بمشاعر تفيض سخطاً وغضباً يستعيد ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية ذكرى وعد بلفور المشؤوم الذي جاء ثمرةً لالتقاء المصالح غير المشروعة للدول الاستعمارية، وخاصة لبريطانيا، في المنطقة العربية مع أطماع الصهاينة لانشاء وطن قومي لهم في فلسطين.

دحض دوافع بريطانيا الاستعمارية لاصدار الوعد المشؤوم يجب أن يستند الى المثابرة في الكشف عن زيوف الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني كونها اساطير مختلقة مجافية للعلم والتاريخ، كذا في فضح السعي المحموم للدوائر الاستعمارية الغربية لخلق كيان يمتلك المقومات الكافية والاستعداد دون تردد لأن يكون بمثابة قاعدة عسكرية متقدمة للدول الامبريالية تُوظَف لقمع تطلعات الأمة العربية للتحرر والاستقلال والتقدم الاجتماعي، وتؤمن لها (للدول الامبريالية) بسط هيمنتها على المنطقة واستغلال موقعها الاستراتيجي وامكاناتها في صراع الضواري الاستعمارية لإعادة اقتسام العالم فيما بينها.

لتمكين الكيان الصهيوني من النهوض بهذه المهمة جندت الطغم الحاكمة في البلدان الامبريالية الغربية امكانات عسكرية ومالية ودبلوماسية هائلة، لم تحظ بها أي دولة في العالم، مهما بلغت درجة تبعيتها للنظام الرأسمالي العالمي في أي مرحلة من المراحل التي تلت الحرب العالمية الثانية واقامة الكيان الصهيوني على الجزء الأكبر من فلسطين التاريخية.

هذه واحدة من العبر العديدة لتاريخ علاقات التحالف الاستراتيجي والعضوي الامبريالي – الصهيوني التي يتوجب استحضارها من قبل الانظمة العربية التي تلهث وراء كسب رضى الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو عبر تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ولإزالة أي عراقيل من وجه دمجه في المنطقة وبيئتها الاقتصادية والسياسية وبأن يصبح مكوناً مهيمناً من مكونات أمنها.

بفعل الدعم الامريكي والاطلسي المتواصل دون انقطاع للكيان الصهيوني منذ قيامه، وتواطؤ جلّ النظام الرسمي العربي الذي انكشف أمره بصورة فاضحة مؤخراً، لم يعد كيان الاحتلال، اليوم، مجرد قاعدة استعمارية عسكرية متقدمة مجندة في خدمة المصالح والاطماع الامبريالية، بل أضحى كياناً يتعمق باضطراد طابعه العنصري والفاشي، وتترسخ أكثر فأكثر نزعته العدوانية والتوسعية المتأصلة فيه منذ نشأته، ويغدو بصورة أشد من أي وقت مضى على ولادته القيصرية مصدر خطر داهم يتهدد أمن وسلامة الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة، فضلاً عن استقرار المنطقة العربية برمتها وأمن شعوبها وتطورها المستقل.

إن لجم هذه التوجهات المعلنة بشكل صارخ لكيان الاحتلال، ووضع حدّ لجرائمه الدموية المنفلتة التي باتت حدثاً يومياً متكرراً ومتنقلاً في سائر الاراضي الفلسطينية المحتلة، والعمل على تأمين حماية دولية عاجلة للشعب الفلسطيني الرازح تحت أبشع احتلال عرفته البشرية في العصر الحديث، يجب أن تغدو أولوية على جدول الاعمال النضالي للفصائل الفلسطينية كافة، ولجميع أحزاب وقوى حركة التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي العربية والعالمية.

لا يجوز أن تُترك المؤسسة العسكرية والأمنية "الاسرائيلية" وحركة المستوطنين الصهاينة الفاشيين طليقين لممارسة الاغتيال والتنكيل والعقاب الجماعي دون رادع، ولا يجب ان يبقى الشعب الفلسطيني وحيدا ومنفردا في مواجهة آلة القمع "الإسرائيلية" الدموية والهمجية، ولا يجب أن توكل مهمة انهاء الاحتلال للشعب الفلسطيني فقط، بل يجب، في سبيل ذلك، أن تستنفر الأمة العربية وأحزابها وقواها الوطنية والديمقراطية والتقدمية (ومنها الأحزاب القومية واليسارية الأردنية) طاقاتها وامكاناتها لممارسة أوسع ضغط شعبي ممكن على الانظمة العربية، والنظام الأردني من ضمنها، لكي تتوقف عن تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني العنصري، ولكي تستجيب لإرادة الشعوب ودعواتها المتكررة بتقديم الدعم الملموس والمباشر والفعال للشعب الفلسطيني بما يمكنه من الصمود على أرض وطنه ومواصلة مقاومته، بأشكالها كافة، الشعبية والمسلحة، من اجل التحرير والعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الوطنية المستقلة، وعاصمتها القدس. 

وحتى تتمكن شعوبنا العربية من الوفاء بدورها، يتوجب على السلطة الفلسطينية التخلي نهائياً عن وهم المراهنة على حدوث تحول في مواقف الادارة الأمريكية، المعادية جوهريا وجذريا لتوق الشعب الفلسطيني للتحرر وممارسة حقوقه الوطنية على ترابه الوطني، وأن تراهن فقط على شعبها واستعداداته غير المحدودة للتصدي والمقاومة، وأن تتخلى نهائياً عن التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الصهيوني، وأن تتخذ اجراءات عاجلة وفعّالة لانهاء الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني ونزع مبررات استمراره.

ما لم يحدث تحّول ملموس في مواقف السلطة الفلسطينية ينسحب على مواقف جلّ الأنظمة الرسمية العربية، سيبقى كيان الاحتلال يشعر أن أياديه مطلقة في التنكيل بالشعب الفلسطيني، ومواصلة التنكر لحقوقه الوطنية المشروعة، واقتراف الأعمال الاجرامية بحق أبنائه وبناته.

المقاومة للاحتلال وسوائب مستوطنيه يجب أن لا تكون مهمة نخبة من الشباب الفلسطيني الذي يتميز بالجرأة والاقدام والاستعداد لتقديم المثال والنموذج، بل يجب أن تغدو حركة الشعب الفلسطيني بأسره، عبر استلهام نماذج الانتفاضات الشعبية الباسلة على مدى تاريخ الكفاح الفلسطيني بأسره، لا سيما في العقود الاخيرة.

عمان في 2/11/2022

                                                                                              

الناطق الرسمي باسم إئتلاف الأحزاب القومية واليسارية 

أمين عام الحزب الشيوعي الاردني/ فرج اطميزه