غادر الليبراليون الجدد الحكم في الارجنتين، والبلاد في حالة ركود، ووصول البطالة الى معدلات قياسية، وأكثر من ثلث الأرجنتينيين يعانون الفقر. ووصل معدل التضخم الى أكثر من 50 في المائة. وبالإضافة الى ذلك تعاني البلاد من أزمة ديون، وحتى القرض الذي قدمه صندوق النقد الدولي والبالغ 57 مليار دولار، بهدف المساعدة على إعادة انتخاب اليمين، لم يكف للتخفيف من حدة الازمة التي أطاحت بحكم الليبراليين الجدد، الذين لم يقدموا طيلة 4 سنوات حلولا مقبولة سوى وصفتهم المعروفة عالميا بفرض إجراءات تقشف قاسية، تدفع ثمنها فئات السكان الأشد فقرا.
ومن المعروف أن الرئيس اليساري الراحل نستور كريشنر، وزوجته كريستينا قد حكما الارجنتين في سنوات 2007 – 2015 واستطاعا تجنيب البلاد حالة إعلان الإفلاس، بعد طرد ممثلي صندوق النقد الدولي والمراكز المالية العالمية من البلاد، وعدم الاعتراف بالجزء الأكبر من الديون غير الشرعية، وانتهاج سياسة اقتصادية واجتماعية تقدمية أخذت بيد ملايين الفقراء في الارجنتين، وخفضت معدلات البطالة الى نسب غير مسبوقة، وحققت مكتسبات اجتماعية مهمة.
في وقت متأخر من مساء الثالث من آب الجاري توصلت حكومة اليسار في الارجنتين إلى اتفاق مع دائنيه الرئيسيين من المؤسسات المالية الخاصة، بشأن مقايضة الديون. ويعتبر الاتفاق اول نجاح كبير للرئيس الارجنتيني ألبرتو فرنانديز، خلال فترة ولايته، التي بدأت مع بداية العام الحالي. وأعلن الرئيس بارتياح تام: „في السنوات العشر القادمة سيكون علينا دفع 37.7 مليار دولار أقل”.
والأهم من خفض الديون هو أن الأرجنتين ستدفع 4,5 مليار دولار فقط من الديون خلال السنوات الثلاث المقبلة، بدلاً من قرابة 41 مليار دولار المسجلة سابقا. وستتحرر الأرجنتين عن علامة عدم القدرة على السداد، التي وصمتها بها وكالات التصنيف الدولية في آذار الفائت، بعد إخفاقها في تسديد الفوائد. وفي كلا الحالتين ستمنح البلاد التي تعاني أيضا من العواقب الاقتصادية لأزمة كورونا فترة راحة مالية مطلوبة بشكل عاجل، وستستطيع دخول أسواق الاقتراض العالمي، التي تعد مهمة اساسا بالنسبة لشركات القطاع الخاص في سبيل إنعاش الاقتصاد المنهار.
ويتضمن الاتفاق ابدال 21 سندًا قديمًا بقيمة 66 مليار دولار بعشرة سندات جديدة، إلى جانب تخفيض الديون. وكان وزير الاقتصاد الارجنتيني مارتين غوزمان، قد قدم عرضا أوليا في منتصف نيسان الفائت تضمن خفضًا للديون بقيمة 41,5 مليار دولار، وإيقاف تسديد الأقساط لمدة ثلاث سنوات. وكان على الوزير تعديل العرض قبل النجاح في التوصل الى الاتفاق.
صندوق الاستثمار الأمريكي بلاك روك، أكبر الدائنين بقرض قيمته 9 مليار، طالب بالمزيد، وهدد أكبر مدير للأصول في العالم في رسالة إلى وزير الاقتصاد، بأن إعادة هيكلة الديون ستفشل. وحاول الصندوق عدة مرات تجاوز الوزير، ولكن إصرار الأخير وتنسيقه التفصيلي مع رئيس الجمهورية، وحرصه على التفاصيل الدقيقة أفشل هذه المحاولة.
المفاوضات الصعبة
وبعد نجاح الحكومة في مفاوضاتها مع أكبر المجموعات الخاصة من الدائنين، حدد غوزمان الهدف المقبل في إبرام اتفاقية مع صندوق النقد الدولي في الأشهر الأولى من العام المقبل. قال غوزمان: “سنجري نقاشًا كاملاً وسندرس بعناية كل التفاصيل”.
وسيجرى التفاوض بشأن قرض قيمته 57 مليار دولار وعد به الصندوق حكومة اليمين السابقة في عام 2018، وهو - أكبر قرض منفرد في تاريخ الصندوق. وتم تحويل قرابة 44 مليارًا منه، بدون موافقة البرلمان الأرجنتيني، لذلك تعتبره حكومة اليسار الحالية غير دستوري، ويقول نقاد القرض، ان الصفقة خالفت معايير صندوق النقد أيضا.
واكد غوزمان إن هذا القرض لا يختلف كثيرا عن وصفات الصندوق التي فشلت في أجزاء مختلفة من العالم في نهاية التسعينيات. وإنه من المتوقع أيضًا أن يطالب الصندوق باعتماد شروط التقشف القاسي، كما فعل مع البلدان الأخرى، لكنه لن “يقبل أي شيء موجه ضد التنمية الاقتصادية المستدامة والمستقرة في البلاد”.

عرض مقالات: