في مايو (ايار) 2023 كانت أول محاولة للمفاوضات بين طرفي الحرب في جدة بمبادرة من الولايات المتحدة و السعودية وهي المحاولة الوحيدة التي اتفق فيها الطرفان على هدنة - وقف اطلاق النار - لفترة محددة.
بقية المحاولات التي شارك فيها الطرفان او طرف واحد لم تثمر أو تغني من جوع. فمن جدة الاولى والثانية وفي الاجتماعات التي تمت في دول الجوار أديس ابابا والقاهرة وجيبوتي ومؤخرا سويسرا كلها تمت وانفضت، ولا زالت الحرب الكارثية مستمرة رغم جهود الجميع.
الحقيقة لا زالت كل الحروب مشتعلة. فحرب روسيا و أوكرانيا تحولت إلى مواجهة عسكرية بين الناتو و روسيا وحرب الإبادة التي شنها الجيش الصهـ يونـ ي في غـ زة تراوح نفس المكان وتتمدد في احتلال غير معلن للضفة وتدخل لبنان في مواجهة دوامة عربدة جيش الاحتلال الصهـ يونـ ي.
لكن الحروب مستمرة ويبدو أن تجار الحروب رغم قلتهم لكنهم مسؤولون عن دفع العالم تجاه مواجهة عسكرية وحشية يدفع ثمنها الأبرياء في كل من روسيا و أوكرانيا وغـ زة والضفة الغربية ولبنان والسودان.
السبب خلف هذا الدمار هو فشل المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة بالقيام بدوره في حماية المدنيين وإسكات لعلعات المدافع.
وبينما يموت المئات في حرب الإبادة في لبنان يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع مديناً انتهاك الكيان الصهـ يونـ ي لوجود قوة اليونيفيل في جنوب لبنان أما عن ضحايا الشعب اللبناني في الجنوب وبيروت والبقاع لا قرار.
لذا فالحرب الكارثية في السودان وهي تدخل شهرها الثامن عشر ورغم كل الضجيج حول أهمية وقفها. والاتفاق شبه النهائي و الاتفاق المجمع عليه على تقديم المساعدات الإنسانية وفتح المسارات وحماية المدنيين؛ فلازال دخان قصف المدافع يتصاعد في الخرطوم وأمدرمان وبحري والفاشر، ولا زال النزوح في الداخل والهجرة إلى الدول المجاورة مستمر.
أصدر مجلس السلم والأمن الافريقي بيانا بتاريخ 14 أكتوبر يتضمن نتائج زيارة وفده إلى بورتسودان والقاهرة.
ومع ترحيبنا بكل خطوة تجاه وقف الحرب ومن ضمنها سعي مجلس السلم والأمن الأفريقي للمساهمة في الجهود الإقليمية والعالمية لوقف الحرب واسترداد السلام وتهيئة الجو لحكم مدني ديمقراطي إلا أن البيان يؤكد من جديد على أهمية نتائج لقاءات جدة في مايو من العام الماضي و التي لم ترى الضوء ولم تنفذ حتى الآن. ويطالب طرفي الحرب بالالتزام بما اتفق عليه قبل عام ونصف. كما يشير البيان إلى أهمية تنفيذ خارطة طريق الاتحاد الأفريقي لحل الأزمة في السودان.
كل هذا يؤكد أنه لا الاتحاد الأفريقي ولا الأمم المتحدة ولا الإيقاد يملكون خطة واضحة و أدوات لتنفيذها لإيقاف نيران الحرب في السودان. التركيز فقط على مشعلي الحرب لن يساعد على إيجاد حل للأزمة السودانية. المسألة الأساسية التي تغيب في المبادرات هي دور القوى المدنية داخل السودان كركن أساسي للوصول إلى حل يستند إلى تأييد شعبي واضح يوقف الحرب وليس فقط وقف اطلاق النار ويفسح الطريق لحكم مدني ديمقراطي كامل.
هذا الركن المدني هو الأساس لحل الأزمة يتبلور يوما بعد يوم ويخرج من بطن معاناة الناس وتضامن القواعد من لجان الطوارئ والمتطوعين ويسير في طريق عبدته لجان المقاومة عبر تجاربها المريرة في النضال ضد حكم الإخوان المسلمين وجنرالات اللجنة الأمنية. وتتقدم الجبهة النقابية ببطء لتملأ مقعدها في إطار
التشاور و بناء الجبهة الجماهيرية العريضة.
ومن جهة أخرى يبرز حزبنا وقوى تحالف التغيير الجذري وقوى سياسية اتجهت إلى الداخل لتدعيم الأرضية التي يمكن أن تبنى وتلتف حولها الجماهير.
إن حل الأزمة السودانية من جذورها وعودة السلام والديمقراطية يمر عبر هذا التحالف الجماهيري وأدواته المجربة والتي اعتمدت في الماضي على سجلها النضالي الجماهيري المستقل وتتقدم الآن لتملأ الفراغ الذي ساهمت حرب الجنرالات في فرضه.

الميدان 4243،، الخميس 17 اكتوبر 2024م.