سَمِعتُ صوتاً هاتفاً في السَّحر            نادى من الغيب   غُفاةَ   البَشَر

هُبّوا إملأوا كأسَ المُنى قبـــل            أن تملأ كأسَ العمرِ كفَّ القَدَر

 درجَ المقهى الثقافي العراقي على ان يسبق آماسيه بإعلان ترويجي لها يحث فيه زبائنه على حضورها ، لكن إعلانه يختلف عن المعتاد فهو ليس ( بوستراً ) انما بالصوت والصورة ، إعلاناً فيديويا (برومو) ينشره على منصات التواصل الإجتماعي، يظهر فيه ضيفه يتحدث عن موضوع أمسيته .. وفي أمسيته للشهر الماضي ، آيار٢٠٢٥، كان الدكتور نجم الدين غلام  يتحدث في الإعلان عن عمر الخيام قائلا:     " عرفنا الخيام من خلال رباعياته التي صدحت بها ام كلثوم عام ١٩٥٠م ، لكن قبل ذلك كانت نخبة مثقفة، قليلة، أهتمت بالخيام منذ بداية القرن العشرين ، ترجمةً وتحليلاً ودراسةً، بالإضافة الى رباعياته ، كونه شاعراً، فهو فيلسوف وبارع بالطب والرياضيات وعلم المنطق وعلم النجوم ، وكتب كثيرا في علوم أخرى ورسائل، كما ويحمل آراء فلسفية متعددة وقد تكون متناقضة . فهل كان صوفيا؟ كما يدعي البعض أولئك الذين اخذوا بنظر الإعتبار كلامه عن الخمر وإعتباره إلهياً، أم هل هو ملحد؟ كما يعتبره آخرون ام هو من اللا أباليين؟، او اللا أدريين؟..هل هو متأثر بالأفكار الباطنية؟ ..كل هذه الأسئلة تحتاج الى الإجابة عنها ، وهذا ما سنجيب عنه بالتفصيل يوم الجمعة ٣٠/٥/ ٢٠٢٥في المقهى الثقافي العراقي بهمرسميث .. نود ان نراكم هناك والى اللقاء" . . وحين نشر هذا الإعلان والتوثيق التلفزيوني على صفحات التواصل الاجتماعي، حظيا بمشاهدات عديدة ، وعلق عليهما العشرات: وهذا رابط الإعلان بالفيديو:

Promo:

https://www.facebook.com/100063998972229/videos/1126979252480501

 وهذا رابط التوثيق التلفزيوني لكامل مجريات الأمسية:

 https://www.facebook.com/100063998972229/videos/1035029534920778

   نورد لكم هنا بعض تلك التعليقات، على الإعلان والتوثيق :

Ibtesam Yousif Al-Tahir

شكرا للمقهى الثقافي العراقي في لندن. منبرا مميزا للأدب والفن العراقي والعربي شكرا للإخوة الفنان المسرحي علي رفيق والفنان التشكيلي فيصل لعيبي لمواصلة العطاء للمقهى. 

وتحية لضيف الأمسية الدكتور نجمالدين وللشاعرة الجميلة دلال جويد.

Smahan Salma*

ما شاء الله عليك دكتور نجم الدين حقا اسم على مسمى.

Ibtsam Fuaad*

جهود مشكورة.. الحضور كان ممتازاً. 

الناس تحب هكذا مواضيع 

اتمنى لكم النجاح المتواصل.

Abdul Hussain Saleh*

جهود طيبة

جعفر راضي*

بوركت جهودكم الرائعة وبالتوفيق والنجاح الدائم.

Abdulamir Alhajaj*

بوركت جهودكم لهذه الامسية المتنوعة ولهذا الحضور المتميز وهذا يعكس اختيارات المقهى وادارته لهذه المهمة النبيلة.

Taha Rahak*

بوركت جهودكم النبيلة وباقة ورد لأعضاء المقهى الثقافي.

هاشم الشطري*

بالتوفيق والنجاح للجميع وللدكتور نجم الدين وممن يشاركه الأمسية.

Hamid Alsharifi

بالنجاح والتوفيق ان شاء الله

عبد الرحمن الساعدي الساعدي*

التفاتة رائعة لكنز أروع..

عمر الخيام هو زمن مطلق عاش كل زواياه ..تكلم عن الدهر بروح مشرقة. كأنه أخذ من نور ألله قبس.. تحية لروحه الباقية إلى أبد الابدين.

ولكي ننقل لكم هنا مجريات ووقائع الأمسية التي أقامها المقهى الثقافي في الجمعة الثلاثين من آيار / مايس ٢٠٢٥ لابد ان نبتدأ بما قالته الشاعرة دلال جويد وهي ترحب بالضيف المحاضر الدكتور نجم الدين غلام :

"نجتمعُ اليومَ لاستكشافِ شخصيّةٍ استثنائيةٍ تركتْ إرثًا فكريًّا وإنسانيًّا عظيمًا، هذه الشخصية هي  شخصية عمرُ الخيّامُ. الشاعرٌ والفيلسوف والعالِم، الذي جمعَ بينَ الرياضياتِ والفلكِ والشِّعرِ في تكامُلٍ فريدٍ، كان بمثابةِ شهادةٍ على عبقريةٍ إنسانيّةٍ تتحدى حدودَ الزمانِ والمكانِ".

وعن منجز الخيام ذكرت السيدة جويد:

" رباعيّاتُهُ ليستْ مجرّدَ أبياتٍ شعريّةٍ، بل هي تأمّلاتٌ عميقةٌ في الوجودِ والحياةِ والزمنِ. الخيّامُ لم يكنْ شاعرًا عابرًا، بل كان فيلسوفًا يطرحُ أسئلةً كونيّةً: ما معنى الحياةِ؟ كيف نواجهُ الزمنَ؟ وأين تقفُ الحقيقةُ بينَ الواقعِ والمجهولِ؟ بأسلوبِهِ البسيطِ والعميقِ في آنٍ واحدٍ، جعلَ الخيّامُ من رباعيّاتِهِ مرآةً تعكسُ أعمقَ ما في النفسِ البشريّةِ من تساؤلاتٍ".

وحين باشرت الشاعرة دلال بتقديم الأمسية والضيف جاءت على تفاصيل مهمة عنهما فذكرت:

" في هذهِ الأمسيةِ، يستضيف مقهانا الجميل (المقهى الثقافي العراقي في لندن) الدكتور  نجمِ الدينِ غلامَ، الذي سيأخذُنا في رحلةٍ لاستكشافِ هذهِ العوالمِ الفكريّةِ والأدبيّةِ. الدكتورُ نجمُ الدينِ، وُلِدَ في بغدادَ عامَ 1952، نشأَ ودرسَ مراحلَهُ الابتدائيّةَ والمتوسطةَ والثانويةَ في العراقِ، وتخرّجَ طبيبًا للأسنانِ من كليّةِ طبِّ الأسنانِ عامَ 1975.

بدأ حياتَهُ المهنيّةَ بالخدمةِ في القوّةِ الجويةِ العراقيّةِ في قاعدةِ المثنى الجويّةِ، ثم عملَ في مناطقِ أطرافِ أهوارِ الناصريّةِ، ثم انتقلَ للعملِ في مستشفى أبو غريبَ.

 في عامِ 1981، غادرَ العراقَ لاستكمالِ دراستِهِ، حيثُ عملَ وتدرّبَ في عدّةِ مستشفياتٍ في شمالِ ويلزَ في بريطانيا. حصلَ على زمالةِ كليّةِ الجراحينَ الملكيّةِ في إيرلندا، تخصّصِ في جراحةِ الفمِّ، عامَ 1986. كما حصلَ على دبلومٍ في مجالِ التخديرِ الجزئيِّ. (Sedation) من جامعةِ نيوكاسلَ عامَ 2007

أسّسَ الدكتورُ نجمُ الدينِ عيادتَهُ الخاصّةَ، حيثُ عملَ فيها لمُدّةِ 24 عامًا قبلَ أن ينتقلَ للعملِ في برادفوردَ لمدةِ 6 سنواتٍ، ثم تقاعدَ عن العملِ العامَ الماضي.( وعلقت على تقاعده بأن هذا من حسن حظنا فها هو يقدم لنا قراءته الخاصة للخيام ويعدنا لاحقا  بتقديم دراسة عن أم كلثوم ).

 هذهِ الأمسيةُ ستكونُ فرصةً للتعرّفِ على عُمقِ فلسفةِ عمرِ الخيّامِ ورباعيّاتِهِ في نظرةٍ تحليليّةٍ تقدّمُها شخصيّةٌ تجمعُ بينَ العلمِ والثقافةِ. فأهلا وسهلا.

إستهل د. نجم الدين محاضرته  عن الخيام :" هو قامة علمية وفلسفية وشاعر وعالم بالمنطق وعلم النجوم ، سنأتي على شرحها بالتفصيل ، والموضوع طويل لكني سأحاول جهدي بتلخيصه وسأأتي بالحديث عن نبذة موجزة لسيرته ثم عن علومه وآرائه الفلسفية ورباعياته ولكني قبل البدء أحببت ان أقرأ عليكم ومضة شعرية من احدى رباعياته:

يدٌ ليَ في جامٍ * وأخرى بمصحفٍ     وطوراً انا الجاني وطوراً انا العفُ

  أعيشُ ومالي تحت ذا الأفق مبدأٌ      فلا مسلمٌ محضٌ ولا كافرٌ   صرفُ

.. وهذا هو عمر الخيام "

*( والجام تعني صحن وهي مفردة فارسية )

ثم سرد بعض جوانب سيرته الذاتية فقال ان اسمه عمر بن إبراهيم الخيام، كنيته "أبو الفتح"، ولقبه "غياث الدين". ولد في نيسابور عاصمة خراسان (شمال شرقي ايران) قرب مدينة مشهد يوم الخميس ١٨/٥/١٠٤٨عاش في عصر السلجوقية ، عصر إستيلاء الأتراك على ايران ، وهي فترة كانت بالغة السوء سادتها ممارسات الحكام البشعة حيث كانوا يعاقبون معارضيهم بتسميمهم اوتغييبهم في سجون رهيبة أوبخنقهم أو سمل عيونهم ..ومن هنا أكد الدكتور نجم الدين على ان الخيام:" عاش حياة ملؤها الألم كانت نتيجتها ان تشاءم فقال: انا وقعنا في شباك الدهر كالطيور ، نعاني من أذى الدهر ، مهمومين ، حيارى ، في هذه الدنيا التي لا بداية لها ، ولا نهاية ، ندخلها ثم نخرج منها دون بلوغ مأربنا". وعلى هذا الأساس يتوصل المحاضر د. غلام وعبر دراسات عديدة إطلع عليها :" كان الخيام جبرياً ويعتقد ان الإنسان تسيره قوة خفية لا يملك دفعها ، ولا تدع له فرصة الإختيار بين الضار والنافع ". وأضاف انه من هذا المنطلق يتبين:" لدارسي الخيام وسيرته انه كان مزاجيا ، منطوٍ ظاهريا ومنبسط باطنيا ، وانطواءه جعله يعتزل أصحاب السوء والجهل والمشتغلين بالسياسة". ومن هنا أشار الى الآراء المختلفة حول شخصية الخيام كفيلسوف وشاعر وذكر :" ان تلك الآراء التي تتحدث عنه كفيلسوف اكثر دقة وصحة منها كشاعر، ولم تشر أي من المصادر القديمة ، وخاصة تلك التي ألُِفت في حياته ، او بعد وفاته بقليل، بشاعريته". ومن بين تلك الآراء جاء د. نجم الدين على ذكر كتاب " تاريخ الفلاسفة " للقفطي عام ١٢٤٨ م الذي يوصف فيه الخيام :"كمؤلف مقاطع تكشف شره ، وسمومه كحية ، وكان مهددا بالقتل بتهمة الإلحاد فذهب الى مكة ليسلم من الأذى ". كذلك يوصفه بأنه:" متأثر بالعلوم والثقافة اليونانية".

وبعد ذلك تطرق د.غلام بإسهاب الى ذكر علوم الخيام قائلا:" دلت المصادر المختلفة ، والوثائق المؤكدة على ان الخيام كان يتمتع بذكاء خارق ، واستعداد فطري حيث استطاع ان يلم بجميع علوم عصره، ويتضلع بها، كالرياضيات ، والفلك ، والطب ، والفلسفة والمنطق". وللبرهنة على ذلك أورد العديد من منجزاته وكان من بين ما تناوله الأمثلة التالية لإعماله:

-أخرج التقويم الجلالي الذي بدأ ١٥ مارس/اذار ١٠٧٩ م ولايزال معمولا به. وقد تفوق فيه على التقويم الغريغوري الذي بدأ العمل به عام ١٥٨٢م.

-بنى مرصدا في أصفهان ، وبرع في مضمار الأرصاد الجوي والتنبؤ بحالة الطقس لأيام آتية.

-كتب في الجبر باللغة العربية مؤلفا بعنوان " الجبر والمقابلة" أوجد فيه طريقة هامة لإستخراج جذور الأرقام ، وعالج أيضا فيه، لأول مرة مسائل التكعيب في الجبر. وعرف ١٣ شكلا مختلفا من المعادلات التكعيبية وأعطى حلولا لبعضها ، لم يصل اليها احد عمليا حتى يومنا هذا.

" وما لبثت XAY-وفي علومه استخدم الخيام الكلمة العربية "شيء" التي رسمت بالكتب الأسبانية "

 الذي اصبح رمزا عالميا للمجهول.Xوإستبدلت بالتدريج بحرف

 ومن بين مؤلفات الخيام :

-مختصر" طبيعة او لوازم الأمكنة " شرح فيه تغير الفصول وشروط تقلبات الجو في مختلف الأمصار.

ـ"ميزان الحكم" وهو رسالة في الإحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم ما ، مركب منهما.

-رسالة في شرح "ما أشكل من مصادر كتاب أقليدس " وهو عالم يوناني لقب بأبي الهندسة .

-"نوروزنامة" كتاب عن السنة الفارسية تناول فيه عيد نوروز وتاريخ فارس والصيد والذهب .. يشكك البعض في نسبته للخيام.

-"رسالة الكون والتكليف" وهو يحاور فيه كتاب "القاضي السنوي" تلميذ ابن سينا يسأله فيه في حكمة الخالق للكون وللإنسان. واتبعه بجزء ثان طرح فيه ثلاث مسائل : ضرورة التضاد في العالم والجبر والبقاء.

-رسالة في كليات الوجود بالفارسية.

-رسالة "الضياء العقلي في موضوع العلم الكلي" وهي بالعربية.

-رسالة" الأوصاف والموصوفات" وتعتبر رسالته الثانية بالوجود كتبها بالعربية.

-رسالة سماها:" روضة القلوب" بالفارسية، وهي رسالة موجزة وجهها لفخر الملك بن نزام الملك.

-رسالة "موضوع علم كل وجود" بالعربية.

-عرائس النفائس.

-ترجمة خطبة الفراء لـ"ابن سينا" من العربية الى الفارسية .

 اما عن آراء الخيام الفلسفية فقد جاءت عليها محاضرة د. غلام بالتفصيل وحرص على كشف كيف عبر عنها وبمن تأثر ليلتزم بها نظريا أولاً، ويعمقها ، ويتخذها أسلوبا في حياته العملية ثانياً ومن منطلق انه تعامل مع نتاجه العلمي في حقول متعددة كالرياضيات والهندسة والفلك والطب والمنطق . وأكد على انه " قلما تخلو رباعية من الفاظ الفلسفة ، والمنطق ، وذلك ما قاد الخيام الى مناطق الشك والإلحاد ". وهنا استشهد المحاضر بما ركز عليه احمد الصافي النجفي في حديثه عن فلسفة الخيام بأنه:" من الفلاسفة اللا أباليين الذين يعترفون بالجهل ، ويرون ان طاقة البشر لا تستطيع ان تحيط بمسائل ما وراء الطبيعة ، ويقولون بعدم إمكانية معرفة الأزل، وجميع ما ندركه من الموجودات انما يكون إدراكنا له بسبب قابليتنا الحسية ". ثم ذكر الدكتور ايمان الخيام بالفلسفة (الانقلابية) ، وتأثره بالثقافة اليونانية وفلاسفتها ومن بينهم ابيقور الذي يدعو الى ابتغاء اللذة والأطمئنان . عبر عنها بتأمله في العدم والموت والفناء ودعا الى التمتع بالحياة " على أساس اللذة " والوصول الى الإطمئنان والسلام والتخلص من الخوف وتغييب الألم والإكتفاء الذاتي ومعاشرة الأصدقاء البشوشين.

والسمة الأخرى عند الخيام هي فكرة التشاؤم التي قادته الى " العدمية" فهو يرى انه لا نفع من الحياة ما دام الموت بالمرصاد لكن د. نجم الدين استدرك قائلا:" هذه هي فلسفة الخيام النظرية ، اما فلسفته العملية فهي فلسفة هناء وسعادة ، فلسفة شهوات وملذات ". كما تأثر بافكار ابن سينا واخوان الصفا ويقطع احمد حامد الصراف بان الخيام كان متأثرا بالافكار الباطنية. وأضاف في هذا السياق:" هذا هو الخيام خليط لكيان بشري غير متجانس ، بل متناقض " . وهنا إستحضر آخر ما قاله الخيام حين حضرته الوفاة مخاطبا الهه:

" كيف أعرف ذاتك كما ينبغي

فلا يعرف ذاتــــك إلا ذاتـــــك ".

ومن بين أكثر ما ذاع به صيت عمر الخيام رباعياته التي كرس لها ضيف هذه الأمسية د.نجم الدين حيزا كبيرا من الوقت تناول فيه التعريف بها وبتاريخها ومكانتها في الشعر الفارسي وأنتشارها في المنطقة والعالم وجاء على ذكر ابرز مترجميها الى لغات متعددة ومن بينهم الشاعر الإنكليزي ادوارد فيتزجيرالد والفرنسي المسيو نيكولاس والنمساوي هامر برغستال ونشر البحاثة الإنكليزي ادوارد الن صورة شمسية لمخطوطة بودليان ومن بين العرب ترجمه عيسى إسكندر المعلوف واحمد حافظ عوض واحمد رامي وجميل صدقي الزهاوي واحمد حامد الصراف والصافي النجفي وعشرات غيرهم ، لكن المحاضر في سياق بحثه أجرى تقييما لهم، خاصا به، واعتبر ترجمة الأخيرين العراقيين الصراف والنجفي أفضل الترجمات العربية وعرض على الشاشة الكبيرة مخطوطة الرباعيات ورافق العرض صوت أم كلثوم تغني احد مقاطع اغنيتها (رباعيات الخيام ) ترجمة رامي وتلحين السنباطي .

وقام الدكتور المحاضر بتلاوة عدد من الرباعيات منها :

ليسَ لذا العالم إبتداءٌ

يبدو ولا غاية وحدُ

ولم أجد من يقول حقاً

من أين جئنا وأينَ نغدوُ

***

لا يورثُ الدهرُ إلا الهمَ والكمدا

واليوم إن يُعطِ  شيئاً يستلبه غداً

مَن لمْ يجيئوا لهذا الدهر لو علموا

ماذا نكابدُ منهُ ما أتوا أَبداً

***

يا عالم الأسرار علم اليقين

ياكاشف الضر عن البائسين

ياقابل الأعذار عدنا الى

ظلك فأقبل توبة التائبين

 

وفاجأ د. نجم الدين الحضور بأن قال ان رباعيات الخيام ترجمها العراقي عباس ترجمان الى العامية (المحكية العراقية ) وتلا منها الابيات التالية :

