مع حلول ذكرى استقلال البلاد، يستعيد شعبنا الأردني مسيرة الكفاح الممتدة على مدى ستة وسبعين عاماً، التي انطلقت شراراتها الأولى مباشرة بعد تمكّن سلطات الانتداب البريطاني من فرض معاهدة جائرة تحكّمت في ظلها الدولة المنتدبة – بريطانيا – بالمفاصل الأساسية لحياة البلاد السياسيّة والاقتصاديّة الماليّة والعسكريّة – الأمنيّة، مما شكل استفزازاً طبيعياً للمشاعر الوطنية لشعبنا الأردني، التقطتها وتجاوبت معها ثلّةٌ من الشخصيات الوطنية المناهضة للاستعمار كان من أبرزهم حسين باشا الطراونة، والأمير راشد الخزاعي، وشاعر الأردن مصطفى وهبي التل وحمد بن جازي، وعلي نيازي التل وآخرون، الذين تنادوا الى عقد مؤتمر وطني عام 1928ضم 150 شخصية وطنية، كان له كبير الأثر في رفع المواجهة السياسية بين القوى الوطنية الأردنية وبين سلطات الانتداب البريطاني وأدواتها وتوابعها المحلية. وقد تبنى المؤتمر وثيقة سياسية مهمة تضمَنت برنامج عمل كفاحي، نص، ابتداءً، على رفض المعاهدة الأردنية البريطانيّة والتنديد بوعد بلفور، وحدد قواعد أساسية عصرية وديمقراطية أرادها أن تكون حاكمة للنظام السياسي ولإدارة الدولة الأردنية. ولا يزال قسم أساسي من هذه القواعد يحتفظ براهنيته وأهميته حتى اليوم.. رغم مرور ما يزيد على تسعة عقود على إقرارها. وذلك لأن جدول الأعمال الوطني والديمقراطي، للدولة الأردنية، ظل، منذ ذاك وحتى اليوم، معطَّلاً بصورة قسرية.
واصلت الحركة الوطنية الأردنية بأشكال مختلفة التعبير عن إرادة شعبها واصراره على انتزاع الاستقلال التام وتحقيق السيادة الكاملة اللذين بقيا منقوصين حتى مع اعلان انتهاء الانتداب البريطاني في 25/5/1946 واعتراف الأمم المتحدة بالأردن دولة مستقلة ذات سيادة.
ومع قوة الدفع الهائلة التي تلقتها الحركة الوطنية الأردنية بتشكيل أحزاب يسارية وقومية في مطلع خمسينيات القرن الماضي، تصاعدت المطالب الشعبية بتعريب الجيش وإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية ورفض أي مظهر من مظاهر الانتقاص من استقلال الأردن وسيادته عبر انخراطه في الأحلاف الامبريالية المشبوهة، وفي مقدمتها حلف بغداد.
ولو قيض للتجربة الديمقراطية الفريدة من نوعها لغاية الآن (التي أفضت لإجراء انتخابات حرة، ديمقراطية ونزيهة عام 1956 تمخض عنها برلمان انتخب على أساس حزبي وعبّر بشكل صادق عن مصالح وطموحات الشعب الأردني، ونجح في تشكيل حكومة وضعت المطالب الوطنية للشعب الأردني وفي مقدمتها الغاء المعاهدة الأردنية البريطانية في صدر اهتماماتها واجراءاتها العملية)، أن تتجذر وتترسخ، وأن تُوفر لها سبل الديمومة والتطور، لكان الأردن اليوم في مصاف الدول ذات التقاليد الديمقراطية الراسخة، وذو قدرة على مواجهة املاءات المؤسسات المالية والنقدية الدولية لنهج الليبرالية الاقتصادية الجديدة واقتصاد السوق، والتصدي للمشروع الصهيوني ومقاومة مظاهر الفاشية والعنصرية المتنامية داخل الكيان الصهيوني والمدعومة من قبل الدوائر الامبريالية العالمية، وخاصة الأمريكية.
غير أن المسار الديمقراطي قد تم تعطيله والانقلاب عليه، ولم يتم تمكين حكومة الراحل سليمان النابلسي من الولاية العامة سوى ستة أشهر، وقد اختط الأردن بعد ذلك مساراً لم يجنبه صعوبات اقتصادية اجتماعية وسياسية ومالية – نقدية حادة، ولا زالت البلاد تئن تحت وطأة النهج الاقتصادي التبعي السائد ومن تداعياته الاجتماعية على قطاعات واسعة من الشعب الأردني، وعلى مستوى معيشتها الآخذ في التردي المضطرد، وتعاني من السياسات الرسمية الرامية الى تضييق الخناق على حرياتها الديمقراطية والسياسية، ومن أبرزها حق التعبير عن الرأي، وعدم الوفاء بمتطلبات الإصلاح السياسي حتى بحدوده الدنيا، وتجاهل المطالب الشعبية بإجراء تغيير حقيقي وديمقراطي في بنية التشريعات الناظمة للحياة السياسية، وفي مقدمتها قوانين الانتخابات والأحزاب.
وبالرغم من مظاهر الإحباط الناجمة عن تجاهل السلطات الرسمية للإرادة الشعبية، وعدم تجاوبها مع المطالب المحقة للناس، إلا أن شعبنا سطر على مدى 76 عاماً إنجازات لا يجوز ولا يصح اغفالها بفضل كدح شغيلة اليد والفكر، ونضال أحزاب وقوى وشخصيات الحركة الوطنية الأردنية على امتداد المئة عام الأخيرة من عمر الدولة الأردنية، واستجابة متقطعة من السلطة الحاكمة للإرادة الشعبية.
إن ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية إذ يهنئ جماهير شعبنا بذكرى الاستقلال، يؤكد على ان أحزابه ستواصل النضال من أجل تعزيز الاستقلال والتصدي للنهج الرسمي المتمسك بالتبعية للمركز الرأسمالي الامبريالي، والمثابر على تعميق العلاقات غير المتكافئة مع الولايات المتحدة الأمريكية في شتى المجالات، بما في ذلك في المجال العسكري والأمني، الذي فتح الباب على مصراعيه لإقامة القواعد العسكرية في الأراضي الأردنية، والممعن في تنفيذ سياسات وإجراءات تؤدي بالنتيجة الى اضعاف منعة الجبهة الداخلية وتراجع قدرتها على مجابهة التحديات الداخلية والخارجية المتعاظمة.

عمان في 24/5/2022

الناطق الرسمي باسم ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية
فرج اطميزه