولت ذلك الدعاية المعادية للحزب، وانما هو جزء من نسيج هذا الواقع. وهو حالياً حزب شرعي ورسمي، وهذه النقطة مهمة لأنها تحدث لأول مرة في تاريخ العراق.

وهذا لا يقودنا الى الرضا عن النفس، فنحن بعيدون جدا عن نظرة الرضا عن النفس، إذ ان بلادنا تعيش ازمات متفاقمة وهناك تردٍ في الواقع الخدمي والمعاشي وتفشي البطالة، وعلى الحزب ان يكون فعالاً في تغيير هذا الواقع.

لا يوجد هناك شيء نخجل منه في تاريخنا ومسيرة حزبنا النضالية، ورغم بعض الأخطاء هنا وهناك، كان نشاط الحزب عموما في صالح البلد والشعب.

فالحزب في عملية تحديث وتجديد مستمر، وهو يبتكر أساليب نضاله في مواجهة التحديات التي تبرز امامه، وهناك ميادين نحن نشعر أنها ما تزال بحاجة الى تطوير وتحديث، بهدف تعزيز مكانة الحزب في الحياة السياسية والاجتماعية ولتحقيق مصالح شعبنا.

ذكرت في حديثك أن الحزب له جذور في عمق المجتمع العراقي، وله وزن جماهيري كبير، هناك من يسأل: إذن لماذا دخلتم مع قوائم اخرى في الانتخابات، لماذا لا تعتمدون على قاعدتكم الجماهيرية؟ 

هناك عدة أبعاد في هذا الموضوع.

البعد الأول هو ان التحالفات جزء اساسي من تكتيك وجزء اساسي من استراتيجية سياسة الأحزاب. ونحن لا نستثني اطلاقا خوض انتخابات بصورة منفردة، بل اننا خضناها في قائمة اتحاد الشعب.

البعد الثاني هو الانتخابات.. فما هي القضايا الأهم المطروحة؟

حينما تحالفنا مع اياد علاوي، في القائمة الوطنية كانت القضية الأبرز هي مواجهة الطائفية، وبالتالي كان لابد من تحشيد جميع القوى التي كانت تنبذ الطائفية ولها موقف بعيد عن التعصب الطائفي السياسي.

أما اليوم، فنحن في تحالف مع التيار الصدري، وهو تحالف شكل تحولا مفاجئا لدى الكثيرين.

فنحن اليوم بحاجة الى عملية اصلاح عميقة ونطمح الى التغيير أكثر من الإصلاح. وهذه العملية لا تتم بالآمال والطموحات والرغبات، بل هي تتطلب عملا.. فكان يجب ان نجد القوى القادرة والتي تمتلك من القوة والنفوذ في احداث هذا التغير سواء قوى جماهيرية او قوى سياسية، نتشارك ونتقاسم الاهداف معها، فالتحالف ممكن.

الحراك الاحتجاجي الذي حدث منذ عام 2015 واستمر الى اواخر 2017، خلق واقع علاقة جديدة ما بين تيارات القوى المدنية والحزب الشيوعي وبين التيار الصدري وبعض قوى الجمهور الإسلامي الذين اجتمعوا على مجموعة من المطالب التي ربما كانت القوى المدنية هي السباقة في صياغتها.

هذا التقارب اسس حالة من التعاون على مدى أكثر من سنتين، وكسر بعض الحواجز وخلق الارضية لتحويل هذا التعاون والتنسيق الذي تم على مستوى الإطار الجماهيري في إطار الحركة الاحتجاجية الى تحالف سياسي.

وبخصوص الذين لديهم مخاوف من هذا التحالف، يجب أن يعرفوا أن هذا التحالف لا يعني ولا يشترط على اي من اطرافه، اي الحزب الشيوعي العراقي والتيار الصدري، التخلي عن هوياتهم الفكرية والسياسية. اي ان هذا التحالف ليس ايديولوجيا، وانما هو تحالف ذو طبيعة سياسية ويحتوي على اهداف ذات بعد وطني واجتماعي، وتلخصه شعارات الاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد.

التيار الصدري تيار جماهيري كبير جدا ومؤثر في الحياة السياسية، ويتبنى تحالف سائرون في مضامينه الاستجابة لكثير من مطالب الناس وايضا فيه بعد بناء الدولة المدنية.

هذه التجربة الجديدة تتعدى العلاقة بين الحزبين، فقد كسرت حاجزا كبيرا في المجتمع، هو حاجز الانقسام الأيديولوجي.

لهذا انا اعتقد، أن إمكانية جديدة قد تفتحت امامنا على المستوى الشعبي من اجل ان نتقدم ولأجل أن تكون تعبئة الجماهير أفضل في مجال الاصلاح.

هل دفع الحزب فاتورة معارضته للحرب كوسيلة للتغيير؟

لم نكن الوحيدين في معارضتنا للحرب، فحزب الدعوة من بين جميع أحزاب المعارضة كان متحفظا على الحرب كوسيلة لإسقاط النظام الدكتاتوري، بينما نحن عارضناها صراحة وأكدنا أننا مع الوسائل الداخلية للتغيير.

ونعتبر ذلك موقفا مبدئيا لا نشعر بالسوء منه، فنحن مقتنعون بموقفنا، ونعتقد ان التاريخ والتطورات اللاحقة اثبتت الكثير مما قلناه عندما ذكرنا بان الحرب لا تأتي بالديمقراطية، وخصوصا اذا جاء التغيير نتيجة تدخل خارجي بسهولة وانما تخلق اشكالية، وأن مسألة التطور الديمقراطي لابد ان تستند الى ارضية مجتمعية توفر ممهدات لها تنبثق من رحم المجتمع وتنضج ظرفيا بشكل أفضل، وبالتالي نعمل من اجل التغيير الداخلي.

وتعاملنا مع تطورات الحرب من المنطلق الواقعي، من زاوية التأثير في المسارات التي تأخذها عملية التغيير. واشتراكنا في العملية السياسية كان هدفه ان نلعب دورا مؤثرا في بناء الدولة الجديدة وفق النظام الاتحادي الديمقراطي.

إلى أي مدى سارت الأمور كما نشتهي؟!.. بالتأكيد لم تكن مآلات الأمور كما نريد، فالعملية السياسية بنيت على اساس مبدأ التحاصص الطائفي والاثني، الذي هو تجسيد لما سمي بالديمقراطية التوافقية، بمعنى ديمقراطية تمثيل المكونات، وكانت النتيجة التي حذرنا منها هي هذا النظام السياسي الذي هو غير قادر على الانجاز.

اليوم هناك عناصر فشل كبيرة جدا، فاليوم نحن نشاهد استعصاء في استكمال تشكيل الحكومة وخللا جديا في بناء الدولة، وعندما نحلل هذه العناصر نجد ان المحاصصة وتقاسم المواقع والنفوذ لا يزال حجر عثرة امام التوصل الى صيغ فاعلة لبناء الدولة وتمكينها من مواجهة التحديات وتقديم الاصلاحات الفعلية.

الصراع لا يزال مستمرا، ونحن نريد بناء الدولة على اساس المواطنة التي نلخصها بالدولة المدنية الديمقراطية، هذه العملية متواصلة وربما لا تتم دفعة واحدة.

نحن لا نقول ان هذه التحالفات التي تتم على صعيد القيادات بحد ذاتها كافية، نحن ايضا نؤكد على ان الضغط الجماهيري، وانطلاقا من خبرة الناس ومعاناتهم بدأوا يعبرون عن احتياجاتهم واعتصاماتهم بعيدا عن هذه التحالفات.

وهذه المطالب من الصعب تلبيتها الا من دولة ذات طبيعة أخرى تنتهج نهجا قائما على مبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية.

تحالفاتنا تهدف إلى التقرب ممن يقتربون من هذه الأهداف وأن نحشد ونشترك مع قوى سياسية واجتماعية اوسع من اجل ان تتقاسم معنا هذا الهدف.

اين أنتم من برنامجكم الانتخابي، كحزب شيوعي وكتحالف سائرون؟

الهدف العام هو الاقتراب من مشروع الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. كيف يترجم ذلك عمليا؟

هذا الهدف المرحلي، يجري العمل على تحقيقه من خلال الشروع في جملة إصلاحات تشمل جهاز الدولة والاقتصاد والمجتمع، وهذه الاهداف الاصلاحية متضمنة في تحالفنا مع سائرون.

أما اهدافنا الابعد والاعمق، نحن لم نتخل عنها، وانما نواصل العمل من اجلها  بوسائلنا الحزبية سواء عن طريق التعبئة الفكرية أو بأشكال العمل السياسي والجماهيري المتنوع.

مساحة العمل المشترك والاهداف المشتركة مع القوى الأخرى، غير قليلة، وهنا اتحدث عن قوة التأثير على السلطة التشريعية والتنفيذية. وبالتالي هناك امكانية لتحويل هذه الاهداف الى واقع، من خلال التحالفات.

اين نحن من الاصلاحات المطلوبة؟.. نقول لا تزال عملية الإصلاح تواجه معوقات وكوابح وهي تجري بشكل بطيء. فعلى الصعيد التشريعي لم يتحقق شيء، صحيح أن هناك قوانين مطروحة تخص الانتخابات والبناء المؤسسي للدولة مثل قانون الخدمة المدنية وقانون الادارة المالية وقانون المحكمة الاتحادية وغيرها، وهي في جوهرها تشكل إصلاحات، لكن الصراع حولها ما زال مستمرا.

لذلك فأن المناقشات حول هذه القوانين يجب أن لا تبقى محصورة داخل قبة البرلمان، بل ان تتحول النقاشات إلى الإطار العام مع ذوي الخبرة والاختصاص كي تنضج بشكل تام وتصبح قوانين جيدة قادرة على معالجة الثغرات في البناء المؤسساتي للدولة.

نحن نتشارك مع المواطنين في ان هناك خيبة امل من سير عملية الإصلاح بهذا البطء. الجميع يرغب في ان يرى الإصلاحات بأسرع ما يمكن، وهذا يتطلب خلق قاعدة سياسية واسعة راغبة في الإصلاحات.

نحن اليوم نلاحظ ان هناك نوعا من الترابط بين مظاهر الفساد وسوء الإدارة، خذ مثلاً الجماعات المسلحة التي تساهم في تجاوز القانون بأشكال مختلفة، وتساهم في خلق اجواء فيها فساد يؤدي الى سوء الإدارة. فضلا عن تبذير للمال العام وبالتالي تعطيل إمكانيات الدولة في تنفيذ سياساتها.

اليوم جميع القوى السياسية امام حقيقة واضحة، وهي أن الكلام لم يعد كافياً، وانه يجب العمل على معالجة الأخطاء.

اريد ان أؤكد أن عملية الإصلاح هي معركة سياسية شرسة متعددة الجوانب. وهناك من يعرقل عملية الإصلاح بصيغ متنوعة، فمثلاً هناك قوانين شرعت ولكن لم يجر العمل على تنفيذها وبقيت معطلة، منها قانون الخدمة الاتحادي الذي شرع في العام 2009، حيث لم يتشكل المجلس حتى الآن.

يقال إنكم في تحالفكم مع سائرون أضعتم فرصة لتجميع القوى المدنية والديمقراطية؟

في هذا القول قراءة خاطئة لما حدث. كنا نطمح في سائرون ان تأتي جميع القوى المدنية في تحالف تقدمي، لكن عدد غير قليل من هذه القوى فقط هو من أنظم إلى التحالف معنا.

فالقناعات لم تكن ناضجة بعد، والفترة الزمنية المحدودة لم تكن كافية لمزيد من المشاورات. لذلك ذهب بعض القوى المدنية إلى تشكيل تحالف خاص بها. بينما شكلنا نحن والأحزاب الأخرى تحالف سائرون الذي ينسجم برنامجه مع مبادئ برنامجنا المدني.

في ما يتعلق بالحزب الشيوعي العراقي، فان تحالف سائرون، هو اطار يجمع قوى اوسع تأثيرا للمضي سوية في تحقيق جزء من اهداف مشروعنا الاشمل.

وكنا نأمل أن تكون جميع القوى المدنية حاضرة في هذا التحالف، من اجل ان يكون هناك وزن أكبر للمدنيين في التحالف او للتحالف امام القوى الأخرى.

ولكن مع ذلك، ما زلنا نعمل في إطار تحالف سائرون ومع القوى المدنية الاخرى في مسارين متوازيين ربما يلتقيان في كثير من الامور.

ان تنظيم هذين المسارين يحتاج الى الوقت والوعي الكامل بأهمية تجميع القوى الوطنية الراغبة في الإصلاح. هذه العملية ليست سهلة، والامور لا تظهر بهذه البساطة ففيها تعقيدات ومصالح، وإن اي تحالف هو في جوهره صراع وهذا شيء طبيعي، ولكن نحن نريد ان نغلب عناصر الوحدة على الصراع.

من جانب آخر، نحن نريد ان نبين أن الهوية الفكرية والسياسية غير قابلة للتنازل وغير قابلة للمساومة. وأن اشكال العمل مع القوى الأخرى لا تتناقض مع وجود اشكال عمل مشتركة بين المدنيين.

نحن نؤكد على الاسس الضرورية لإدامة تحالف سائرون بصيغة سليمة بما يحفظ حقوق ومصالح جميع الاطراف وتحقيق مصالح البلد دون الانتقاص من هوية الحزب الشيوعي او تجريده من خصوصيته.

ونحن اليوم نراقب ونفحص ونتفحص بصورة مستمرة مساراتنا واي شيء فيه نوع من الخلل. فهذه الآلية داخل العمل الحزبي اعتقد توفر نوعا من الضمانة للتقويم وللتصويب والاحتكام للفكر الجماعي وهذه ضمانة من اجل ان يسير الحزب في هذه المسيرة بحد ادنى من الخطأ.

هل تعولون على عادل عبد المهدي في إطلاق عملية الإصلاح والتغيير؟

القائمتان الكبيرتان اللتان جاءتا بعادل عبد المهدي على رأس الحكومة بشكل من أشكال التسوية، هما سائرون والفتح. وجاء اختيار شخصية رئيس الوزراء وفق تطلع بأن البلد بحاجة إلى إصلاحات يجب أن تمضي بها الحكومة، وتصويب بعض الخلل الذي يعيشه الجهاز الاداري والعملية السياسية وتأمين حالة من الاستقرار.

وقدم رئيس مجلس الوزراء منهاجا حكوميا حظي بمقبولية من قبل مجلس النواب، وبعد مئة يوم ترجم هذا المنهاج الى برنامج عمل حكومي والذي نعمل اليوم للتعرف على مفرداته ومناقشته وتشخيص العناصر الايجابية والسلبية فيه، الذي على الرغم من ملاحظاتنا عليه، لكنه يحتوي على الكثير من العناصر الايجابية.

البرنامج الحكومي به شيء من الجرأة، واقدام كبير عندما يكون الحديث عن الفساد والاصلاح الاداري والكثير من الميادين الاقتصادية وحصر السلاح بيد الدولة. وهذه الأمور بحاجة إلى إرادة سياسية قوية كونها تصطدم بممانعات كثير وبتحديات مختلفة.

الملاحظة الأساسية، هي أن تنفيذ هذا البرنامج يسير ببطء شديد. نحن ندرك الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها رئيس الوزراء، لذلك نقول إن الامر بحاجة إلى تكاتف الطاقات خاصة فيما يتعلق بقضايا مكافحة الفساد والإصلاحات الموضوعية التي تلقى صدى جماهيريا كبيرا، والذي يمكن أن يشكل تصديا للممانعات، وتحويل هذا التأييد إلى قوة دافعة للعمل.

نحن ندعم التوجهات السليمة في البرنامج الحكومي، وسنعزز العمل على الإيجابيات، وبالتأكيد سنتخذ موقفا ناقدا إزاء التراجع او التردد والتلكؤ في تنفيذ الوعود التي يتضمنها البرنامج الحكومي. فالزمن السياسي ليس مفتوحا كما هو معلوم، لذلك وتيرة العمل يجب أن تكون متناسقة مع عمر الحكومة.

نحن كذلك نسعى من خلال دورنا في البرلمان للعمل على تنفيذ البرنامج الحكومي وفق الجداول الزمنية الموضوعة ووفق الأولويات التي تمس حياة الناس مباشرة، وأبرزها قضية الخدمات وفي مقدمتها أزمة الكهرباء.

أما على صعيد الإصلاح الإداري في جهاز الدولة، فنحن نضغط من أجل تنفيذ بعض هذه الإصلاحات، مثلا تشكيل مجلس الخدمة الاتحادي، ومسألة انهاء العمل بالوكالة وبالتالي الخلاص من نهجج المحاصصة في التوظيف والتعيين.

أقول، إننا نتفهم الصعوبات التي تواجهها الحكومة الحالية، ومنها عدم حسم ما تبقى من الكابينة الوزارية، لذلك لا نتوقع أن يقوم السيد عبد المهدي بإجراءات فوق المتوقع، ولكن نعتقد أن هناك إمكانيات يجب استثمارها للقيام ببعض الإصلاحات. من هذه الإمكانيات هي التأييد الذي يحظى به السيد عادل عبد المهدي داخليا وخارجيا، والذي لابد ان يترجم ويتحول الى زخم يساعد في تسريع عملية الاصلاح وتنفيذ البرنامج الحكومي.

في الفترة الأخيرة زار رؤساء وملوك ووزراء دول إقليمية وعالمية العراق، قابلتها زيارات قام بها رؤساء الجمهورية والبرلمان والوزراء.. كيف تقيم هذه الزيارات وانعكاساتها على الوضع العراقي؟

اهتمام العالم بالعراق الذي تعكسه الزيارات المتبادلة ماذا يعني؟.. إنه يعني إشارات حول ضرورة استقرار العراق. لكن كل دولة تريد أن يكون لها تأثير على الوضع في العراق، أو حصة في الاستثمارات ومشاريع الاعمار.

المهم في العلاقة مع العالم الخارجي هو كيف يتعامل العراق، وكيف يستطيع ان يوظف ما هو إيجابي لصالح الشعب والبلاد، ويمنع ويحيد السلبيات التي تأتي بها هذه العلاقات. هذا يشترط وجود إرادة وطنية وأن تعرف اهدافك لتستطيع التعامل مع كل الطروحات بميزان واحد، وان يبقى العراق بمأمن من الصراعات الإقليمية والدولية.

نحن نؤيد انفتاح العراق على محيطه الإقليمي والعربي، شرط ان تكون العلاقات متوازنة تحترم سيادة العراق وخصوصيته، وان نرتب بيتنا العراقي بحيث يكون قادرا على الحفاظ على مصالح شعبنا.

فإذا كان وضعك الداخلي غير مرتب، فستصعب إدارة العلاقات الدولية بما يخدم مصلحة البلد.

فهناك ضغوط لجر العراق لصراعات إقليمية بين إيران وامريكا. هنا الموقف الرسمي سليم، ويقول باننا لن نكون جزءاً من المحاور. وعدم الانحياز لا يعني الحيادية، فحينما يفرض حصار على الشعب الإيراني فإننا من حيث المبدأ نرفض الحصار الاقتصادي لان المتضرر الرئيسي منه هو الشعب كما تؤكد ذلك معنانة شعبنا من العقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق، لذلك يجب أن نرفض هذا الحصار وندينه.

عندما نقول "استقلالية القرار العراقي"، فهذه ليست جملة بسيطة، وهي لا تعتمد فقط على ارادة مجلس الوزراء وحده، انها تعني تمكين العراق ومؤسساته وقياداته للتعامل مع الأمور بشكل مستقل.

نحن نتحدث اليوم عن امكانية البناء العراقي على نهج وطني بكل تفاصيله، قادر على ان يصمد امام الضغوط ويهيئ الشروط لاستقلالية كاملة ويهيئ العراق لأن يتخذ قراراته وسياساته من وحي مصالحه الخاصة.

تحالف سائرون يدفع باتجاه استقلالية القرار العراقي، ويمكن اعتباره العمود الفقري للمشروع الوطني في الوقت الحاضر.

وهو يكافح من أجل اصلاح بيئة مؤسسات الدولة، ففي ظل استشراء الفساد، وتورط قوى سياسية عديدة فيه، يصبح المشروع الوطني ضعيفاً جداً.

انتخابات مجالس المحافظات اصبحت قريبة، هل ستدخلون كتحالف سائرون في هذه الانتخابات أم ستكونون كحزب شيوعي، وما هو موقفكم؟

إن دورة مجالس المحافظات الحالية، لا تمتلك أي غطاء شرعي، بحكم انتهاء الفترة القانونية، لذلك يطرح الآن تعديل قانون مجالس المحافظات لمعالجة هذه القضية، وهناك رأي يدعو الى حل مجالس المحافظات وتجميدها باعتبار أن اداءها كان سيئاً.

إن مسألة حل مجالس المحافظات ذات بعد دستوري، وإلغاؤها يشترط تعديل الدستور، كما انه لا ينسجم مع طبيعة النظام السياسي. إذ أن حل هذه المجالس يعني الإقرار بالسلطة المركزية.

نعم، هناك تضخم في عدد اعضاء مجالس المحافظات، امتيازات غير قليلة تمنح لهم، فضلاً عن الفساد في عمل الإدارات المحلية. ولكن جميع ذلك يمكن معالجته بالاعتماد على سياسات ناجحة.

لذلك نحن نقول، ينبغي الاسراع في تنظيم انتخابات مجالس المحافظات في الموعد المقترح، في شهر تشرين الثاني المقبل. ومن اجل إنجازها في هذا الموعد، يجب إتمام بعض القضايا، أبرزها تعديل قانون مجالس المحافظات من اجل تصحيح وضعها وتقليص عديد أعضائها، وهذه أمور جيد أن جرى إنجازها بالشكل الصحيح.

أما بالنسبة لدخولنا الانتخابات في إطار تحالف سائرون او بأطر أخرى، فهذا الامر لم يجري البحث فيه حتى الآن. لدينا الآن تجربة مع التحالف داخل مجلس النواب، ومراجعة هذه التجربة سيكون الانطلاقة لتحديد الموقف.

كلمة أخيرة في مناسبة الذكرى الـ 85 لتأسيس الحزب؟

نحن نرى أن الكثير من أوساط شعبنا يعلقون الآمال على الحزب الشيوعي، لأنه اثبت خلال السنوات وبالتجربة، أنه أمين على أهدافه ومبادئه وعلى مصالح الناس، وعندما تولى مواقع مختلفة في الدولة، ادى المهمة بأمانة واخلاص.

هذا الرصيد المعنوي والصورة الايجابية التي يتمتع بها الحزب بين أوساط الشعب، يجب أن تترجم الى نفوذ أكبر، وهذا يتعلق بعلاقاتنا مع الجماهير التي قسم كبير منها يبدي استعدادا لتقبل خطاب الحزب.

لذلك فالواجب على كل الشيوعيين ان ينفتحوا على محيطهم المجتمعي، من اجل ان نعبئ اوسع الطاقات الجماهيرية، من اجل الاصلاح والتغيير الذي من الصعب ان يتحقق من دون هذا الحضور الجماهيري الكبير.

الحزب اليوم هو عهدة وامانة، وقيادة الحزب حريصة على حملها وصيانتها وتعزيزها، وهو في نفس الوقت منفتح على التغيير والتجديد. والتجديد لا يعني التخلي عن تراثنا النضالي أو هويتنا الفكرية، بل يعني التفاعل مع اشكال العمل الجديدة التي يفرزها الواقع.

لهذا نحن نولي اهتماما متزايدا بالشباب، فمشروع الحزب هو مشروع الشباب، وأنه يجب أن يكون لهذه الفئة العمرية دور عملي في مختلف مستويات العمل الحزبي.

وقضيتنا أكبر على صعيد تمكين المرأة، التي هي قضية مؤشر تطور اي مجتمع. فنحن ما نزال أمام تحديات ومصاعب كبرى في شأن تمكين المرأة وتحررها، وتنمية قدراتها لتكون عنصرا فاعلا في الحزب والمجتمع.