يعد كتاب "الأيروسية حضوراً وغياباً- في شعر المرأة العربية المعاصرة" للناقد "وجدان عبد العزيز" دراسة استقرائية اختلفت باختلاف النصوص المختارة للشاعرات العربيات ، مع توحد رؤى الناقد للاستراتيجية المهمة للشعر الانثوي الأيروسي، كمنطق شعري متقدم بحداثته العابرة للتابوات الصارمة التي وضعها القانون الذكوري،وكما في تبيان الدراسة وخطاب نصوصها المختارة.
ان منتج الشعر الأيروسي هو طبيعة انسانية لغواية مفتوحة و فتنة دائمة في صيرورة الانسان ومنها المرأة ، وكتبتها الشاعرة العربية بمثول ناشط وعابر للخشية والتوجس من المراقبات السلفية وتحذيراتها، وكما وصفها الناقد "وجدان عبد العزيز" هي ثورة شعرية قادتها المرأة العربية للتعبير عن خلجات الانثى بمواجهة الكبت والحرمان والسلطة الذكورية"، وتم اعداد النصوص المختارة وفق رؤية الكاتب في تميز ابداعية هذه النصوص، وهي نصوص مختلفة في بصمتها الشعرية لكل شاعرة ،حيث اللغة والسرد الشعري والبناء الفني العام لها ،وهذا من بديهي الخلق الشعري وابداعه. خاصة وقد جمعت الدراسة اكثر من اربعين شاعرة ، ومنه كانت الدراسة التي نهجها الناقد "وجدان عبد العزيز" تقع ضمن مفهوم اللغة الاتباعية Metalanguage للناقد "رولان بارت"في تناوله الدراسي النقدي في مقالته” نقد وحقيقة “ التي يوضح فيها "لا تتعلق موضوعية الناقد الأدبي باختيار الشيفرة، ولكن بالدقة في اختيار النموذج الذي سيطبقه على العمل الأدبي" وهي اللغة بمعناها اتباعية النقد للعمل الأدبي ،ويرى "بارت" أن تكون هذه اللغة لغة فاعلة وتتغير مع النص المدروس "النص المنتقد"، والذي يملك استبانه منه ليحدد منهاج النقد له، بدون ارغام يملى من خصوصيات خارج النص، وهذا ما وعاه الناقد وجدان عبد العزيز وعرفه في ذكره "الحقيقة الجدلية النقدية التي تتخذ من النص مساحة بحث وانطلاق لها، نجدها ذات جذر متغير في نموها، وعدم استقرارها الثابت، مما يوحي ان النقدية تنبع من النص وتنمو في ارضه وتجترح آلياتها واجراءاتها المنهجية من خلال خلجات النص".
الأيروسية الشعرية هي من النتاجات الأدبية الحديثة التي ظهرت بعد حصار ثقافي طال أمده، وتسعى هذه الظاهرة الى رفض النظرة الدونية للجنس، والتي تشيعها المهيمنات التاريخية للثقافة الذكورية الاجتماعية والرسمية، لذلك كانت سلاحاً بيد المرأة الشاعرة وهي تحارب بلادة الرؤى للجسد الانثوي وحصره بالفعل الجنسي الرخيص.
الناقد "وجدان عبد العزيز" في قراءته النصوص قراءة باحثة عن الدلالات اللغوية في انفتاحها الأيروسي، كما في نص "فضاءات الغياب" للشاعرة "اسماء القاسمي" نموذجاً في قوله "وبعد جدية في الدخول الى مسلمات النص وجدت "اهم هذه المتقابلات : موقع الانسان، الشاعر بالنسبة الى فعالية الكتابة الشعرية"، لذا كانت الشاعرة القاسمي، قد دخلت حالة التوتر بين طرفي ايقونتين داخليتين غير مرئيتين، وهما ايقونة السمو في الفضاء المفتوح، كقولها "سأسرج النجمة" والنكوص نحو الارتداد الذاتي بقولها "مازالت الافاق مؤصدة"، وان هذين الصرعين هما سبب تكوين ايقونة العنونة "فضائيات الغياب" اي اسناد كلمة فضاءات الى كلمة الغياب، لوضع صورة مبالغ فيها لإضاءة الذات المبدعة باتجاه" ومنه يمر الناقد لنص القصيدة.
ونلاحظ حوار الناقد ايضاً لنص الشاعرة "سمرقند" وقنديلين في عيني أغسل بضوئهما عتمة مساربك ، فبشر اصابعك بإزميلي، سأعلمك درسا في النحت ، لتنجز تمثالاً من عطري"، فيرى الناقد ان "أي تمثال واي عبير هناك؟ احتياج ماس جداً تدنو منه اشكالية الشاعرة للدنو من حضور الاخر..." لكن الناقد يذهب الى قراءة شرط النص في هذا الاقتراب في الدنو، منهاً لاحتماليته في لاحق ذكره "...لكن ليس بالضرورة بما هو متعارف، انما احتياج لنشدان السمو – فأنا أريد أن أتوج انوثتي، بشمعدان رجولتك" هنا نزلت الشاعرة الى عري النفس الانسانية ورغباتها، لتكون سوية غير شاذة".
ان طبيعة الشعرية الأيروسية للمرأة الشاعرة تقع ضمن الاتسامات الهادئة والمشيعة للمناخ اللغوي الملائم لحوار نصها الأيروسي ،وتحقيق اقناع الاخر وتقبله، وهي إقناعات بعيدة عن التسجيل الشهرزادي المذل لماهية الانثى.
وكانت النصوص المختارة في الدراسة ،هي نصوص ثقافة الاحتجاج الناعم في ترسيخ بناءات تحديثية في الشعرية الأيروسية المعاصرة، وبما تحرك الجسد وتمنحه الكلام ليعبر عن شعوره ككائن انساني حر وعاقل، كائن له الحق في الحضور داخل النص و التعبير والكشف عن ما اسكنه خلقه البيولوجي الحسي و ميزاته الخفية غير القابلة للقمع، وهذا ما حاوره الناقد "وجدان عبد العزيز" لنصوص الأيروسية المختارة بوعي عال وثقافة استقرائية متقدمة وبعيدة كثيراً عن الممنوعات، لتعد دراسته دراسة كاشفة وعابرة لثقافة الأيروس الرخيص والاخرى المانعة لها وأوامرها على حد سواء، خاصة وهي نصوص ذات بناءات ناعمة لا تقبل خشونة المنع واتهاماته غير اللائقة بمكانة المرأة كرمز للعطاء الحياتي ونموه. وكما اكدته الدراسة وفق كشوفاتها الطاردة لخشية النص الانثوي والعبور به لتلك المصدات وتحقيق جمالية موضوعة الأيروس في النص الشعري للمرأة.

عرض مقالات: