طريق الشعب
اكتسح حزب اليسار الأخضر انتخابات مجالس البلديات في هولندا متصدرًا النتائج كحزب أوّل في عدد كبير من المدن، بما فيها البلديات الكبيرة كأمستردام وأوترخت وأيندهوفن وماستريخت ونيميخن وآرنم ولايدن وهارلم ودلفت والكمار غيرها.
وتصاعدت شعبية اليسار الأخضر في السنوات الأخيرة في أعقاب تسلم السياسي الشاب جيسي كلافر زعامة الحزب الذي عُرف بديناميكيته ونشاطه السياسي وشعبيته الواسعة في صفوف الشباب والأقليات والمثقفين. ونتيجة لذلك النشاط حقق اليسار الأخضر الهولندي نتائج مبهرة في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل سنتين وتحول إلى ثالث أكبر الأحزاب متقدمًا بذلك حتى على اليسار التقليدي المتمثل بالحزب الاشتراكي والحزب الديمقراطي 66 وحزب يسار الوسط PvdA.
تراجع اليمين المتطرف
وشهدت الانتخابات البلدية الاخيرة تراجعًا ملحوظًا لأحزاب اليمين واليمين المتطرف، بما في ذلك حزب رئيس الوزراء الحالي الحزب الليبرالي المعروف بالـ VVD وحزب الحريَّة PVV الذي يقوده السياسي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز.
وتمثل تلك النتائج مؤشرًا مهمًا على تغيرات الرأي العام الهولندي وسأم الجمهور من سياسات اليمين ويمين الوسط الذي يقود الحكومة الحالية لجهة ارتفاع الضرائب والانحياز للشركات الكبرى ضد مصالح الطبقات المتوسطة والفقيرة، كما ترجح التوقعات تغير الخريطة السياسية في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وإذا ما واصل اليسار الأخضر تقدمه وازدياد شعبيته، وهذا ما يتوقعه أغلب المحللين، فسنشهد تكتلاً كبيرًا لليسار التقليدي ويسار الوسط الذي يتوقع صعوده خلف قاطرة اليسار الأخضر نحو تشكيل حكومة أغلبية مريحة تنقل هولندا، البلد الذي عُرف بسياساته الراديكالية الموالية للولايات المتحدة، إلى بلد يتمتع بالرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والمساواة.
وفي تصريح أدلى به لقناة الأخبار الهولندية الأولى NOS بعد إعلان النتائج، قال جيسي كلافر " إننا على وشك أن نغير البلد ليتمتع الشباب والفئات الاجتماعية الوسطى بفرص العمل ومجانية التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والطاقة النظيفة والحفاظ على البيئة ونشر قيم التسامح ودحض العنصرية والحيلولة دون تغول الشركات الكبرى.
وتتيح النتائج الكبيرة التي حققها اليسار الأخضر التأثير على القرارات المحلية ورسم سياسات البلديات في المدن الهولندية الكبرى واختيار رؤساء تلك البلديات. وشهدت الانتخابات ظاهرة تصاعد شعبية الأحزاب المحلية الخاصة بالمدن مثل حزب روتردام قابلة للعيش الذي حقق الأغلبية في بلدية المدينة الكبرى التي تعد عصب الاقتصاد الهولندي، في حين حلّ اليسار الأخضر ثانيًا فيها.
اليسار الأخضر.. نبذة تاريخية
بداية تأسيس اليسار الأخضر أواخر الثمانينيات، وكان حزبًا صغيرًا يدعو للسلام والحفاظ على البيئة، حتى تسلّم قيادته الزعيم التاريخي للحزب بول روسنمولر الذي حوله إلى حزب كبير يحظى بشعبية معقولة، ودخل به البرلمان لأوّل مرّة بأربعة مقاعد، على الرغم من أنّه حتى تلك الفترة لم يشارك في الحكومات المتعاقبة.
ويعد جيسي كلافر الزعيم الجديد للحزب (32 عامًا)، من الزعامات المثالية الشابّة والمؤثرة في أوساط الناخبين من الشباب والنساء، إذ درج على تنظيم اجتماعات جماهيرية حاشدة في قاعات الموسيقى والعروض المسرحية ومنصات العرض والخطابة المنصوبة في الهواء الطلق على سواحل البحر الرملية أثناء مهرجانات الصيف، ويعده الكثيرون، بقمصانه البسيطة والملونة ذات الأكمام المطويَّة والياقات المفتوحة، بمثابة حصان طروادة الذي سيتيح لليسار الهولندي دخول قلاع العاصمة الأسطورية لاهاي، وتضاهي شعبيته شعبية نجوم البوب والأبطال الرياضيين، ويُعَدّ النسخة الأوربية لرئيس الوزراء الكندي الشاب جاستين ترودو (45 عامًا).