بعد تراجعه النسبي في انتخابات البرلمان الأوروبي، وخسارته لنصف قوته التصويتية في انتخابات ولايتي برندنبورغ وسكسونيا الشرقيتين، ارتباطاً بالصعود المستمر لحزب "البديل من اجل المانيا" المتطرف، وتحقيق حزب الخضر نجاحات انتخابية مميزة على خلفية الاهتمام الأوروبي والعالمي بكارثة المناخ واسئلة البيئة، وظهور حركة "جمعة في سبيل المستقبل" الطلابية وسعت التظاهرات التي عمت المانيا والعالم خلال العام الحالي. وحقق حزب اليسار الألماني في ولاية تورنغن انتصارا انتخابيا تاريخيا حصل بموجبه على 31 في المائة من أصوات الناخبين، ويعد هذا الانتصار الأكبر الذي يحققه الحزب على صعيد المستويات الوطنية والمحلية. لقد كافئ الناخبون حزب اليسار على الأداء الجيد لحكومة الولاية السابقة التي قادها الحزب على رأس تحالف ضم الى جانبه الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر.
وحل الحزب الديمقراطي المسيحي على 21,8 بخسارة 12 في المائة مقارنة بالانتخابات السابقة، تاركا الموقع الثاني لحزب "البديل من اجل المانيا" اليميني المتطرف، الذي ضاعف نتيجته السابقة وحصل على23,4 في المائة، مواصلا نجاحاته الانتخابية على جميع المستويات. واستطاع الليبراليون الاحرار بالكاد العودة لبرلمان الولاية بحصولهم على العتبة الانتخابية الـ 5 في المائة.
إن نجاح حزب اليسار ترافق مع فقدان شركائه في التحالف الحاكم للأكثرية نتيجة الخسارة التي مني بها الديمقراطيون الاجتماعيون، الذين حصلوا على8,2 في المائة، بخسارة قدرها 4 في المائة. وحصل الحليف الثاني لليسار حزب الخضر على 5.2 في المائة بخسارة طفيفة.
لقد أدت نتائج انتخابات الولاية وما ترتبط بها من سيناريوهات ممكنة حسابيا وسياسيا لتشكيل الحكومة، الى حراك غير مسبوق في الساحة السياسية، ومواقف جديدة كانت تعتبر من المحرمات، انطلاقا من مقولة ان على الأحزاب الديمقراطية في اليمين والوسط واليسار الدخول في حوارات لمنع اليمين المتطرف الجامح من الوصول الى السلطة، لأول مرة، منذ هزيمة النازية الألمانية في أيار 1945.
ان بإمكان حزب اليسار تشكيل حكومة الولاية وفق 4 سيناريوهات أحدها لا نصيب له في التحقق، أي تحالف اليسار مع اليمين المتطرف. اما السيناريوهات الواقعية فتتمثل في تحالف حزب اليسار مع الديمقراطيين المسيحين، وهو امر تعارضه قيادة الديمقراطي المسيحي المركزية في برلين، وتراه قيادتهم في الولاية ممكنا، انطلاقا من فكرة تشكيل حكومة مستقرة تقدم خدمات للسكان وتبعد خطر اليمين المتطرف.
السيناريو الآخر هو تحالف يضم الليبراليين الاحرار مع أحزاب التحالف السابق بقيادة اليسار، وتصطدم هذه الامكانية برفض الليبراليين الاحرار للعمل مع حزب اليسار. الاحتمال الأخير هو استمرار التحالف السابق بين اليسار والديمقراطيين الاجتماعيين والخضر، ولكن في حكومة اقلية هذه المرة، وهو سيناريو مرحب به من الأطراف الثلاثة. وفي حال عدم التوصل الى تشكيل حكومة، فستستمر الحكومة المنتهية ولايتها كحكومة تصريف اعمال.
مما لا شك فيه ان نتائج الانتخابات اثبتت قدرة اليسار على النجاح في الحكم وتنفيذ برامج اجتماعية جذرية لصالح أوسع الأوساط الشعبية، بالإضافة الى ذلك تشكل النتيجة معينا لحزب اليسار على الصعيد الاتحادي نتيجة للمصاعب التي عاناها الحزب في العاميين الاخرين على خلفية المناقشات الداخلية في شأن ملف المهاجرين وكيفية التعامل مع صعود اليمين المتطرف.

عرض مقالات: