نشرت جريدة "اليونغه فيلت" الألمانية في ملحقها الاسبوعي الصادر يوم 24 / 11 / 2018 حوارا ضافيا مع انريكو سانتياغو روميرا السكرتير العام الجديد للحزب الشيوعي الاسباني (انتخب في نيسان الفائت) تناول فيه محاولات توحيد قوى اليسار الأسباني، والموقف من الاتحاد الأوربي وملف الهجرة وقضايا اخرى. ويأتي الحوار في وضع ملتبس تعيشه القارة الأوربية، ومع تصاعد التحديات التي يواجهها اليسار فيها، وانتخابات البرلمان الأوربي التي ستجري في 26 ايار 2019 .

وفي ما يلي عرض لأهم ما ورد في الحوار.

محاولات توحيد قوى اليسار الاسباني

تاريخ الحزب الشيوعي الاسباني هو تاريخ البحث عن الأكثرية. ومنذ الثلاثينات شارك الحزب في العمل على تحقيق تحالف العمال. وكان الحزب الذي تأسس في عام 1921، حينذاك حزبا صغيرا. وقد حقق هذا التحالف نجاحا كبيرا في انتخابات المناطق، وجعل اعلان الجمهورية في عام 1931 ممكنا، ومهد الطريق لاضراب عمال المناجم في أستورياس عام 1934. ولعب الحزب دورا مقررا في تشكيل الجبهة الشعبية، التي فازت في انتخابات 1936. وبالتالي فان من المضحك الحديث عن النقاء الايديولوجي، عندما يجري الحديث عن العمل المشترك لقوى اليسار. وعند العودة الى تجربة الحزب، فان الجبهة الشعبية تأسست من قبل الحزب الاشتراكي، والحزب الشيوعي، وصولا الى قوى البرجوازية التقدمية. وكانت حكومة الجبهة الشعبية تشكل تقدما كبيرا ووسعت من حقوق الشعب الاسباني. بعد الهزيمة في الحرب الاهلية، ناضل الحزب بمفرده ضد دكتاتورية فرانكو. وقبيل نهايتها طوّر الحزب مجددا سياسة التحالفات. وانطلق المجلس الديمقراطي، ومجلس القضية، وقد طالبت القوى الديمقراطية مجتمعة بنهاية الدكتاتورية. وفي الثمانينات سعى الحزب الى التنسيق الوثيق بين القوى التقدمية، وعلى إثرها تأسس اليسار الاسباني المتحد، الذي يشكل الشيوعي الاسباني قوته الرئيسة.

وما دامت هناك طبقة عاملة في اسبانيا، سيكون وجود حزب شيوعي في اسبانيا ضروريا. والطبقة العاملة هي حقيقة لا يمكن إنكارها طالما أن هناك أناسا يعتمدون على بيع قوة عملهم. لكن مهمة الحزب هي تعزيز التكامل مع القوى الأخرى، حتى تصل إلى وحدة عضوية. ويجب أن تشارك جميع الحركات السياسية التقدمية في هذه العملية. كما يجب أن تبدأ هذه العملية من القاعدة، ولا يمكن أن تملى بشكل فوقي. وولاية الأندلس تقدم مثالا يحتذى به.

انتخابات برلمانات الولايات

خاضت قوى اليسار انتخابات ولاية الاندلس في الثاني من كانون الأول بقائمة موسعة حملت اسم "الاندلس الى امام" ضمت قوتي اليسار الاسباني الرئيسة: اليسار المتحد وحزب  بودوموس، كذلك حزب البيئة، وحزب يسار الاندلس (يسار قومي). ويعمل الحزب الشيوعي الاسباني على التمسك بنهج اقامة اوسع تحالف يساري ممكن، وفق الرؤية التي دافع عنها الشيوعيون في المؤتمر الاخير لليسار الاسباني المتحد، الذي يشكلون قوته الاساسية، وقد حصلت رؤية الشيوعيين على الغالبية العظمى في المؤتمر. وتتلخص هذه الرؤية بإمكانية ذوبان الاحزاب المشاركة في وقت لاحق في مشروع سياسي جديد. اما القوى السياسية التي لا تشارك بشكل مباشر في الانتخابات، كما هو حال الشيوعيون الاسبان، الذين لايشاركون في التحالف كحزب، وبشكل مباشر، بل كجزء من اليسار المتحد، فسوف يستمرون في عملهم بأشكاله المختلفة. اي ان الشيوعي الاسباني يحتفظ في هذه الحالة باستقلاليته التنظيمية والفكرية، وفي الوقت نفسه يصبح جزءا مؤثرا في المشروع المشترك. ويعتز الحزب بحجم دوره في تحالف الأندلس، دون ان يشارك مباشرة في القوائم كحزب، وانما عبر اليسار الاسباني المتحد ، معتبرا طريقة المشاركة هذه مصدر قوة له. فالحزب يمثل قوة دفع بين الشركاء دون ان يكون طرفا رسميا مباشرا في المناقشات المتعلقة بالقوائم الانتخابية، ولكن في الوقت نفسه يمتلك الحزب الصدقية لحل الصراعات والاحتكاك ، والمساهمة في حلحلة التوترات، وربط القوى المشاركة ببعضها. ويريد  الحزب الاستمرار في لعب هذا الدور.

الشيوعيون وحركة استقلال كتالونيا

يدافع الشيوعيون عن حق الشعوب في تقرير المصير. لكن في الوقت نفسه يدافعون عن وحدة الشعوب ولا يدعمون ترسيم حدود جديدة. بل أكثر من هذا يريد الحزب ازالة الحدود. وكتالونيا، شأن المناطق التاريخية الأخرى في إسبانيا، يجب أن تتحمل مسؤوليتها الخاصة، في اطار ارتباط تقبل به. ويمكن ان يكون هذا الإطار جمهورية فدرالية. ولكن إذا كان الحديث يتعلق بحقوق إسبانيا، يتم تجاهل التاريخ. فاسبانيا الحالية موجودة منذ أقل من 500 سنة. وقبل ذلك كانت هناك ممالك مختلفة لها لغات وتقاليد ثقافية مختلفة. وفي العيد الوطني الكتالوني يجري الاحتفال بذكرى جنود بوربون الذين غزوا برشلونة بالحديد والنار ودمروا المدينة. ان دولا لا يمكن اعتبارها بلشفية، مثل الولايات المتحدة أو ألمانيا، هي جمهوريات اتحادية. لذلك، لا نفهم لماذا لا يناقش اليمين في هذا البلد هذه القضية. ان العقبة الأكبر هي الملكية. ليس فقط لكتالونيا، ولكن أيضًا لولاية الباسك. والمشترك في المطالبة بالانفصال في هذين الولايتين هو الدفاع عن قيم محافظة وإذكاء نار الصراعات.

قوى اليسار والحزب الاشتراكي والموازنة

المشكلة تكمن في عدم توفر اكثرية لتشكيل حكومة يسارية حقيقية، والحزب الاشتراكي سيكون في تحالف كهذا الحلقة الاضعف. لأن هذا الحزب بدأ يهتز ويتردد في اللحظة التي يتم فيها وضع سياسة جدية ضد الليبرالية الجديدة. وتسيطر دوائر اقتصادية قوية على أوساط داخل الاشتراكيين. المادة الدستورية المتعلقة بتحديد سقف الديون، اضيفت في عهد حكومة خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو الاشتراكية. لقد توصلنا إلى الاتفاقية الحالية، رغم أننا كنا نريد أكثر من ذلك بكثير. هناك تدابير لا يجرؤ الحزب الاشتراكي على تنفيذها، وهي تشمل الضرائب على البنوك والتغييرات في القانون الجنائي. ولا تزال هناك مادة تجرّم ما يسمى بـ "تمجيد الإرهاب" ، وهذا هو سبب وجود العديد من الموسيقيين في السجن حاليا. من ناحية أخرى، نجحنا في رفع الحد الأدنى للأجور بأكثر من 20 في المائة، وسيتعين على أصحاب الأجور الأعلى الآن دفع ضرائب أعلى. سيكون هناك المزيد من الدعم الحكومي لرعاية الاقارب الصحياً واجراءات أقوى لمواجهة العنف ضد المرأة. وقد تم تحقيق نجاح في تحديد سقف الإيجارات.

ستلعب اصوات كتلة اليسار المؤلفة من بودوموس واليسار المتحد دورا مهما في اقرار الموازنة، ولكن هناك حاجة لاصوات الاحزاب الاخرى. ولهذا يطالب الشيوعيون القوى المنادية باستقلال كتالونيا بالاهتمام أكثر بحياة سكان الولاية. فعندما يتم تحقيق مجانية دور حضانة الاطفال حتى عمر الثالثة، سيكون ذلك في صالح العائلة في كتالونيا ايضا. ويعمل الشيوعيون مع دعاة الاستقلال، على تحقيق سياسة اجتماعية تقدمية. ان حركة دعاة الاستقلال تتشكل من كتلتين، مختلفتي التوجهات في السياسة الاقتصادية والاجتماعية بالكامل. فهناك الليبراليون اليمينيون المتهمون بالفساد، والذين يوظفون المطالبة بالاستقلال للتمويه على المشكلة. وان تصاعد حركة المطالبة بالاستقلال لا يعود الى نجاح استراتيجية المؤيدين لها، بل يرجع أكثر لأخطاء مؤسسات الدولة، ولتجاهل هذه القضية. وفي ما يتعلق بالموازنة الاسبانية من المرجح ان لا يبقى موقف الاستقلاليين موحدا. وان هناك تعاملا سياسيا شكليا، فاليوم الذي تعلن فيه جمهورية كتالونيا، لا يعني إنزال العلم الاسباني فورا، فإعلان الاستقلال سوف لن يكون نهاية المطاف. ان حركة المطالبين بالاستقلال تتضمن قوى تتحمل مسؤولية سوء الظروف المعيشية في كتالونيا.

السيادة الوطنية والاتحاد الأوربي

الحزب الشيوعي حزب اوربي وحزب اممي. وهو يريد الغاء الحدود، ولكن يجب ان لايقال ان الاتحاد الأوربي يعني اوربا. ان ذلك امر مضحك. وبعد إبرام معاهدة ماستريخت في عام 1992، قال الحزب الشيوعي واليسار الاسباني المتحد، ان المعاهدة ستؤدي الى فقدان سيادة شعوب أوروبا. وبدلا من تحقيق وحدة سياسية، تم تحقيق هيمنة اقتصادية. وتولت القيادة مؤسسات لا تخضع لرقابة المواطنين. والاتحاد الأوربي لا يملك سياسة ضريبية، بل سياسة نقدية فقط، لا يحددها المجلس الاوربي، بل البنك المركزي الأوربي. والسؤال هنا: من ينتخب رئيس البنك المركزي الاوربي، ومن يقيله؟ لايمكن تحقيق تقدم بواسطة هذا الاتحاد الاوربي، لانه يخدم الفائض التجاري الألماني. وثراء المانيا قائم على هذا الفائض، وعليها ان تشكر السياسة النقدية، التي الغت التصنيع في جنوب اوربا. لقد تبنى الحزب الشيوعي لاربعة اعوام فكرة امكانية اصلاح الاتحاد الأوربي من الداخل. والحزب اليوم مقتنع تقريبا بصعوبة تحقيق ذلك. وقد تجلى ذلك بوضوح في مثال اليونان، التي تم تدميرها أولاً، وعندما ارادت وبدعم من الحركة الشعبية أن تبني سياسة مضادة لارادة الاتحاد الأوربي، جرى خنقها. ان الغاء القسم الاكبر من القطاع الصناعي في اسبانيا كان بديلا سيئا وغير مستدام، لان استيراد السفن من كوريا الجنوبية كان أرخص، بسبب الاجور الواطئة التي تدفع هناك. وان فقدان السيادة الوطنية ادى إلى الأسوأ: صعود الفاشية والشعبوية في اوربا. واليسار بالكاد قادر على مواجهة هذه المشكلة، ومواقف اليمين المتطرف تجد المزيد من الآذان الصاغية. وفي جميع بلدان الاتحاد الأوربي، ما عدا اسبانيا والبرتغال، يوجد تمثيل لليمين المتطرف في البرلمانات الوطنية.

اليمين المتطرف وملف الهجرة

على الرغم من توقع تحقيق اليمين المتطرف نجاحات في اسبانيا، الا ان الحزب الشيوعي الاسباني لا يعتقد انها سترتقي الى نجاحات مثيله في ايطاليا، او في المانيا. وسبب ذلك بسيط. فأنصار الفرانكوية مُمَثَلون في حزب الشعب اليميني المحافظ، وحزب المواطنين اليميني الليبرالي.

ان المشكلة ليست في قدوم المهاجرين، بل في ممارسة المهاجرين مهنا بأجور أقل من المتوسط السائد. ولكن إذا تمت معالجة العمل غير القانوني، والاجور المتدنية، سوف لن تكون هناك مشكلة، وتنظم الهجرة نفسها بنفسها، لأنها جزء لا يتجزأ من تاريخ البشرية. وسوف لن تنتقل سوريا بأكملها الى المانيا، او افريقيا بأكملها الى اسبانيا. ان المهاجرين ليسوا ارهابيين، ولا يحاولون استغلال الدولة الاجتماعية، ولكنهم يبحثون عن شروط حياة كريمة.وفي إسبانيا يمكن ملاحظة ذلك جيدًا. ففي السنوات الأخيرة، غادر نصف مليون أجنبي يملكون حق الإقامة وحتى حق الحصول على الجنسية لعدم وجود شروط حياة كريمة. وبالتالي لا ضرورة للقلق من الوعود التي تجتذب اللاجئين، بل يجب التوقف عن نشر الحروب والصراعات في بلادهم الاصلية. وبهذه الطريقة سيأتي القليل الى اوربا.

الحزب الشيوعي لا يقول ينبغي فتح الحدود، بل يطالب باحترام حق اللجوء. وهذا الحق يفهمه الشيوعيون بمعناه الواسع للغاية، اي يجب منحه لاسباب سياسة واقتصادية واجتماعية.  ان المهاجر القادم من السنغال أو الكاميرون ، لأنه محروم  من حقوقه الاقتصادية أو الاجتماعية ، هو لاجئ بالنسبة للشيوعيين. والافراد الذين تنتزع حقوقهم الاقتصادية، ينتمون إلى مجموعة الأشخاص المشمولين بالحماية بموجب الاتفاقات الدولية. وهذه القضية لا يريد الغرب الاعتراف بها. لذلك يسمونه "لاجيء اقتصادي". ولكن لهؤلاء الحق في البحث عن الحماية في اوربا. وعلى الاوربيين العمل على ان لا تتفاقم الامور في بلدانهم، لان بناء الجدران العازلة والاسلاك الشائكة لمنع هؤلاء الناس من تقديم طلبات اللجوء، امر مرفوض.

عرض مقالات: