تفاقمت حدة الصراعات الاجتماعية والسياسية في عام 2018 في أمريكا اللاتينية، ويزداد الاستقطاب الحاد بين قوى اليسار واليمين في القارة.لقد  انتهى عام 2018 بفوز الفاشي يائير بولسونارو  في انتخابات الرئاسة في البرازيل، وسيبدأ العام الجديد باستلام أول رئيس يساري أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، مهام منصبه  في المكسيك. وفي حين أعلن رؤساء وحكومات دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي أن المنطقة "منطقة سلام" في كانون الثاني 2014 ، فإن خطر الصراع المسلح يتزايد الآن بشكل مثير.

ويعود هذا الى استرجاع قوى اليمين للسلطة في البرازيل والارجنتين، والى السياسة الخارجية العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية ، التي تريد تعزيز نفوذها في "الفناء الخلفي". ويمكن لواشنطن الاعتماد على الحلفاء المخلصين في حكومات الأرجنتين وتشيلي وبيرو ودول جنوب ووسط أمريكا الأخرى.

انقلابات ناجحة واخرى في طور التنفيذ

بعد وصول الانقلاب البرلماني في البرازيل الى نهايته المرسومة، بوصول يميني متطرف الى السلطة. ستكون البرازيل وكولومبيا في المستقبل رأس الحربة في التوجه العسكري ضد فنزويلا، اذ سبق للرئيس ترامب، حسب وسائل اعلام محلية، ان اقترح على حكومتي البلدين في ايلول 2017 التدخل العسكري المباشر في فنزويلا. وفي بداية تشرين الثاني  عام 2018 ، وصف مستشار الأمن القومي الامريكي جون بولتون فنزويلا و كوبا ونيكاراغوا ، بـ "ترويكا للاستبداد". ومثل "كل الأنظمة والأيديولوجيات القمعية" ، فإن الحكومات اليسارية لهذه الدول الثلاثة سيطاح بها قريباً ، كما وعد المستشار الامريكي.معتبرا وجود رئيس يميني في كولومبيا، وصعود يميني الى السلطة في البرازيل " مؤشرات ايجابية لمستقبل المنطقة". وكان بولسونارو قد دعا في الآونة الأخيرة "كل القوى لمحاربة الشيوعية في أمريكا اللاتينية". ولخدمة هذا الهدف جاءت زيارات كبار المسؤولين الامريكان للبلدان التابعة لهم. وفي جميع هذه الزيارات جرى التركيز على توسيع الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، مستفيدة من التحولات التي حدثت في السنوات الثلاثة الاخيرة في المنطقة، والتي شملت الاكوادور، الذي انتقل رئيسها الجديد واليساري السابق الى مواقع اليمين. وتؤكد هذه الحقيقة محاولة اغتيال الرئيس الفنزويلي مادورا الفاشلة، الى جانب اعمال العنف التي تمارسها المعارضة اليمينية في نيكاراغوا، في سعيها نحو اسقاط النظام اليساري هناك، والتي تعيد الى الاذهان صور العنف في احتجاجات الميدان في اوكرانيا، والتي انتهت بمنع نشاط الشيوعيين، وهيمنة اليمين. ان ادانة التوجهات الامبريالية في فنزويلا ونيكاراغوا لا تعفي حكومتي البلدين من مسؤوليتهما بعدم طرح بدائل كافية، واعتماد سياسة تنموية، لا تعتمد الريع، لمواجهة الخصوم الاقوياء في الخارج، وذوي النشاط المتصاعد في الداخل. ويمكن هنا الاستفادة من تجربة البرتغال في ظل الحكومة الحالية.

ثوابت امبريالية

وبعد فنزويلا ونيكاراغوا ، أصبحت بوليفيا مستهدفة الآن. فبعد أن سمحت المحكمة العليا للانتخابات في أوائل كانون الأول للرئيس البوليفي اليساري إيفو موراليس بالترشح  في الانتخابات الرئاسية عام 2019 ، شهدت تظاهرات المعارضة اليمينية اعمال عنف قتل على اثرها ناشط يساري. يذكر ان فشل الاستفتاء، الذي نظمته الحكومة  لتعديل الدستور في عام 2016 ، لتغيير المادة التي تنص على تحديد الترشيح لدورتين رئاسيتين فقط، كان وراء هذه الاحداث. إن تغيير الحكومة في كاراكاس ولاباز سييسّر على واشنطن والشركات الرأسمالية عودة هيمنتها على احتياطي النفط الهائل في  فنزويلا ، اما بوليفيا فتملك  أكبر احتياطي من الليثيوم. المعدن الخفيف ، الذي لا غنى عنه في صناعة  البطاريات عالية الأداء، المستخدمة في السيارات الكهربائية. وكذريعة لضرورة "تدخلها إنسانيا" ، تطرح واشنطن وكولومبيا جملة أمور منها،  ازمة الهجرة الناجمة عن الصراع الدائر في فنزويلا. تشير منظمة الهجرة العالمية، الى مغادرة 1,6 مليون مواطن فنزويلي بلادهم، وهذا ما يجري التركيز عليه، ولكن الصمت يلف حقيقة وجود اكثر من 5 مليون كولومبي يعيشون في فنزويلا هربا من عنف المليشيات اليمينية

رؤية متفائلة

تثير نجاحات اليمين واسترجاعها مواقع السلطة في البرازيل والارجنتين تحديدا جزع اوساط يسارية خارج امريكا اللاتينية، اكثر مما في داخلها، ويخفي هذا الجزع الحريص، النجاحات المتحققة في المكسيك، وكذلك وصول مرشح اليسار الى جولة الانتخابات الثانية، لاول مرة في كولومبيا، والاحتجاجات والاضرابات والفعاليات المتنوعة التي تقوم بها هذه القوى لاسترداد مواقعها في الارجنتين والبرازيل، ناهيك عن امتلاك اليسار البرازيلي مواقع مهمة جدا في برلمانات الولايات والمدن والبلدات الصغيرة، فالنظام البرلماني هناك لا ينحصر في البرلمان الوطني على اهميته. وكذلك تغيب عن بعض اليساريين حقيقة  ان الصراع وفق الاليات البرلمانية لا يسير دوما باتجاه واحد. اما في الارجنتين فان المعركة مع اليمين لا تزال مفتوحة، وامكانية استعادة اليسار للسلطة ممكنة, ولكن الامر يرتبط بنجاح اليسار في تجميع قواه وطرجه بدائل مطلوبة على اساس رؤية نقدية.

عرض مقالات: