صدر كتاب بعنوان (موضوعات دستورية في الشأن العراقي) للدكتور علي محسن مهدي عن دار الرواد المزدهرة في نهايات العام الماضي في 229 صفحة من القطع المتوسط يلقي الضوء على مفردات قانونية ويتناول بالشرح مواضيع مثل الفراغ الدستوري وشرعية تمديد مدة مجلس النواب وماهية حكومة تصريف الاعمال واشكالية انتقال النواب من حزب الى اخر ومؤكدا على ان العدالة الانتقالية هي الطريق الامثل للتحول الديمقراطي وقضايا اخرى كادراج الحماية الاجتماعية في خطة التنمية الوطنية للاعوام 2018ـ 2022 والتعددية في المجتمع.

القاضي سالم روضان الموسوي يقول في مقدمة الكتاب، ان هذا المطبوع سيغني المكتبة القانونية والدستورية ويسد بعض من فراغاتها والكاتب نجح في عرض وتحليل واقع المشكلة الدستورية في العراق وبحث عن الحل فعرض بعض استنتاجاته التي انطوت على مفاتيح الوصول الى الحلول وعلى وفق الاحكام الدستورية، معالجا اشكالية تمديد عمل مجلس النواب كما عالج موضوع اشكالية انتقال النواب من حزب الى اخر وهذا الموضوع جديد لان الحياة النيابية الحقيقية لم يشهدها العراق منذ اكثر من ستين عام تقريبا.

المادة الأولى في الكتاب كانت قراءة قانونية حول شرعية تمديد مدة مجلس النواب ويقدم الكاتب شرحا لمعنى الديمقراطية التي تعني حكم الشعب وان الممارسة في ذلك اتخذت ثلاث صور: الديمقراطية المباشرة، الديمقراطية غير المباشرة والديمقراطية النيابية , والتي تقوم على اساس انتخاب الشعب لعدد من النواب يتولون ممارسة السلطة باسم الشعب ونيابة عنه لمدة محدودة .  الفقه الدستوري يؤكد على تحديد مدة زمنية للمجالس النيابية في الدستور وهذا ما تنص عليه اغلبية الدساتير وفي الدستور العراقي لسنة 2005 ينص على ان تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب اربع سنوات تقويمية تبدأ بأول جلسة له وتنتهي في نهاية السنة الرابعة، ولا يجوز التمديد. وعن الغياب الدستوري يقول: يحدث ذلك عند غياب اي سلطة من السلطات الثلاث عن ممارسة اختصاصها دون التعرض لذلك من قبل الدستور ويحدث هذا في النظم البرلمانية عند حل السلطة التشريعية او انتهاء مدة بقائها دون التقييد بالأحكام الزمنية لاعادتها وخلال تلك الفترة تتحول الوزارة الى حكومة تصريف الاعمال او تصريف الامور اليومية.

ان وزارة تصريف الاعمال هي وزارة مؤقتة ناقصة الصلاحية لأغراض تصريف الامور لمدة محددة من الوقت ولفترة ما بعد سحب الثقة من الوزارة او بعد انتهاء الوجود القانوني للبرلمان والقيام بالانتخابات او ظرف طارئ حال دون عدم تشكيل الوزارة الجديدة او تأخرها ولا يحق لهذه الوزارة البت في الامور ذات الطبيعة المستقبلية والمصيرية ويقتصر عملها في العاجل من شؤون الوزارة وتسيير مصالح المواطنين. وفي القانون الدستوري ان الاصل في النظام البرلماني تقديم الوزارة استقالتها عند سحب الثقة عنها من البرلمان وكذلك عند انتهاء مدة الدورة الانتخابية. وبالنسبة لمسألة اختيار رئيس الوزراء فتاريخيا مرت بمراحل وباشكال متعددة وتعود جميعها الى الخلفية التاريخية التي نشأ عليها النظام البرلماني في بريطانيا والذي منه انتشر الى مختلف الدول وكل واحدة منها قد ادخلت عليها بما يتلائم مع مستوى تطورها الحضاري.

تنظيم اختيار رئيس مجلس الوزراء يعتمد في النظام البرلماني التقليدي على اساسين، التنظيم الدستوري والاخر هو التعددية في الحياة الحزبية، وقد يكون نظام يتكون من حزبين (بريطانيا مثلا) ونظام الاكثر من حزبين وهو الشكل المعتمد في اكثرية دول النظم البرلمانية.  وتنظم الدساتير اختيار الحكومة من خلال بعض النصوص الخاصة بفصل السلطة التنفيذية والتي تتضمن الاجراءات والضوابط والآجال الزمنية الواجب التقيد بها. ولكن في الدول التي يسودها تمايز اجتماعي وانقسام سياسي لجملة من الاسباب قلما نجد حزب يحظى بتواجد وحضور مؤثر في كل مناطق الدولة مما يصعب امكانية تشكيل حكومة تقوم على اساس الاكثرية النيابية التقليدية.  ومن اجل دمج المكونات الاخرى في الحياة السياسية لا بد من تشكيل حكومة تقوم على اساس التوافق لتجاوز ذلك التمايز والانقسام وعادة يكون ذلك بشكل مؤقت حتى ازالة اسباب التمايز الاجتماعي (العراق انموذجا).

ان اختيار طبيعة النظام السياسي وشكله غير خاضع الى قوالب جامدة فكل واحد منها جاء حصيلة تطورات متدرجة وفي ظل ظروف تاريخية محددة وقد تأثرت بالمسارات الخاصة التي اختطتها الدول الديمقراطية العريقة، فالنظام السياسي الذي يصلح لشعب قد لا يصلح لشعب اخر وان تجربة كل شعب مع اي نظام قد تضيف الى هذا النظام بما يتلائم وطبيعة تطوره ونضجه السياسي. ان عملية التحول الديمقراطي الجارية في العراق في ظل التحديات التي تجابهها في الوقت الحاضر وفي ظل عدم وجود حياة حزبية ديمقراطية متجذرة يتطلب التعديل في قانون الاحزاب السياسية والنظام الداخلي لمجلس النواب والمفوضية المستقلة للانتخابات والقانون الانتخابي بما يضع بعض الاجراءات والضوابط للحد من اشكالية الانتقال من حزب الى اخر في ظل حالة التشظي المتزايدة داخل الاحزاب والتي تنعكس على الاختلال في التوازن بين القوى الفائزة في الانتخابات مما يعرقل تشكيل الحكومة لفترات غير قليلة والاثر السلبي على حالة ضعف الاستقرار السياسي والسير المنتظم للمرافق العامة

ومن معايير تشكيل الوزارة عند صدور مرسوم تكليف المرشح لمنصب رئيس مجلس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية يبدأ المكلف بالبحث عن طاقم الوزارة ويستند في ذلك الى مجموعة من الاعتبارات منها الشخصي والحزبي والفني والمناطقي والطائفي والقومي والديني. ويراعي العراق منذ تشكيل الدولة تمثيل القوميات والاديان والطوائف. وحظر الدستور العراقي الجمع بين عضوية مجلس النواب واي عمل او منصب رسمي آخر وهذا تقليد خارج عن سياقات النظم البرلمانية التقليدية ففي بريطانيا الوزراء هم اعضاء في مجلس العموم البريطاني وكذلك المانيا اما اليابان فطبقا للدستور يجب ان يكون نصفهم على الاقل اعضاء في البرلمان.

يشير الكاتب الى عدد من عناصر النظام البرلماني العراقي والتي نضمنها الدستور العراقي النافذ، فرئيس الدولة غير مسؤول لان الوزارة هي التي تقوم بمهام السلطة الفعلية، والوزارة مسؤولة امام البرلمان وهو العنصر الثاني من عناصر النظام البرلماني والوزارة هي العضو الفعال في السلطة التنفيذية. والدساتير البرلمانية تنص في العادة على ان مجلس الوزراء هو المهيمن على شؤون الدولة وليس رئيس الدولة ، هو الذي يضع السياسة العامة للدولة ويقوم بتنفيذها وان رئيس الوزراء هو المسؤول الفعلي امام البرلمان مع الوزراء ودائما يكون رئيس الوزراء من حزب الاغلبية او الائتلاف الأكبر وبشان التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فالنظام البرلماني هو صورة من صور مبدأ الفصل بين السلطات وهو فصل مرن مشوب بروح التعاون والرقابة المتبادلة بينهما والعنصر الرابع هو ضمان التوازن بين السلطتين ،  والمقصود بالتوازن بين السلطتين  هو المساواة بينهما بحيث لا ترجح كفة سلطة لحساب سلطة اخرى او تطغي عليها وان اهم سلاحين لتحقيق التوازن هما حق البرلمان في الاقتراع بسحب الثقة من الوزارة وحق الاخيرة في حل البرلمان ويتمثل التوازن مابين السلطتين  في قدرة كل سلطة على  انهاء الوجود القانوني للسلطة الاخرى.  ان النظام البرلماني هو ذلك النوع من انواع الحكومات النيابية الذي تكون فيه الوزارة مسؤولة سياسيا امام البرلمان ويكون لها في مقابل ذلك حق حل البرلمان.

كما يؤكد الكاتب ان العدالة الانتقالية هي الطريق الامثل للتحول الديمقراطي فهو عبارة عن مجموعة متكاملة من الاليات والطرق التي يتم اعتمادها لمعرفة ومعالجة وقائع انتهاكات حقوق الانسان حيث تساهم في كشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها ورد الاعتبار للضحايا بما يحقق المصالحة الوطنية الشاملة ويحفظ الذاكرة الجمعية ويوثقها ويرسي ضمانات عدم تكرارها وتساهم في الانتقال من حالة الاستبداد الى نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الانسان.

اشار الكاتب الى الرعاية الاجتماعية التي تحظى بمكانة بارزة في خطة التنمية الوطنية للاعوام 2018ـ 2022 وتتضمن الاجراءات العامة التي تتخذ استجابة لمستويات الضعف والمخاطر والتي تعد غير مقبولة اجتماعيا في اطار نظام سياسي او مجتمع معين وتتكون من السياسات والبرامج الرامية للحد من الفقر والاجراءات التي تقوم بها الدولة بتعزيز كفاءة اسواق العمل مما يقلل تعرض الناس للمخاطر والتي تتضمن التأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية. وقد ركزت الخطة الوطنية على اربعة اعمدة رئيسية وهي بمثابة مسارات موجهة وفي نفس الوقت تمثل اهم التحديات للتنمية وهي: ارساء اسس الحوكمة وما يرتبط بها من ركائز ومقومات، وتطوير القطاع الخاص كمرتكز واعمار تنمية المحافظات ما بعد الازمة والتخفيف من حدة الفقر متعدد الابعاد في وضع جميع المحافظات.

وفي موضوعة التعددية في المجتمع العراقي يشير الكاتب  الى ان عملية التحول الديمقراطي التي انطلقت بعد الاحتلال وسقوط الديكتاتورية قد افضت الى تبني احد انماط الديمقراطية وبما يتلائم مع طبيعة المجتمع العراقي المتسم بالتعددية وغير المنسجم وبما يحقق مصالح وتطلعات كل مكون للوصول الى حالة من التوازن الموضوعي فدائما ما تطلق حالة التأسيس للمسار الديمقراطي بعد عهود من حكم التسلط والديكتاتورية التحديات الكبيرة والسلوك السياسي الذي يرتبط بحقوق وتطلعات كل مكون والتي عادة ما تكون متعارضة فيما بينها ومع عدم وجود ارث ديمقراطي في التعامل مع المظاهر الجديدة فيحاول كل مكون فرض اجندته على الاخرين وبشتى الطرق والممارسات ومنعا لحدوث الاحتراب يبقى مسار الديمقراطية التوافقية هو الاجدى نفعا من اي مسار اخر في ظل الامد المنظور  .

عرض مقالات: