لم يكن الرفيق فهد متفرغا للعمل الصحفي، ولكنه كان يعي أهمية الاعلام والتحريض الجماهيري ضد الحكومات الرجعية المتعاقبة إبان الحكم الملكي، فوجد ضالته في الكتابة لنشر مبادئ الحزب ومطالب الناس المختلفة. ولا غرو أن يرى الجنرال رشيد عالي الكيلاني بعد أن رجع من قمع انتفاضة سوق الشيوخ عام 1935 بأن المنشور الشيوعي الذي وجده على مكتبه اخطر بكثير من الانتفاضة.
أهتم فهد بالتواصل الاجتماعي واثارة النقاشات في المقاهي، وكانت إحدى الوسائل المتاحة آنذاك، وبهذا يخلق من خلال اختلاف الآراء تأثيرا على السامعين الآخرين. ولأهمية المطبوع لم يكتف فهد بما ينشره الحزب في صحافته السرية، بل لجأ الى الصحافة العلنية والاستفادة من امكانياتها في ايصال سياسة الحزب ومواقفه المختلفة.
ويشير الجواهري في مذاكرته في الجزء الأول الى لقائه الأول مع فهد عام 1942 في جريدة ( الرأي العام) التي كأن يرأسها، ان (ذو النون أيوب) قدم لي (الرجل المجهول لدي، والشخصية المدوية في العراق).وبعد تجاذب اطراف الحديث، على فنجان القهوة، استل الرجل من جيبه حزمة أوراق قائلا: هذه مقالة، أن رضيت عنها، فبوسعك نشرها.. ولك الفضل. ناديت وكما يقول الجواهري (على أحد العاملين في الجريدة، وطلبت منه أن يعتني بها وأن تكون افتتاحية لعدد الغد). حدق الرجل في وجهي بذهول وتعجب، قائلا (يا أستاذ، الا تريد ان تقرأ ما فيها أولا) قلت :( لا ، لن اقرأ ما تكبه أنت) وفعلا ، لم أعرف ما ورد في المقالة إلا بعد أن قمت بنفسي بتصحيح مسودة الطباعة، قبل أن يصدر العدد وتصبح بين ايدي الناس، لتثير صدى مدويا. كان الرجل: فهد! (سكرتير الحزب الشيوعي العراقي).
وظف فهد ثقافته العارفة بأسلوب بسيط لا يخلو من الدعابة في توصيل أفكار الحزب، و كان همه الأساسي هو إنارة واشعال الطريق أمام الكادحين لمعرفة واسترداد حقوقهم المسلوبة، والثورة على كل المظالم التي تعني كما يقول لينين ( تحطيم أصنام الجهل بداخلنا عوضا عن إسقاط تماثيل شاهدة على تاريخنا). وبهذا خلق عندهم القوة الفكرية الصلدة التي ساعدت الحزب على مقاومة النكسات والضربات الكثيرة التي تعرض لها، بما فيها، اعدام فهد نفسه، ولم يلتجئوا الى تبريرات ورفع راية الاستسلام. وكان فهد عارفا بسياسة المستعمرين الذين اغرقوا كما يقول الأسواق بنشراتهم واستأجروا الصحف والكتاب واحتكروا مواد الطباعة وضيقوا الخناق على أصحاب الفكر الحر بالإضافة الى ما يمتلكونه من ماكنة إعلامية ضخمة. داعيا الى عدم التهاون الفكري في التصدي لمحاربة ( المفاهيم الاستعمارية ومشتاقاتها أنى مصدرها وحيثما وجدت).
فما أحوجنا اليوم ونحن نشهد الثورة العلمية في وسائل الإتصال الجماهيري ودور الاعلام في خلق صحافة شيوعية مؤثرة تستنهض قوى الحزب والكادحين وقوى اليسار عموما في مواجهة اخطبوط الفساد وأعلامه. ونعيد كلمات فهد الذي يقول: إن على المواطنين الواعين الاتصال بالجماهير الشعبية وافهامها حقوقها، أو بالأحرى، افهامها أسباب ضياع حقوقها وتشخيص طريق تلك الحقوق، سارقي خبزها وحرياتها، ثم ارشادها الى طرق المطالبة والنضال من أجل احراز تلك الحقوق. أجل أن على المواطنين الواعين دفع الجماهير وتعليمها طرق التنظيم ومساعدتها في نضالها اليومي.