عقد مجلس النواب العراقي يوم 20/1/2025 جلسته الثالثة من الفصل التشريعي الأول بطريقة غريبة، لا تمت للأعراف النيابية أو النظام الداخلي أو الدستور العراقي بصلة. الجلسة شهدت تمرير ثلاثة قوانين مختلف عليها نيابيًا وشعبيًا وسياسياً، بعد توافق قوى المحاصصة المتمثلة في تحالف إدارة الدولة الذي يشكل غالبية أعضاء مجلس النواب بالإضافة إلى قوى نيابية أخرى.
التعديلات التي أُقرت في هذه الجلسة تعد ضربة صريحة للدستور ولمبادئ العدالة.
بدلاً من أن يكون البرلمان مؤسسة تحمي الشعب وتصون كرامته، بات منصة لتكريس هيمنة التحالف الحاكم الذي يسمى بتحالف إدارة الدولة.
وسادت جلسة المجلس المشار إليها حالة من الفوضى، إذ اعترض الكثير من النواب على هذه الطريقة (السلة الواحدة)، فيما اعترض آخرون على قوانين معينة مطروحة للتصويت، وخرج الكثير منهم من الجلسة، فيما قدم آخرون طعنًا أمام المحكمة الاتحادية عن سير أعمال الجلسة وطريقة التصويت. وفي هذا السياق، ننتظر من المحكمة الاتحادية أن تقبل الطعن، وتقر بعدم دستورية هذه الجلسة الفوضوية وعدم صحة إجراءات التصويت فيها، التي جرى فيها اغتيال الديمقراطية وركل الدستور وتمزيق مبادئ حقوق الإنسان وهتك كرامة وحقوق المرأة العراقية.
ما جرى في البرلمان لم يكن سوى عرضٍ هزيلٍ للفوضى السياسية. التصويت بهذه الطريقة يعكس غياباً مريعاً للمسؤولية الوطنية. بدلاً من احترام الدستور والنظام الداخلي، استخدم البرلمان أدواته لتمرير قوانين تفتقر إلى أي حس بالعدالة.
لم يكن هم هذه القوى المتنفذة سوى المكاسب السياسية والانتخابية في تمرير القوانين المذكورة، فهي منفردة تريد التصويت على قانون يخص جمهورها الانتخابي، لكنها ترفض قانونًا
آخر لاعتبارات عديدة. وحين لم تجد فرصة لتمرير القوانين بطريقة ديمقراطية سلسة عبر الإجراءات الدستورية والقانونية المناسبة، لجأت إلى أسلوب صفقة المحاصصة سيئة الصيت، ومررت القوانين على حساب المواطنين المتضررين من هذه القوانين جميعًا.
هذه التعديلات اعتداء على روح العدالة المدنية، وهي رسالة واضحة لكل عراقي أن حماية المجتمع والأسرة وحقوق المرأة والطفل لم تعد أولوية. هذه القوانين هي محاولة لفرض الوصاية على عقولنا وحياتنا، وتعيد إنتاج الظلم الاجتماعي بشكل قانوني.
أن الطريقة التي جرى فيها تمرير هذه القوانين، تدل وبصورة لا تقبل اللبس على عجز أعضاء مجلس النواب عن تنفيذ مهامهم الدستورية وعدم ثقتهم ببعضهم البعض. بل هم أخفقوا في تمثيل النسبة الضئيلة من المواطنين الذين صوتوا لهم، ما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه في اجتماعاتنا مع الكثير من النواب واللجان النيابية، بعدم مشروعية عملهم النيابي، بعد إخفاقهم في مراقبة عمل الحكومة، وعدم تنفيذ وعودهم الانتخابية فضلاً عن الرفض الواسع والعزوف الكبير في الانتخابات السابقة وانسحاب أكبر كتلة برلمانية في بداية الدورة الحالية.
وإذ نرفض جملة وتفصيلاً الطريقة التي جرى فيها تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والقوانين الأخرى التي أُلحقت به وهي العفو العام وإلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، نسجل الآتي:
- خالفت رئاسة مجلس النواب المادة 37 ثالثًا من النظام الداخلي لمجلس النواب، التي اشترطت مناقشة فقرات جدول عمل الجلسة بحسب تسلسلها الوارد وعدم الانتقال إلى فقرة جديدة إلا بعد الانتهاء كليًا من مناقشة الفقرة التي تسبقها. فإن تعذر إتمام النقاش فيها فللرئيس ونائبيه مجتمعين تأجيل النظر فيها، وبالتالي لا يوجد في النظام الداخلي ما يجيز جمع ثلاث فقرات بفقرة واحدة للنقاش. ومن باب أولى لا يجوز التصويت على عدة قوانين مجتمعة، خصوصًا مع عدم وجود أي رابط موضوعي بين أحكامها.
- خالفت رئاسة المجلس المادة 134 من النظام الداخلي، التي بينت أنه يؤخذ الرأي في مشاريع القوانين كل مادة على حدة ثم يؤخذ الرأي على المشروع بمجمله بعد اكتمال تلاوة مواده كاملة. وأن القانون لا يكتمل التصويت عليه إلا بعد التصويت عليه بالمجمل، وهو إجراء الغرض منه بيان قبول الأغلبية للقانون. وجمع ثلاث قوانين بتصويت واحد يتعارض مع حرية
النائب في التصويت ويُجبره دون وجه حق على قبول أو رفض قوانين دون أن يُترك له خيار آخر، وهذا يتعارض مع أبسط قواعد الديمقراطية أو حرية إبداء الرأي.
- يبدو أن اللجنة القانونية النيابية لم تقرأ النص الحكومي فيما يخص قانون العفو العام، وإنما اكتفت بقراءة مقترحات اللجنة، وهذا أيضاً يخالف النظام الداخلي للمجلس.
- يظهر الفيديو الذي عرضه مجلس النواب أن رئيس المجلس لم يقم بعد الأصوات في الوقت الذي لم يكن فيه أغلب النواب أو عدد كبير منهم في مقاعدهم وإنما كان البعض بصدد الاعتراض أو طلب التداخل بالحديث، وعدم التحقق من إعداد المصوتين، ما يجعل التصويت مشوباً بشك يحول حول عدد المصوتين بالإيجاب أو الرفض، هذا إذا افترضنا أن النصاب كان متحققاً، وهو أيضاً محل نقاش.
- نشير في ختام هذه المخالفات إلى عبارة المحكمة الاتحادية العليا التي وردت في إحدى الدعاوى، حيث قالت: (ولا يمكن بأي حال من الأحوال اختزال إرادة الشعب المتمثلة بمجلس النواب بشخصية رئيس المجلس، الذي سبق له أن أدى اليمين الدستورية التي تلزمه بالامتناع عن خرق القانون والدستور).
من جانب آخر، إننا قمنا بالاتصال بالجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، حيث عممنا عليهم مجريات جلسة مجلس النواب ونتائجها المنافية لقواعد الديمقراطية ولعملية الاستقرار الأمني والاجتماعي في بلدنا، متطلعين إلى ممارسة دورهم في الضغط على صناع القرار في العراق، للعمل على إعادة النظر بهذه التعديلات المشينة التي تمس حقوق النساء والطفولة وتعرض السلم الاجتماعي للخطر.
إن تحالفنا الذي تشكل أساساً لرفض تعديل قانون الأحوال الشخصية، سوف يبقى مناصراً لحقوق النساء ويواصل رفضه بكل الطرق القانونية والدستورية لهذا التعديل الذي يشكل وصمة عار في جبين القوى المتخلفة المتحاصصة، ويعلن في ذلك عن جملة من الإجراءات التي سوف يقوم بها في سبيل إيقاف هذا التشريع المهين للعراقيات والعراقيين.
- سوف نقدم طعنا دستوريا في دستورية جلسة مجلس النواب وعدم صحة اجراءات التصويت فيها وكذلك دستورية تعديل القانون.
- سنتوجه الى جميع المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق النساء والانسان، لادانة تعديل القانون، ونطلب منهم الضغط على العراق لاعادة النظربهذا التعديل والرجوع الى النص الأصلي.
- ارسلنا ليلة امس الأول برقيات سريعة الى المنظمات الدولية بهذا الخصوص، ونعمل على التواصل معهم سريعاً.
- نطلب من كل القوى السياسية، الاجتماعية، النيابية، المهنية، النقابية، المدنية وغيرها، التي تتطلع وتعمل من اجل ممارسة ديمقراطية سليمة واحترام حق الانسان في حياة حرة كريمة وحقوق النساء، الى توحيد جهودها مع التحالف لأجل الرفض الواسع واعادة تعديل القانون الى وفق نصه الأصلي.
- نتوجه الى عموم المواطنين الحريصين على وحدة الشعب وحقوقه ان يرفضوا وبصوت عال موحد هذا التعديل المجحف لقانون الأحوال الشخصية.
- نرجو من النواب المعترضين على هذا التعديل، توحيد رؤيتهم بهذا الخصوص على الاقل قبل رفع اي دعوى لدى المحكمة الاتحادية للطعن في دستورية القانون.
- اخيراً.. شكلنا عيادة قانونية تقدم الاستشارة القانونية مجاناً لكل النساء المعنفات والمتضررات من هذا التعديل المشين في حال تم المضي بتمريره وتنفيذه، ونطلب من المحامين الوطنيين والقانونيين والأكاديميين المدافعين عن حقوق الانساء والنساء الانخراط في نشاط هذه العيادة.
سنواصل رفضنا وعدم موافقتنا على التعديل الذي اتفقت عليه قوى المحاصصة الطائفية ولن نقبل بوأد الحقوق التي تحققت للنساء العراقيات.
تحالف 188
بغداد 23-1-2025