حول إشكالات اليسار السويدي والتحول الى اليمين في الانتخابات الأخيرة

تميزت الانتخابات العامة التي جرت في أيلول 2022 في السويد بصعود حزب الديمقراطيين السويديين اليميني المتطرف (نازيون جدد) وسقوط حكومة يسار الوسط التي يقودها الديمقراطيون الاجتماعيون. ونتيجة لهذه الانتخابات، تشكلت حكومة أقلية يمينية مدعومة من اليمين المتطرف. شارك إريك أندرسون في الحملة الانتخابية لحزب اليسار السويدي. وعمل منسقا للحملة الانتخابية في الضواحي الجنوبية للعاصمة ستوكهولم.  نشرت جريدة "تيوزدويجلاند" اليسارية الألمانية في 8 تشرين الثاني الفائت، نصا مختصرا وبتصرف للحوار الذي نشرته شبكة تحول الأوربية القريبة من حزب اليسار الأوربي تناول فيه إشكالات اليسار السويدي وما افرزته الانتخابات البرلمانية الأخيرة. ادناه عرض لاهم ما جاء في هذا الحوار.

الانتخابات البرلمانية الأخيرة

يمكن العثور على الأسباب التي أدت الى نتائج الانتخابات الأخيرة، في نتائج انتخابات عام 2018 التي سبقتها.  لقد افرزت انتخابات 2018 حكومة أقلية ضعيفة للغاية من الديمقراطيين الاجتماعيين، والخضر، اعتمدت على دعم حزب اليسار وحزب الوسط والليبراليين. لقد قدم الديمقراطيون الاجتماعيون تنازلات لإرضاء حزب الوسط والليبراليين، وهما حزبان يمينيان مختلفان. على الرغم من أن حزب الوسط يرفض بوضوح عنصرية الديمقراطيين السويديين، إلا أنه حزب ليبرالي جديد  زعيمه من أشد المعجبين، من بين آخرين، بمارغريت تاتشر.

الانضمام الى الناتو

لم تكن الحرب في أوكرانيا وراء السعي لانضمام السويد الى الناتو.  لقد اخفت الحكومة الديمقراطية الاجتماعية عمدا وبنجاح كبير القضية قبل الانتخابات بفترة طويلة، رغم ان الامر كان بالنسبة لها صفقة منتهية. وكان هناك أيضًا دعم واسع لعضوية السويد في الناتو في البرلمان؛ حزب اليسار وحزب الخضر عارضوا ذلك فقط. ويعرف الناس أن حزب اليسار يعارض الانضمام إلى الناتو. ولم يحاول الحزب إخفاء ذلك أيضًا، لكن الموضوع لم يكن أولوية دائمة. وبمرور الوقت، ركز حزب اليسار أكثر فأكثر على منع قيام الحكومة السويدية بتسليم النشطاء الأكراد الى حكومة اردوغان، الامر الذي اعطى تصورا ان هناك تغيير في موقف حزب اليسار بشأن الانضمام الى الناتو.

في السويد جالية كردية كبيرة، تتمتع بإمكانيات تعبوية كبيرة، وهي ممثلة بقوة في الأحزاب الليبرالية واليسارية. على سبيل المثال، عندما غزت تركيا المناطق الكردية في شمال سوريا، نزل 10 آلاف محتج إلى شوارع في ستوكهولم حاملين لافتات حزب العمال الكردستاني والتنظيمات الكردية في شمال سوريا. لقد دعا أردوغان إلى حظر بعيد المدى على استخدام الرموز المرتبطة بالمنظمات الكردية، وهذا أمر غير مألوف للغاية في السويد. ومن الأمور المثيرة للقلق بالنسبة لليسار السويدي، هو ان اردوغان يمثل املا أخيرا، لمنع انضمام السويد الى الناتو، عبر تقديم مطالب لا تستطيع السويد تلبيتها..

صورة زائفة

تكتيكات اليمين المتطرف تقوم على تحسين صورتهم، من خلال الاستفادة من اقتراب أحزاب اليمين الأخرى منه. جاء التغيير الكبير قبل بضع سنوات عندما التقى "ديمقراطيو السويد" مع اتحاد أرباب العمل السويديين وأسقطوا بعضًا من مواقفهم الأقل يمينية، مثل معارضتهم السابقة لجني الأرباح الخاصة في نظام الرعاية الاجتماعية. لقد اعتادوا على وضع أنفسهم في مكان ما في وسط الطيف في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، باستخدام شكل من أشكال الرفاهية الشعبوية بعبارات مثل "لماذا لا نعتني بشعبنا أولاً؟" وبمرور الوقت، تحول تركيزهم أكثر فأكثر نحو القانون والنظام، وتصرفوا كما لو كانت البلاد على شفا الانهيار والحرب الأهلية. هذه واحدة من أوراقهم الرابحة القليلة، لأن السياسات الليبرالية الجديدة فقدت مصداقيتها تمامًا.

واجهت   حزب اليسار صعوبات في المساهمة في تحديد أوليات في الصراع الانتخابي، الى جانب معاناة الحزب من الصراعات الداخلية، بين أمور أخرى، بشأن الموقف من الحرب في أوكرانيا، ولكن في الغالب حول كيفية معالجة القضايا البيئية في وقت الأزمات. عندما بدأت أسعار الوقود في الارتفاع، أيدت قيادة الحزب تحديد سقف لأسعار الوقود، واقترح الحزب خفضاً جذرياً لفواتير الخدمات العامة. ومع ذلك، فقد أثارت قضية أسعار الوقود على وجه الخصوص الكثير من الانتقادات الداخلية، حيث اتهم الحزب بعدم الوضوح في السياسة البيئية ومحاولة كسب الناخبين المحافظين في المناطق الريفية بثمن بخس.

هذا جزء من اتجاه أوسع حيث تم استبدال التباينات الطبقية بانقسامات داخل الطبقة العاملة؛ بين "السويديين" و "المهاجرين"، ولكن أيضًا بين "الفئات الوسطى الحضرية" و "الطبقة العاملة التقليدية في الريف". وشكل ذلك نوع الحرب الثقافية كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى. اكدت قيادة الحزب إن الحزب يريد المزيد من الإجراءات الجذرية بشأن تغير المناخ أكثر من أي وقت مضى، لكن التركيز يحتاج إلى التحول من الحلول الفردية إلى الحلول الجماعية. وأدى ذلك إلى العديد من الصراعات الداخلية التي كان من الممكن التعامل معها بطريقة أكثر موضوعية.

 دور النقابات العمالية في الحملة الانتخابية

للأسف، كانت النقابات بالكاد مرئية. لقد عانت الاتحادات النقابية الكبيرة من الميل الى الانشقاق ومن حالة عدم الرضا بين أعضائها منذ أن أجبرتها الحكومة الديمقراطية الاجتماعية على الانخراط في عملية التراجع التي شهدتها قوانين العمل السويدية، مقارنة بالتغييرات التقدمية في السبعينيات.  لقد وقع اتحاد عمال المعادن واتحاد عمال البلديات اتفاقية مثيرة للجدل للغاية مع اتحاد أرباب العمل، مما عطل التنسيق بين النقابات. نقابة المعادن فعلت ذلك لأن قيادتها "براغماتية" للغاية ونقابة عمال البلدية لأن أعضاءها يعانون من ظروف عمل سيئة وكانوا يعتقدون أن الامتيازات المحدودة تستحق التنازلات.

من جانبها شعرت منظمات المجتمع المدني بالفزع من نتائج الانتخابات، وعبر بعضها الحزن والصدمة. لقد أزال الحدث الأوهام بشأن حصانة السويد من صعود اليمين المتطرف الجاري في العالم.   وبدأ الجميع يتقبل ببطء الواقع الجديد، التفكير في الكيفية التي يمكن بواسطتها مواجهته والدفاع عل النفس بكفاءة أكبر.

مستقبل دولة الرفاه

يمكن القول إن الهيكل الأساسي لا يزال سليما إلى حد ما، لكنه يشبه منزلا قديما متهالكا  ينهار في النهاية. وبمرور الوقت، تصبح الاستفادة من النظام الاجتماعي أمرًا صعبًا بشكل متزايد ويتم تخفيض إعانات البطالة، بينما تزداد تكلفة الحصول على عضوية صندوق البطالة.

هذا جزء من اتجاه يتسع، حيث المزيد والمزيد من الناس، وخاصة المهاجرين، غير مشمولين بالضمان الاجتماعي ويعملون في ظل ظروف مختلفة للغاية عن العمال الميسورين وافراد الفئات الوسطى. وهذا بدوره سهّل على قوى اليمين تحريض الناس ضد بعضهم البعض، وإلقاء اللوم وكل شرور المجتمع على الفئات الدنيا.

في الوقت الحالي، يشعر الكثير من الناس بالقلق لأنهم يواجهون أزمة طاقة في  الشتاء. ومع بلوغ معدل التضخم 9 في المائة ، سيحتاج القطاع العام إلى مزيد من الأموال لمواصلة تقديم خدماته. ومن المشكوك فيه أن توافق الحكومة اليمينية على زيادة الميزانية، لذلك من المتوقع إجراء تخفيضات كبيرة. ومع ارتفاع تكاليف الطاقة، وتزايد الركود مصحوبا بمعدلات بطالة عالية. ولكن يمكن أن تؤدي الأزمة أيضًا الى تصعيد المقاومة وتفتح الباب لمزيد من الانقسامات المجتمعية المثمرة.

خلال الأشهر الأخيرة من أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق، قامت هذه القوى في انسجام مع بقية قوى اليمين، بتوظيف ازمة الطاقة بأسلوب شعبوي، محاولين تصوير قوى اليسار والمدافعين عن البيئة تهديدا ا ( تحذف ) "للمواطنين العاديين الذين يعملون بجد ويملكون منزلاً ويقودون سيارة". في خطاب موجه الى العمال والحرفيين في المناطق الريفية، حيث يعيش معظم الناس في منازل أسرة واحدة ويعتمدون على استخدام السيارات.

الابتعاد عن الليبراليين الجدد

لا يمكن هزيمة اليمين المتطرف من خلال التجميع المجرد "لكل القوى المضادة لليمين الشعبوي"، لان تجميع القوى المجرد سيشمل القوى التي ساهمت في إطلاق وحش التطرف. ان مثل هذا المنطلق يحمل في طياته مخاطر إضفاء الشرعية على قوى اليمين الشعبوي، باعتبارهم الصوت الناقد لمؤسسات الدولة التقليدية. بالتأكيد فان التعاون ضروري بشأن قضايا ملموسة مثل قضايا المرأة، وضمان حرية خيارات الناس الشخصية، لكن على اليسار الابتعاد بوضوح عن الليبرالية الجديدة. اثناء الحملة الانتخابية، كان من الضروري شن هجوم سياسي من قبل الحركة العمالية على نطاق أوسع؛ من النقابات العمالية إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى حزب اليسار، والتواصل مع الحركات البيئية والحركات الاجتماعية الأخرى. وهذا هو أحد الدروس التي تتعلمها الحركة من هذه الهزيمة التاريخية. 

*- نشرت المادة لأول مره مجلة الشرارة في العدد 161 كانون الأول 2022

عرض مقالات: