رشيد غويلب
استعادة روسيا الاتحادية، بزعامة بوتين، دورا مؤثرا في الصراع والتنافس الدوليين، وهي تتبنى احيانا مواقف ايجابية، مقارنة بمنافستها الأقوى الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يدفع قوى سياسية وناشطين، بما في ذلك اوساط يسارية، الى الحنين المشروع الى منجزات ثورة اكتوبر الاشتراكية وسنوات الحكم السوفييتي، والى تقييم سياسي واقتصادي غير دقيق لطبيعة سلطة الرأسمال في روسيا الاتحادية اليوم، الساعية لتحقيق مصالح دولتها القومية. الا ان المتابعة لتعامل حكومة الرئيس بوتين مع المعارضة الوطنية التي تلتقي مع نظامه، من منطلقات وطنية في مواجهة صلف التحالف الغربي، خصوصا الحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية الذي يتصدر هذه القوى، تظهر حقيقة وجوهر طبيعة النظام السياسي الحاكم في البلاد.
في 11 تشرين الثاني الحالي ، جرت في جمهورية خاكاسيا، ذات الكثافة السكانية المنخفضة (اكثر من نصف مليون نسمة)، والواقعة في جنوب شرقي سيبيريا ، الجولة الثانية لانتخاب حاكم الجمهورية. وانتُخب الشيوعي فالنتين كونوفالوف، بعد ان حصل على 57,57 في المائة من الاصوات. وكانت جولة الانتخابات الأولى قد جرت في 11 ايلول، وبموازتها جرت انتخابات برلمان الجمهوية. ويشير الحزب الشيوعي في جمهورية روسيا الاتحادية الى ان الانتخابات حولت الجمهورية الى منطقة حمراء، حيث حصل الشيوعيون على 31,01 في المائة، واحتلوا الموقع الأول، تاركين حزب الرئيس بوتين "روسيا الموحدة" ثانيا ، بحصوله على 25,45 في المائة وبخسارة 21 في المائة بالمقارنة مع الانتخابات السابقة.
حصل المرشح الشيوعي كونوفالوف في الجولة الأولى على 44,8 في المائة ، يليه الحاكم السابق فيكتور سيمين بنسبة 32,4 في المائة. وكان من المقرر أن تجري الجولة الثانية في 21 ايلول. لكن قبل يومين من ذلك، انسحب سيمين من مناظرة تلفزيونية مع منافسه الشيوعي، واعلن انسحابه من جولة الانتخابات الثانية "لأسباب صحية". وعلى اثر ذلك تم تأجيل التصويت الى 7 تشرين الثاني، ولكن المرشح الذي يحتل التسلسل الثالث، الديمقراطي الاجتماعي اندريه فلاجين انسحب هو الآخر من مناظرة تلفزيونية مماثلة، ثم اعلن مباشرة انسحابه من المنافسة. وتبين من تكرار اللعبة من قبل الكرملين ان الهدف من ذلك هو الضغط على المرشح الشيوعي، وتركه مرشحا وحيدا كي يتوجب عليه تجاوز نسبة الـ 50 في المائة ليصبح حاكما لجمهورية خاكاسيا.
وفي الثالث من تشرين الأول عيّن الرئيس بوتين نائب وزير شؤون شمال القوقاز حاكما مؤقتا لخاكاسيا، بشرط أن تجري الانتخابات في 21 تشرين الأول ، وهذه المرة بمشاركة رابح الجولة الأولى الكسندر مجخر، رغم حصوله على 6,61 في المائة فقط. وفي 11 تشرين الاول ، حاولت لجنة الانتخابات لجمهورية خاكاسيا تحريك المدعي العام، لإبعاد آخر منافس في السباق الانتخابي، وهذه المرة بحجة وجود اخطاء شكلية في الوثائق المقدمة. ولكن هذه المحاولة فشلت. وعلى اثر ذلك اعلن المنافس الأخير انسحابه هو الآخر.
وفي نهاية المطاف بقي المرشح الشيوعي بمفرده في الجولة الثانية التي جرت في 11 تشرين الثاني، يواجه شرط تجاوز نسبة الـ50 في المائة. وهنا بدأت حملة واسعة من وسائل الإعلام الحكومية ضده مع اشكال مختلفة من العرقلة لحملته الانتخابية، منها محاولات فاشلة لعدم السماح له ولنواب شيوعيين آخرين بحضور فعاليات انتخابية. وكانت هناك محاولات لإلقاء القبض على ناشطين شيوعيين.
في 4 تشرين الثاني احترق "صدفة" منزل نائب شيوعي في برلمان خاكاسيا، ولم يتم، حتى الآن، تحديد سبب الحريق، ولا الخسائر التي سببها.. وكانت آخر هذه المحاولات المكشوفة اعلان حاكم الولاية بالوكالة، المدعوم من الرئيس بوتين، انه سيرشح نفسه، في حال فشل المرشح الشيوعي في الحصول على اكثر من 50 في المائة، والذهاب الى اعادة الانتخابات.
وعلى الرغم من كل ما تقدم استطاع المرشح الشيوعي الحصول على 57,57 في المائة، منتصرا بذلك على ماكنة السلطة الهائلة. وشكل في هذه الاثناء حكومته من شيوعيين ومستقلين. لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه، هو تنفيذ برنامجه الذي يتضمن زيادة الضرائب على الطغم الصناعية، والشركات الكبيرة ، وتوسيع الصناعة في مجال الهندسة الميكانيكية والصناعات الخفيفة ، وإحياء القرى، واعادة فتح المراكز الصحية فيها، وكذلك توسيع المرافق التعليمية والثقافية.
وفي 16 كانون الأول القادم ستعاد الانتخابات في بريمورسكي النائية شرقا، حيث يعيش حوالي مليوني مواطن، وقد تم حرمان المرشح الشيوعي من الفوز بواسطة تزوير مفضوح، ادى الى احتجاجات حاشدة اجبرت لجنة الانتخابات ليس على الاعتراف بالنتائج الصحيحة، ولكن على الأقل الموافقة على الإعادة.