رشيد غويلب
اغلب التقييمات ترى في نتيجة الانتخابات "النصفية" في الولايات المتحدة "نتيجة مختلطة". وعلى العكس من ذلك يرى الحزب الشيوعي الأمريكي فيها "خطوة كبيرة إلى الأمام". فقد سيطر الديمقراطيون في مجلس النواب، فيما حصل حزب ترامب الجمهوري على أغلبية أكبر قليلاً في مجلس الشيوخ.
ويتساءل الشيوعي الأمريكي عما إذا كان هذا التمثيل "المتوازن" يعكس الواقع حقاً، ويرى في موضوعة "الفائزين" مجرد تبسيط سطحي وإخفاء للاتجاه الرئيس لمآل هذه الانتخابات. وهو يعتبر النتيجة في الواقع صفعة سياسية لترامب وأنصاره، وان ظروف تنفيذ سياساته اصبحت صعبة، وعلى الرغم من عدم تحقيق تحول سياسي كبير، سيسعى ترامب لتوظيف كل الإمكانيات لمواجهة السير في هذا الاتجاه، دون ان يكون حكيما في اختيار ادواته. ولكن من الثابت ان قوى المواجهة لنهجه أصبحت اقوى، وجاءت نتيجة الانتخابات لتقوي عزيمتها في الاستمرار بالمقاومة، فالنتائج بينت ان النجاح ممكن.
لقد اصدر الحزب الشيوعي الأمريكي في الثامن من تشرين الثاني الجاري، بيانا اكد فيه ان ما حدث يمثل "انتصارا انتخابيا تاريخيا".
وكانت الجريدة الالكترونية للحزب "عالم الشعب" قد نشرت في اليوم السابق مقالا بنفس العنوان تناول نتائج الانتخابات. وفي ادناه عرض لمحتوى البيان الذي ينطلق من الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد وتوازن القوى فيها.

أغلبية ديمقراطية أكثر تقدمية

اكد البيان ان المقاومة التي بدأت بالمسيرة النسوية، في اليوم الثاني لتولي ترامب مهام عمله، سجلت في هذه الانتخابات اول نجاحاتها، وان التعبئة الانتخابية التي ساهمت فيها النساء والشبيبة والنقابات والملونون، قد حطمت الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، وتم الحصول على 20 مقعدا من اصل 28 مقعدا جديدا، وهناك 15 مقعدا أخرى، حتى اصدار بيان الحزب، لم تحسم بعد.
والأكثرية الديمقراطية هذه المرة هي الأكثر تقدمية منذ عقود، وقد ضمت عددا غير مسبوق من النساء والمواطنين الذين يعانون من العنصرية والاضطهاد العرقي على الصعيد الوطني، وان تنوعها يدحض بقوة حملة جمهوريي ترامب الانتخابية المبنية، على العداء للنساء وعلى تسلط البيض. وأقصى الناخبون خمسة حكام ولايات جمهوريين بينهم عدو النقابات المكروه سكوت ووكر حاكم ولاية ويسكونسن. وجاء الحراك الذي عكسته نتائج الانتخابات، لصالح اليسار بوضوح تام.

نجاح في الاستفتاءات

باستثناء ذلك تحققت نجاحات في سلسلة من الاستفتاءات الموازية للتصويت بشأن العديد من القضايا، أكدت تصاعد الدعم لجملة من الإصلاحات التي قام بها الديمقراطيون. ففي ولايتي ميسوري وأركنساس دعم الناخبون رفع الحد الادنى للأجور، وأعاد الناخبون في فلوريدا الحقوق الديمقراطية لـ 1,4 مليون مواطن حرموا منها بسبب إدانات قضائية سابقة، وأنهى الناخبون في ولاية لويزيانا الادانة بجرائم دون توفر إجماع هيئة محلفين، وحقق الناخبون في ولاية ميشيغان إصلاحا مستقلاً ونزيهًا للدوائر الانتخابية، وهو إنجاز كبير في واحدة من أكثر الولايات المعروفة بانتشار التلاعب في نتائج دوائرها الانتخابية. وحتى حالات عدم نجاح بعض المبادرات، اظهرت جدية المجاميع التقدمية في الاستفادة من عمليات الاستفتاء.

تصاعد عدوانية ترامب

في الوقت نفسه، ألقت النتائج ضوءا واضحا على المهمة التي تنتظر الشيوعيين الآن. ففي اليوم التالي للانتخابات، قرر ترامب إقالة المدعي العام جيف سيسيز واستبداله بأحد المتشددين، وهو مؤشر على حجم الخطر المقبل. وفي المؤتمر الخارج عن السياق، الذي عقده ترامب في نفس اليوم، وصف صحفية افروامريكية بالعنصرية، لانها استفزت عنصريته التي تجاوزت افضل التقاليد الأمريكية.
والأهم من ذلك ان أركان التحالف الجمهوري قد هُزت، والجمهوريون لديهم اليوم دعم اقل في أوساط الشبيبة. وعلى الرغم من ان دعم الانجليكانيين اليمينين لا يزال قوياً، فانه في تناقص مستمر، والكثير من نساء الضواحي البيض اللواتي دعمن وصول ترامب إلى السلطة، ابتعدن في الانتخابات الأخيرة عن الجمهوريين. ومن أجل الاحتفاظ بالسلطة، من المرجح أن يقوم الجمهوريون بتعزيز ستراتيجيتهم المحمومة بشأن التفوق الأبيض وحرمان الجماهير من حقوقها، ولهذا ولغرض الحفاظ على النجاح الأخير، من الضروري تصعيد النضال ضد العنصرية، وضد شطب اسماء الناخبين من القوائم الانتخابية.

قادرون على الانتصار

وفي الختام يورد البيان امثلة تاريخية على قدرات الشعب الأمريكي على حسم الصراع لصالحه، مثل مآل الحرب الأهلية، وتنظيم الإنتاج الصناعي الضخم في ثلاثينيات القرن العشرين، وحركة حرية التعبير عن الرأي في أوائل ستينياته. وان ما افرزته الانتخابات الاخيرة يندرج ضمن هذا السياق، ولذا يجب أن تستمر الحركة الديمقراطية للشعب قدما، و هذا ما عكسته حركة الاحتجاج ضد ترامب في اليوم الذي تلى الانتخابات والتي انطلقت في اكثر من 100 مدينة تحت شعار "لا أحد فوق القانون".