رشيد غويلب
جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية في ولاية بافاريا الألمانية مطابقة الى حدود كبيرة للتوقعات واستطلاعات الرأي التي سبقت يوم الاقتراع. وبموجب النتائج المعلنة حتى ساعة اعداد هذا التقرير، فان احزاب تحالف الكبارالحاكم في المانيا منيت باقسى خسارة انتخابية في عقود مابعد الحرب العالمية الثانية، فيما خرج حزب الخضر باعتباره المنتصر الحقيقي في هذه الانتخابات.
وبموجب النتائج المعلنة حصل الحزب الاجتماعي المسيحي على 37,3 في المائة، بخسارة تزيد على 10 في المائة عن الانتخابات السابقة، وسجل اسوأ نتيجة انتخابية في تاريخه المعاصر. وجاء حزب الخضر ثانيا بعد ان ضاعف قوته الصوتية تقريب، وحصل على 17,7 في المائة، واحتلت قائمة "الناخبين الأحرار" اليمنية المحافضة المركز الثالث بحصولها على 11,5 في المائة، وجاء حزب "البديل من اجل المانيا" اليميني المتطرف، والذي يشارك للمرة الأولى في انتخابات برلمان الولاية رابعا وحصل على 10,3 في المائة، وهكذا يواصل هذا الحزب الذي يعتبر شكلا محسنا للنازية الجديدة سلسلة انتصاراته الانتخابية، ويدخل برلمان الولاية الـ 15 من اصل 16ولاية تشكل البنية الفيدرالية في المانيا. ويتوقع ان يدخل أيضا برلمان الولاية المتبقية "هسن" في الانتخابات التي ستجري بعد اسبوعين.
وكان الموقع الخامس من نصيب الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وشريك المستشارة ميركل في الحكومة الاتحادية، والذي حصل على 9,6 في المائة فقط، وبهذا مني بأكبرخسارة انتخابية في تاريخه، وتراجع الى المرتبة الخامسة ، تاركا المرتبة الثانية التي كان يحتلها دوما في الولاية الى حزب الخضر. وحصل الليبراليون الاحرار على 5 في المائة، وهي نسبة تؤهلهم لدخول برلمان الولاية. وعلى الرغم من تحقيق حزب اليسار زيادة تجاوزت 1 في المائة، الا انه لم يحقق هدفه في تحقيق اختراق ودخول برلمان الولاية الأكثر محافظة في المانيا، للمرة الأولى، وظل بحصوله على 3 في المائة فقط ، بعيدا عن مسعاه.
وتأتي هذه النتائج لتشكل استمرارا لأزمة تحالف الكبار الحاكم في برلين، ولتزيد شقة الخلاف بين جناحي الاتحاد المسيحي، الذي يشكل الحزب الاجتماعي المسيحي جناحه البافاري، بينما يمثله في جميع الولايات الالمانية الإخرى الحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة ميركل، التي تعاني، منذ الانتخابات الاتحادية الاخيرة في 24 ايلول 2017 من ضعف في موقعها القيادي في الحزب والدولة.
وستنعكس نتائج الانتخابات في باقاريا على الصعيد الوطني، وتفتح الباب واسعا لمراجعات تشمل جميع الاحزاب السياسية الممثلة في البرلمان الاتحادي، وربما تؤدي الى حراك جديد في اللوحة السياسة في البلاد.
وسيستمر الاجتماعي المسيحي في حكم الولاية، ولكنه سيحتاج هذه المرة الى حليف صغير او اكثر. ولقد افرزت نتائج الانتخابات الاحتمالات التالية: التحالف مع "الناخبين الأحرار"، وهم الاقرب منهجيا للمسيحيين الاجتماعين، ويمكن ان ينظم للتحالف الحزب الليبرالي الحر، الذي يتفق الى حدود كبيرة مع اليمين المحافظ في الجانب الاقتصادي من البرنامج الحكومي. ووارد ان يكون التحالف الحاكم مقتصرا على الاجتماعي المسيحي وحزب الخضر، علما ان قيادات الاخير عبرت عن رغبتها في المشاركة في التحالف الحاكم المرتجى
منذ عام 1962 وفي حالة فريدة من نوعها في أوروبا، حافظ الحزب الاجتماعي المسيحي على الأغلبية المطلقة من المقاعد في البرلمان البافاري باستثناء الدورة الانتخابية (2008 –2013 ) عندما اضطر الى تشكيل تحالف حاكم مع الديمقراطيين الاحرار. ولكنه عاد في عام 2013 ليحصل على 47,7 في المائة.
وعلى رغم ان باب التحليلات لنتائج الانتخابات سيبقى مفتوحا خلال الاسابيع المقبلة، الا انه يمكن الاشارة الى فشل مساعي الاجتماعي المسيحي الى تبني مواقف اكثر يمينية لمنع انتقال القسم الاكبر من ناخبيه الى اليمين المتطرف ، ولذلك لم يجد قياديو الحزب بعد اعلان النتائج من حجة لتبرير قسوة الخسارة، سوى تحميل الخلافات التي تعصف بالتحالف الحاكم على الصعيد الاتحادي المسؤولية.
وفي معسكر اليسار، لم يستطع حزب اليسار توظيف تراجع الديمقراطيين الاجتماعيين الكبير لصالحه، وانتقل جزء كبير من ناخبي الاخير لصالح حزب الخضر. ويرى محللون ان حركة "نهوض" التي اعلنت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب اليسار عن تأسيسها باعتبارها جركة جامعة لناخبي احزاب اليسار، حدت من فرص حزب اليسار في دخول برلمان الولاية، نتيجة للإرباك الذي سببته للحزب بتبنيها موقفا شعبويا من ملف اللاجئين والمهاجرين، وبما يتعارض مع الموقف الأممي التضامني الذي تتبناه اكثرية الحزب تجاه الاجانب.