متابعة – طريق الشعب

مرت امس الذكرى الثامنة لاندلاع ثورات الربيع العربي التي انطلقت شرارتها الأولى من تونس في 17 كانون الأول 2010، عندما أضرم البوعزيزي النار في جسده، احتجاجاً على مصادرة البلدية لمصدر رزقه، عربته الصغيرة لبيع الخضروات والفواكه.

وكان طارق الطيب محمد البوعزيزي (مواليد سيدي بوزيد، 1984) المنحدر من أسرة فقيرة يعيش مع والدته و 8 إخوة وأخوات، أما والده، فمات عندما كان البو عزيزي طفلاً صغيراً. ولم يدرس البوعزيزي سوى المرحلة الابتدائية، إذ تفرغ للعمل كبائع متجول لبيع الخضار والفواكه منذ صغره.

لكن ذلك الحدث ليس ببعيد، فما زالت اكثر البلدان العربية  تعيش صراعات، واضطرابات عميقة. سقطت أنظمة مستبدة، فيما محاولات تفتيت دول المنطقة الوطنية ما تزال مستمرة في ليبيا وسوريا واليمن وغيرها. يمكن اعتبار التجربة التونسية هي الافضل بنتجائها، واعتبار الحفاظ على الدولة في مصر نجاح هو الآخر، لكن الديمقراطية الحقة ما تزال بعيدة المنال في جميع بلدان المنطقة. 

 "صفعة إرحل"

 انطلقت "ثورات الربيع العربي" بعد حادثة البوعزيزي الذي كان يبيع الخضروات على عربة يدفعها أمامه كل يوم لكسب رزقه، لكن السلطات المحلية حاولت مصادرتها، وهي التي كانت تمثل كل ثروته ورأسماله، بذريعة أنه كان يبيع في مكان غير مسموح به. وعندما امتنع عن التسليم، قوبل بصفعة على وجهه على الملأ من قبل الشرطية فادية حمدي، التي وبخته وقالت له بالفرنسية " Dégage " أي إرحل.

 ولم يكن اضرام بوعزيزي النار في جسده، أمام مبنى البلدية في مدينة سيدي بوزيد،  ردا على  الصفعة التي أهدرت كرامته فقط، وانما جسد هذا الفعل الشجاع، والمخيف في آن صرخة عميقة ضد الفقر والاستغلال والاستبداد وانسداد افق حياة انسانية.

أما صورة البوعزيزي وهو يحترق، فكانت أقوى تعبير عن عمق معاناته وألمه بسبب الأوضاع السيئة التي يعيشها، حاله كحال الغالبية في البلاد. وسرعان ما غدت كلمة "إرحل" المطلب الأكثر انتشاراً في احتجاجات ومظاهرات التونسيين. ووصل صدى الكلمة إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا  والعراق وغيرها من البلدان التي ما زالت تعيش الاضطرابات والحروب وعدم الاستقرار والنزوح منذ ذلك الحين.

وأصبح حرق البوعزيزي لنفسه أسلوباً كرره أكثر من خمسين شخصاُ في مختلف البلدان العربية للتعبير عن رفضهم للظلم واللامساواة والإهانة.

 "ثورة الياسمين"

 بعد أن توفي البوعزيزي في 4 كانون الثاني 2011، بسبب الحروق البليغة التي غطت كامل جسده. أصبحت وفاته دافعاً أكبر لاستمرار المظاهرات الشعبية في عموم تونس، والتي أطاحت بزين العابدين بعد شهر واحد من حرق البوعزيزي لنفسه. وامتدت احتجاجات التونسيين إلى جميع المدن وأدت إلى صدامات مع قوات الأمن وسقوط العديد من الجرحى والقتلى خلال تلك المظاهرات. وفرَّ بن علي إلى السعودية بشكل مفاجئ في 14 كانون الثاني 2011. لتدخل تونس مرحلة مختلفة من تاريخ البلاد. ومازال الصراع بين معسكر الديمقراطية والتقدم، والقوى المحافظة محتدما ومفتوح النهايات، ولكنه يعكس روح نضالية صامدة ومتصاعدة من اجل تونس افضل.

 "ثورات"

 وصلت شرارة الثورة التونسية إلى مصر، وانطلقت الاحتجاجات والمظاهرات في 25"  كانون الأول "2011، أي بعد وفاة البوعزيزي. وخرج المصريون في يوم "غضب المصريين" للمطالبة بالقضاء على الفقر والبطالة وإسقاط الحكومة. وتنحى الرئيس حسني مبارك عن الحكم في شباط 2011، وسلّم أمور البلاد إلى الجيش، إلى أن تم انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد عام 2014.

ولم تفلت ليبيا الواقعة بين مصر وتونس من شرارة الثورات والاحتجاجات، لكن الأمور هناك سارت في مسار مختلف. إذ دخلت ليبيا في حرب أهلية تدخلت فيها دول عدة وساهمت في إسقاط حكم العقيد معمر القذافي، وانتهت بمقتله على الشاشات أمام أنظار العالم .وما زالت ليبيا أسيرة صراعات وحروب لا يعلم أحد متى تنتهي وتستتب الأوضاع فيها.

أما الوضع في سوريا واليمن فلا يختلف كثيراً، فقد تحولت تظاهرات الاصلاح والتغيير في البلدين إلى حروب أهلية وتدخلت قوى خارجية دولية واقليمية ساهمت في تعقيد الأوضاع فيها وسط دمار وخراب كبيرين، فيما الخاسر الاكبر هو شعبا البلدين في بعضها ولو مؤقتاً.

ادى حراك "الربيع العربي الذي كانت في بدايته سلمية الى هيمنة قوى الاسلام السياسي وتوسع سيطرة الارهابيين في سوريا والعراق الذي تسبب في دمار العديد من المدن والبلدات وادت الى نزوح جماعي نحو اماكن اكثر أماناً.

كما تسبب الصراع في اليمن بأزمة إنسانية غير مسبوقة، إذ مات  آلاف  الأطفال بسبب انتشار الأمراض والأوبئة وانتشار المجاعة التي ما زالت سائدة في البلاد. ويعلق الكثيرون الآمال على مفاوضات السويد، علها تفضي الى انهاء واحدة من اكبر مآسي المنطقة والعالم.

ما زالت مخاضات "الربيع العربي" لم تستقر على حال بعد، لكنها حركت الكثير من الامور التي كان يعتقد بانها "مأمونة".