منذ سنوات تحاول قوى اليمين المعارض في فنزويلا مدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها في امريكا اللاتينية اسقاط الحكومة اليسارية المنتخبة. وقد وظفت في هذه المحاولات جميع الوسائل: الاحتجاجات، استخدام العنف ضد ناشطي اليسار وصولا للتصفية الجسدية، والحرب الاقتصادية، وقد جاء انخفاض اسعار النفط ليزيد من الصعوبات الاقتصادية في بلد لم تنجح فيه حكومة الحزب الاشتراكي الموحد، حزب الرئيس الراحل شافيز في خلق اقتصاد منتج، وظلت الحكومة معتمدة بالدرجة الاساس على اقتصاد ريعي عماده النفط. ومن المعروف ان الحزب الشيوعي الفنزويلي وقوى يسارية صغيرة اخرى تدعم النظام اليساري ولكنها تنتقد سياساته منذ سنوات وتطالب باتخاذ اجراءات جذرية وحسم الصراع لصالح الشعب واقامة سلطة الشعب الاشتراكية.

دعوة للتضامن واليقظة

اكد كارلوس فيمر سكرتير العلاقات الأممية للحزب الشيوعي الفنزويلي في رسالة له، مؤرخة في 24 كانون الثاني، تناولت التطورات في وطنه، ان قوى المعارضة اليمينية حققت تقدما في تجميع قواها، وانتقلت الى الهجوم، وان حالة من عدم الاستقرار تسود في البلاد. وان اعادة تنظيم القوى بين المدافعين عن التجربة اليسارية، وقوى الثورة المضادة وصل مستوى التحشيد العسكري.
وان اعتراف الولايات المتحدة ودول "مجموعة ليما" باستثناء المكسيك، برئيس البرلمان خوان خيودو، الذي سمى نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، يهدف لمضاعفة الضغط على الحكومة والقوات المسلحة، وتحقيق اختراق رئيس على طريق الوثوب الى السلطة.
ويتابع الشيوعيون تسارع الاحداث، ويعملون على توفير امكانيات لحماية كادر الحزب، وجعل الحزب في كامل جاهزيته النضالية لمواجهة اي تدخل عسكري مباشر من قبل الولايات المتحدة، او كولومبيا والبرازيل، لادخال البلاد في اتون حرب أهلية.
ولهذا طالب الشيوعي الفنزويلي بعقد اجتماع مستعجل لقوى تحالف "القطب الوطني" الحاكم. ويعمل الحزب على تفعيل التضامن الأممي، وتنشيط اللجان المحلية والعالمية الناشطة في هذا المجال. واختتم فيمر رسالته بالتأكيد على أن "الأيام والأسابيع المقبلة ستكون صعبة وخطرة"، وان النضال سيكون طويلا ويمر بعدة مراحل.

تصعيد متسارع

بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي حققت فيها المعارضة اليمينية اكثرية واضحة، اخذت هذه الاكثرية بالعمل ضد الرئيس المنتخب: انتخاب الرئيس في فنزويلا يجري مباشرة من الشعب. وبالمقابل وظف الرئيس احدى مواد الدستور التي تتيح تشكيل جمعية تأسيسية، تستطيع ووفق الدستور ايضا تعطيل صلاحية البرلمان. وجاءت الجمعية التأسيسية بأكثرية يسارية، مما دفع المعارضة اليمينية الى عدم الاعتراف بها. وكذلك لم تشارك احزاب المعارضة اليمينية الرئيسة في انتخاب الجمعية التأسيسية، املا منها في افشال عملية تشكيلها، ولكنها بهذا حرمت نفسها وفق النظام المعمول به في فنزويلا من الاشتراك في انتخابات الرئاسة الاخيرة والتي شهدت ادنى مشاركة فيها (46 في المائة). الرئيس مادورو فاز بانتخابات الرئاسة بحصوله على 68 في المائة من اصوات الناخبين، وتسلم مهام منصبه في 10 كانون الأول الجاري.
وفي 5 كانون الثاني انتخب خوان خيودو من حزب "ارادة الشعب" اليميني الشعبوي، الذي تفرض على زعيمه لوبولد ربيس الإقامة الجبرية، رئيسا جديدا للبرلمان. وبدأ عهده بعدم الاعتراف بالرئيس المنتخب وطالب الجيش عمليا باسقاطه. وحدث تحرك عسكري انقلابي خارج العاصمة انتهى بالفشل. وعلى اثرها تشهد فنزويلا تظاهرات يمينية، اعلن في اكبرها رئيس البرلمان نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد. وبالمقابل نظم معسكر اليسار تظاهرات حاشدة ايضا ادان فيها الرئيس مادورو تدخل الولايات المتحدة وحلفائها، وعملهم على اسقاط حكومته الشرعية المنتخبة. واكد الرئيس ثوابت اليسار في الدفاع عن ثروات البلاد وسيادتها في مواجهة الانقلابيين والدول الامبريالية. بالمقابل اعاد رئيس البرلمان ورئيس قوى الانقلاب ما تقوله دوما حكومة ترامب بشأن حماية الديمقراطية وحقوق الانسان.
و قطعت الحكومة الشرعية العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وطالبت دبلوماسييها بمغادرة البلاد خلال 72، ولكن الدبلوماسيين الامريكان رفضوا الامتثال للقرار الحكومي.
واعلن وزير الدفاع الفنزويلي ورئيس اركان الجيش وقادة القوة الجوية والبحرية، ولاءهم للحكومة المنتخبة ديمقراطيا واستعداد القوات المسلحة بكل صنوفها للدفاع عن سيادة واستقلال البلاد وحكومتها الشرعية.

تضامن أممي

انقسم العالم الى معسكرين متضادين بشأن الاحداث الجارية في فنزويلا؛ الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وبلدان امريكا اللاتينية التي يحكمها اليمينيون واكثر السائرين في فلك السياسة الامريكية اعترفوا برئيس الانقلاب، مقابل تضامن روسيا الاتحادية والصين وحكومة اليسار في اليونان والحكومات اليسارية والتقدمية في امريكا اللاتينية مع حكومة مادورو الشرعية، بالاضافة الى العديد من بلدان العالم مثل ايران، تركيا وبلدان اخرى رفضت اسلوب الانقلاب والتجاوز على الدستور. واعتبر الرئيس بوتين امن فنزويلا قضية جيوسياسية بالنسبة لبلاده. وعبرت الكثير من الاحزاب الشيوعية واليسارية والحركات الاجتماعية عن التضامن والدفاع عن تجربة فنزويلا التقدمية

عرض مقالات: