شهدت مدن وقصبات تركيا الأحد الفائت الانتخابات المحلية. وخسر حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، لاول مرة، منذ 25 عاما هيمنته في المدن الرئيسة لصالح المعارضة العلمانية. ورغم أن حزب اردوغان احتفظ بموقع الصدارة في عموم البلاد، بحصوله على قرابة 45 في المائة. لكن حزب الشعب الجمهوري الكمالي حصل على 50.9 في المائة في العاصمة أنقرة. وكذلك فاز الحزب في معقله التاريخي ازمير، وفي مدن أضنه وانطاليا.

وفي اسطنبول التي يبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة، خسر مرشح حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية العنصري، رئيس الوزراء التركي السابق يلدريم، بعد شد وجذب لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض بعد ان تقدم على خصمه بـ 30 ألف صوت فقط، هذا ما أعلنته وكالة انباء الاناضول التركية. وسنرى ما إذا كان حزب العدالة والتنمية سيقر بخسارته اسطنبول بهذه السهولة. وبدأ اردوغان سلسلة انتصارات الإسلام السياسي في هذه المدينة قبل 25 عامًا، عندما فاز بمنصب محافظها.

ويعزو متابعون يساريون نجاح المعارضة في كسر هيمنة اردوغان وحلفائه العنصريين في المدن الكبيرة الى سحب حزب الشعوب الديمقراطي مرشحيه في هذه المدن لصالح أحزاب المعارضة العلمانية، وبالتالي الحاق الهزيمة بمعسكر السلطة. ووفق تصريحات لرئيس حزب الشعوب الديمقراطي السابق والسجين صلاح الدين ديمرتاس، ان هدف الحزب الرئيس هو استعادة قرابة 100 بلدية، فاز فيها الحزب قبل 5 سنوات في مدن وقصبات كردستان تركيا، والتي وضعها اردوغان، وفي سياق حملته القمعية تحت إدارة الحكومة المركزية الاجبارية. وعلى الرغم من الاعتقالات الجماعية لكوادر الحزب وناشطيه، ورفض دعاية الحزب في وسائل الإعلام، والتلاعب في سجل الناخبين والوجود العسكري داخل وخارج مراكز الاقتراع في المناطق الكردية، تمكن حزب الشعوب الديمقراطي من استعادة الفوز فى 4 مدن رئيسة -بما في ذلك مدينة ديار بكر- و7 مراكز محافظات و40 مجلسًا مناطقيا و 12 بلدية.

وفي مدينة سيرناك المعقل السابق لحركة التحرر الوطني الكردستانية، حصل حزب العدالة والتنمية الاسلامي على قرابة 60 في المائة من اصوات الناخبين. وكان حزب الشعوب الديمقراطي قد حصل في انتخابات 2014 في المدينة ذاتها على نفس النتيجة. ومعروف ان هذه المدينة الجبلية قد دمرت بالكامل تقريبا، خلال المعارك بين التشكيلات المسلحة لحزب العمال الكردستاني والجيش التركي في عام 2016، وقام الجيش التركي بتهجير مئات الآلاف من سكانها. وفي الاشهر الاخيرة تم جلب تعزيزات عسكرية الى المدينة وفي يوم التصويت تم جلب 12 ألف من الشرطة والجيش لمراقبة عمليات التصويت فيها.

 مفاجأة شيوعية تاريخية

جاءت نتائج الانتخابات بالعديد من المفاجآت، ولكن فوز مرشح الحزب الشيوعي التركي/ الماركسي اللينيني بمنصب محافظ محافظة درسيم (التسمية الحكومية تونجلي) ذات الاغلبية الكردية -العلوية عده المتابعون مفاجأة تاريخية: ذلك ان فاتح محمد ماسوغلو هو اول مرشح شيوعي يفوز بمنصب محافظ، بعد حصوله على 32,2 في المائة من اصوات الناخبيين، تاركا مرشح التحالف التقدمي الذي يقوده حزب الشعوب الديمقراطي خلفه، بعد ان حصل على 28 في المائة، في حين حصل مرشح اردوغان على 14 في المائة، وجاء ثالثا.

وفي الأيام القليلة المقبلة، سيتولى فاتح محمد ماسوغلو منصب محافظ ديرسيم، ويفترض أن يواصل سياسة الإصلاح الاشتراكي التي بدأها قبل خمس سنوات: في الانتخابات المحلية عام 2014، فاز ماسوغلو برئاسة بلدية مسقط رأسه "أوفاتشيك"، حيث كان يعمل ضابط رعاية صحية في الدفاع المدني.

وكعمدة لبلدته، حقق اصلاحات، لا يمكن للكثير من اليساريين في العالم أن يحلموا بها: النقل العام مجانا، وخفض اجور المياه بشكل كبير وفتح العديد من المكتبات. وبدأ تشكيل التعاونيات الزراعية. وقال المناضل الشيوعي البالغ من العمر 50 عامًا بعد فوزه لصحيفة "سول" ذات الميول اليسارية: "سنوسع نظام الإنتاج والإدارة الذي بدأناه". "سنظهر للبلد بأسره أن النموذج الاشتراكي ممكن". يبدو واضحا أن التزامه بسياسة يسارية عملية مكنه من النجاح الانتخابي الحالي. وسنرى إذا كان فاتح محمد ماسوغلو قادرًا على البقاء في هذا المنصب، في ظل استبداد اردوغان لفترة طويلة.

لقد بينت نتائج الانتخابات، انه عندما تتوحد االمعارضة يمكنها الحاق الهزيمة بمعسكر السلطة. لقد اثبت تكتيك حزب الشعوب الديمقراطي، القائم على دعم المرشحين الجمهوريين في غربي تركيا جدواه، في حين لم يقدم الجمهوريون الدعم المقابل في شرقي تركيا. والكرة الآن في ملعب حزب الشعب الجمهوري، الذي بامكانه وضع نهاية لتفوق تحالف حزب العدالة والتنمية الاسلامي مع القوميين العنصريين، وافشال استراتيجيته القائمة على شق صف المعارضة.

لقد تلقى اردوغان نكسة كبيرة ولكنه لم يهزم بعد. وسيحاول مجددا توظيف العنف واشاعة الخوف، واستخدام مؤسسات الدولة الامنية والقضائية ضد المعارضة. ومن يريد حقا ان يجعل من نتائج الانتخابات بداية نهاية سلطة اردوغان عليه ان يعمل على رص صفوف المعارضة.

عرض مقالات: