تَوَحُد
خلالَ أسلاك الهاتف راحت تتناسل الكلمات، وفي زاوية ضيّقة مظلمة من الأعماق جاءني صوتها مغسولاً بالشهوة: متى عدّت؟ بُعدكَ ليلٌ طويل.
انساحَت ظلالٌ قاتمة على الأرض وهي مُمسكةٌ بسماعةِ الهاتف، أصوات متناغمة اندَمجت مع صوت الظِل، لتَزيد انعِكاسَ بقعة مُعتمة، تتداخل وتتشظى إلى خيوط فاتحة كلما ابتعدت عن المركز المُعتِم. ولتضيعِ في وجه المِصباح المُعلَّق على الجدار أمامه. بينما أخذت الأحلام المحشورة تَتسرب عبر الأسلاك لتُحقِق رغبات مُشتَعلة تَثور في الداخل، لم يكن ذلك كل ما أوحى به صوتُها المتدفق، أحسَ بالذوبان والتلاشي عندما تناغم صوتُها مع موسيقى كلمة (أحِبكَ) حينها أحسَّ بالشوق يُذيبه ويُحيله إلى شيء هلامي، فَبدأتْ عُتمة الظِل تَصغر، وبَدأَ وهَج المصباح يَجتاحُها كجيوشٍ جَبارة، عندها بدأَ الصوتُ يضيعُ ويخفُتُ ليتداخل مع الأصوات القادمة وتَوحدا.! ولم يبق من ذلك الظل المنساحِ على الأرض غير ظِلُّ سماعة الهاتف وحدها معلقة في الهواء، وكأن يداً ممسكة بها.!
واحد في واحد
ظلال أشجار الأغصان المنعكسة على الطريق (القيري) الأجدب تنسحب بطيئاً نحو الغروب تابعة قرص الشمس، تتوالد ظلال فاتحة لتلك الأغصان نفسها، المنتشرة خلال ضياء البدر، بينما يصارع ظلي الأليف تلك العتمة خلال الأشباح المتشابكة للأغصان، يبقى متوحداً مع ساقيَّ، فأراهُ يتوالد ويَندحر بعد مروري عبر تلك الإنفتاحات الضوئية الهزيلة، وسقوط الظل للأشجار المتسامقة. الضياع اللامتناهي يمسخني ليحيلني شيخاً هرماً، ربما تعكس شرودي وتعبي، ضاع مني كل شيء لم أعد أرى حتى نفسي؛ فقد سقَطَت في عتمة النفس التائهة عندما أحسست بوحش من تلك الزوايا السوداء يخرج ليطبق على صدري ويردد بصوت صم أذني كم حاصل ضرب واحد في واحد؟ أذهلني ثم أرعبني صراخهُ معيداً السؤال.! بزغت طفولتي البريئة وأحلامي الهاربة مني دفقة واحدة. وخلصتني لوهلة من شرودي، أبعدتُ يديه أو أشباح يديه الجاثمة على صدري. عدوتُ مسرعاً فتوالدت تلك الظلال مرة أخرى خلال ضياء البدر. لكني انتبهتُ إلى نفسي لأرى هل ما زال ظلي؛ يتبعني!