في السادس من تشرين الثاني 2024، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس انهيار التحالف الحاكم في ألمانيا، الذي يقوده حزب المستشار الديمقراطي الاجتماعي ويضم حزبي الخضر والليبرالي الحر. وجاء انهيار التحالف بعد نزاع مرير حول مستقبل السياسة الاقتصادية وسياسة الموازنة. وبعد فشل اجتماع قيادة التحالف في التوصل إلى توافقات بشأنها. أعلن المستشار أولاف شولتس عزل وزير المالية وزعيم الحزب الليبرالي الحر كريستيان ليندنر. ويأتي تفكك التحالف بعد وقت قصير من فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
حلفاء الأمس خصوم اليوم
في خطابه الذي وصفته وسائل الإعلام بالمعد مسبقا، ويمثل بداية لحملة انتخابية مبكرة. قال المستشار الألماني، إنه سيطرح التصويت على الثقة بحكومته في البرلمان في 15 كانون الثاني المقبل، ومن المتوقع سيخسرها، لأن التحالف الحاكم أصبح فاقدا للأغلبية المطلوبة، عندها سيطلب من رئيس الجمهورية فالتر شتاينماير حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة في موعد أقصاه نهاية آذار المقبل.
وهاجم المستشار زعيم الحزب الليبرالي الحر ووزير المالية المعزول، لأنه عمل على تعزيز مواقع حزبه، وعرقل عمل الحكومة، وبالتالي خسر ثقة المستشار، واستفاض المستشار في تناول نقاط الخلاف بين الطرفين.
بالمقابل رد الوزير المعزول بكلمة مقتضبة اتهم بها المستشار بالعمل بشكل مقصود لأنهاء التحالف، وأن الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر رفضا حتى مناقشة ورقة "خطة التنمية" المقدمة من قبله كأساس للحوار. وأن حزبه سيستعد للانتخابات المبكرة ومستعد للمشاركة في تحالف حكومي شريطة أن لا يكون حزب المستشار طرفا فيه. وأعلن زعيم الحزب الليبرالي سحب وزرائه من الحكومة الحالية وهم بالإضافة إلى وزارة المالية التي يتولاها، وزير العدل ماركو بوشمان، وزيرة التعليم بيتينا ستارك-واتزينجر وفولكر ويسينج وزير النقل. وفي مساء اليوم التالي أعلن عن بقاء وزير النقل في منصبه بناء على طلب المستشار، وأعلن الوزير أنه سيبقى في منصبه، ولكي لا يحرج حزبه، فقد أعلم زعيم الحزب باستقالته من الحزب، وسوف لن ينتمي إلى حزب آخر، ويظل لصيقا بقيم الليبراليين الأحرار.
نائب المستشار ووزير الاقتصاد والقيادي الأبرز في حزب الخضر روبرت هابيك عبر عن أسفه لانهيار التحالف الحاكم، وأكد أن "ما حدث الليلة يبدو خطأ وليس صحيحا ". وعلى الرغم من أن الحلول الممكنة كانت مطروحة، إلا أنه لم يكن من الممكن سد فجوة الموازنة. وقال هابيك: "لم يكن الحزب الليبرالي الحر مستعداً للسير في هذه المسارات". لقد كانت إقالة وزير المالية ليندنر في نهاية المطاف منطقية بقدر ما كانت غير ضرورية.
ملف الخلاف
كانت السياسة المالية ومصادر التخصيصات المطلوبة في موازنة 2025 في قلب التقاطعات المستمرة بين رؤية الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي يقود التحالف الحاكم، والحزب الليبرالي الحر.
وباختصار شديد، لقد رفض الحزب الليبرالي الحر، توظيف ما يسمى بـ " التنمية الاقتصادية في ظروف استثنائية" التي تتيحها (المادتان 109 و115 من الدستور الالماني) وتخفيف ما يسمى بإيقاف العمل بمبدأ "تصفير الديون. التي يريدها طرفا التحالف الآخران، لتوفير الأموال للجمع بين تمويل الحرب في اوكرانيا، ودعم حرب الإبادة الجماعية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني وتجاوز المشاكل الجدية التي يواجهها الاقتصاد الألماني القائم على التصدير، وكذلك الحفاظ على الحد الأدنى لتمويل السياسات الاجتماعية، لعدم مواجهة معارضة شعبية قد تندلع على خلفية التراجع الاقتصادي، وللحفاظ على الشكل الاجتماعي الذي توظفه الأحزاب الحاكمة لتمرير سياساتها اليمينية.
بالمقابل يريد الحزب الليبرالي، عدم رفع تصفير الديون وتحميل أعباء الأزمة بالكامل على كاهل الأكثرية في المجتمع، وتقديم هدايا ضريبية للشركات. وبهذا يتفق مع رؤية اليمين المحافظ في الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يقود المعارضة البرلمانية.
القوى السياسية والانتخابات المبكرة
إذا ما اعتمدنا نتائج الانتخابات التي جرت أخيرا في عدد من الولايات الاتحادية، فإن المستفيد الأكبر من الذهاب إلى انتخابات مبكرة سيكون اليمين المحافظ المعارض وقد تؤدي النتائج إلى عودة تحالف الكبار مع الديمقراطي الاجتماعي، لقطع الطريق أمام حكومة يقودها الحزب النازي الجديد حزب البديل من أجل ألمانيا، والذي حقق نتائج استثنائية مخيفة في سلسلة انتخابات برلمانات الولايات الأخيرة في شرق ألمانيا.
وبالتأكيد ستكون الانتخابات المبكرة غير مريحة بالنسبة لحزب الخضر الذي يعيش صراعات مرئية بين يساره ويمينه.
أما الحزب الذي انشق عن حزب اليسار الالماني والذي يحمل اسم زعيمته "تحالف سارا فاكنكنشت" فسيواجه مشكلة بناء تنظيماته في العديد من الولايات، وفي الوقت نفسه خوض الانتخابات المبكرة، إذا ما أخذنا النتائج التي حققها الحزب في انتخابات الولايات الأخيرة فقط، فإن حظوظه ستكون جيدة شريطة أن ينجح في إعداد قوائم مرشحيه.
حزب اليسار
ستكون الانتخابات المبكرة بالنسبة لحزب اليسار صعبة وغير محسوبة، فالحزب عقد مؤتمره الأخير في 18 – 20 تشرين الأول الفائت، وكانت خطته للنهوض والاستعداد للانتخابات العامة في موعدها المعتاد في نهاية ايلول 2025، اشتراكه في الانتخابات المبكرة تعني خسارته ستة أشهر ثمينة للتحضير في ظروف صعبة للغاية.
وعلى الرغم من ذلك بدا البيان الذي أصدره زعماء الحزب ومجموعته البرلمانية طموحا، وتضمن الإشارة إلى أزمة التحالف الحاكم وفشله في تمثيل مصالح أغلبية سكان البلاد.
ويرى الحزب ارتباطا بالتحول الواسع نحو اليمين، أن "المعركة على مواقع يسار الوسط قد ابتدأت، وهذا أمر جيد. ونحن مستعدون للانتخابات. وسيجلب رياحًا يسارية جديدة إلى البلاد. وسنثبت أننا قادرون على الفوز بالانتخابات بوحدتنا الجديدة. وعندما تتحرك البلاد بأكملها إلى اليمين، يكون هناك مجال كبير لليسار. سوف نستفيد من هذه الفرصة".