رشيد غويلب
بعد اجتماع دام 13 ساعة ليلة الثلاثاء الفائت، قررت اللجنة التنفيذية الوطنية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم استدعاء رئيس الجمهورية والحكومة. جاء ذلك في بيان قدمه سكرتير الحزب العام الياس ماغاشول في مؤتمر صحفي عقد ظهر الثلاثاء فى جوهانسبرج. ولا يعتبر البيان قرار عزل مباشر للرئيس جاكوبن زوما من منصبه، ووفقا لتقارير وسائل الاعلام محلية، فان الرئيس البالغ من العمر 75 عاما، ليس مستعدا للاستقالة الطوعية.
وبموجب دستور البلاد النافذ، فان البرلمان الوطني هو من يقرر رسميا عزل الرئيس، ولكن قرار اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب، التي تعد أعلى هيئة حزبية بين مؤتمرين، يستند إلى نظامه الداخلي، الذي يلزم الرئيس بتنفيذ قرارات الحزب. وبعبارة اخرى اذا رفض الرئيس الاستقالة الطوعية، فان الأكثرية البرلمانية لحزبه ستقيله بقرار برلماني.
وحاول ماغاشول، الذى يعتبر مقربا من الرئيس، خلال المؤتمر الصحفي رسم صورة وردية للمحادثات بالقول: "نحن سعداء بوجود تعاون بيننا جميعا والرئيس زوما". ولم يتم الاتفاق بعد على "تقصير امد الفترة الانتقالية" إلا المسألة الاقرب إلى الواقع. من جانب آخر صرح احد اعضاء المؤتمر الأفريقي إلى وسائل الاعلام، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن رئيس الجمهورية " متغطرس"، وانه ابلغ الرئيس الجديد للمؤتمر الوطني الأفريقي سيريل رامافوسا وماغاشول اللذين قدما مشروع القرار، انه لن يستقيل لأنه لم يقدم على أي خطأ. وعندما يصدر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بيانا بشأن استدعائه، سيرد ببيان شخصي.
ولا تنحصر القضية بالرئيس وحده بل تشمل شخصيات اخرى في الحزب الحاكم متناغمة مع الشركات ومتورطة في الفساد. وستكشف الايام وربما الاسابيع المقبلة كيف سيتعامل الحزب مع الرئيس في حالة اصراره على رفض الاستقالة.
وتجدر الاشارة الى ان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة رئيسه الجديد سيريل رامافوسا، الذى انتخب في كانون الأول الفائت يتعرض لضغوط ، وتنخفض شعبيته، ولا يريد الحزب إن تنعكس هذه التطورات في انتخابات ربيع عام 2019 المقبلة. ومن هنا تأتي خطوات عزل زوما، الذي استمر في رئاسة البلاد على الرغم من الفضائح التي لا حصر لها منذ عام 2009 بفضل دعم المؤتمر الوطني الأفريقي. ولا يريد الحزب إن يفقد الأغلبية المطلقة التي بتمتع بها منذ نهاية نظام الفصل العنصري في البلاد.
الحزب الشيوعي والتطورات الجارية في البلاد

جاء قرار قيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي متوافقا مع مطالبات وتوقعات الحزب الشيوعي في جنوب افريقيا، الذي يشكل احد الاركان الثلاثة لتحالف المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، الذي يضم إلى جانبه ايضا الاتحاد العام لنقابات العمال وحزب المؤتمر الأفريقي. يتخذ الشيوعيون موقفا شديد النقد لرئيس الجمهورية والفريق المحيط به. ويرون ان الرئيس لم يلتزم بتنفيذ مهامه التي يلزمها به الدستور، والمتمثلة في الدفاع عن مصالح اوسع الفئات الشعبية، بل عمل على مراعاة مصالح رأس المال، وتورط في ملفات فساد. ويؤكد الحزب على الالتزام ببرنامجه، والعمل على تعزيز دوره، ويطالب بإعادة بناء التحالف على اساس وضع التحالف كمؤسسة في المركز وليس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. ويشدد الحزب على وضع آليات جديدة لاتخاذ القرارات داخل التحالف.
ويذكر ان مناقشات مندوبي المؤتمر 14 للحزب الشيوعي، الذي عقد في خريف 2017 قد عبرت عن القلق جراء التطورات التي يصعب تجاوزها، نتيجة لنشاط كتلة الفساد في قمة قيادة الدولة، والتي اساءت الى سمعة المؤتمر الوطني الأفريقي، بشكل يؤدي الى فقدان دوره الريادي السياسي في الانتخابات القادمة. وهناك خطر صعود تحالف معارض انتهازي غير متوافق الى قمة السلطة في البلاد. وتشير تجربة استلام المؤتمر الوطني الأفريقي للسلطة الى تمركز كتلة من البرجوازية الوطنية التقليدية في التحالف. وكان التحالف قد قام في حينها على اساس رفض هذا التوجه، والمطالبة بوطنية ثورية كشرط لقبول قيادة المؤتمر الوطني الأفريقي للتحالف. ومنذ تولي جاكوب زوما ومناصريه قيادة البلاد، بدأت هذه الكتلة بطرح نفسها بشكل مكشوف ومتغطرس. وتتشكل تركيبة البرجوازية المحلية من البرجوازية الوطنية الساعية للسيطرة على رأس المال الصناعي، والبرجوازية الكومبرادورية المنحدرة من اجراء من الفئات الوسطى السوداء، التي تعمل مع رأس المال الكبير الأمريكي، الاوربي، والأسيوي، لتقاسم الكعكة، والبرجوازية الطفيلية الساعية للثراء من الأموال العامة. هذه التشكيلات الثلاثة تتنافس مع بعضها البعض، دون تناقض في ما بينها. ويسعون سويا الى الهيمنة على المؤتمر الوطني الافريقي، واخذوا يحددون هيكليته. وبالتأكيد سيؤدي ذلك الى صراع مع مصالح الطبقة العاملة والفقراء المهمشين في المدينة والريف.
وقرر المؤتمر دخول الحزب الانتخابات بقائمته الخاصة، وبالتشاور الوثيق مع حليفه الأساسي اتحاد نقابات العمال. على ان يتم ذلك بعد تحليل دقيق، يعرض على مؤتمر استثنائي للحزب يعقد في نيسان المقبل، بعد التشاور مع المنظمات العمالية والتقدمية.