حين الينكضي عمري ، بالخمرة تغسلوني

ومن الكاس والخمــرة حاجوني  ولقنوني

يوم الحشر لو ردتوا تلكوني  وتدوروني

بثره عتبة المايخانة يحبابي تشــــوفوني

***

اريد اكثر من الخمر  حتى ريحة الخمره

يشموها من ترابي من أتوســـــد الغبره

ولو مخمور يتعده عليه ويصل يم كبري

من ريحة خمرتي يصير دايخ  تاخذه السكره

 * حوار ومداخلات الحضور

   دلال : هل يمكن ان نتعامل مع الخيام على انه شخصية اسطورية في رباعياته ، لأن  هناك شك في وجود الرباعيات أصلاً ؟ وهناك شكوك كثيرة حول ترجماتها، فكيف نتعامل مع النص لأنك الآن ذكرت هذه الأمور ، وبعد ذلك صرت تنسبها للخيام التي حوت اراءه في الدين والدنيا ..نعم نعرف ان الرباعيات هي شعر تهكمي ، وهي مثل قول أبو العلاء المعري :

خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ الأرْضِ       إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ

 وقَبيحٌ بنَا وإنْ قَدُمَ العَهْـــــــ ـدُ        هَوَانُ الآبَاءِ والأجْدادِ

د. نجم الدين : نعم كان الخيام متأثراً بشكل كبير بالمعري .. بالإجابة على السؤال اننا استشفينا آراءه الفلسفية من رباعياته ، وهو لم يكن شخصية اسطورية ، انما شخصية معروفة ذكره السمرقندي وآخرون كثر.

دلال : ( تقاطع) عفوا .. اسأل عن الرباعيات ، اما  بوصفه عالما نعم ، أتفق معك فهو معروف.

د. نجم الدين: نعم علومه عرفناها من رباعياته ..انا دائما أقول اذا لم نحصل على ست وستين رباعية ، خاصته ، حيث يقطع البسطامي انها له بالتأكيد ، فسوف لا نعرف من هو الخيام .

دلال : السؤال الثاني ما أسباب تحفظك على ترجمة احمد رامي ؟

د. نجم الدين: اقرأ للخيام منذ عشرين عاما ..حينما أقارن ترجمة رامي بترجمة النجفي .. الزهاوي..

دلال   : والجواهري ؟

د. نجم الدين : لا .. ترجمة الجواهري لم تطبع ، نسيت اذكر ذلك، شكرا دلال ..يقال ان الجواهري ترجمها ، حسب مجلة (الرسالة) ١٩٤٣م.. قارنت عمل رامي مع الزهاوي او الصراف او النجفي فلم الق ما هو مشترك بينه وبينهم .. فهناك بون شاسع في الصياغات والصور الشعرية .. وأكد هذا، كما سمعت، د.احمد لاشين أستاذ الادب الفارسي في جامعة عين شمس وقال ان رامي لم يلتزم  بالنص الأصلي فقط ، انما أضاف رباعيات من عندياته ، وهذه تنطوي على  نفس صوفي (لم يك عند الخيام هذا النفس) ، خاصة اذا عرفنا ان رامي قام بالترجمة في وقت كان فيه حزينا على فقدانه لأخيه .

ثم فتحت مديرة الجلسة باب المداخلات والأسئلة ، وقد حظيت المحاضرة بمشاركة واسعة من الحضور كان من بينهم الكاتب والصحفي عبد المنعم الأعسم الذي أشاد بالسردية المدهشة التي قدمها د. نجم الدين والتي تناولت شاعرا اشكاليا عاش عصر انشقاق وصراع متداخل بين الثقافات الفارسية والعربية والتركية وأوصى لمن يريد ان يستزيد معرفة الخيام ، فمثلما أشار د. نجم عليه،  بقراءة رواية أمين معلوف ( سمرقند) وأضاف ان هذه الأمسية بحضورها الباذخ تشكل علامة فارقة في تاريخ ندوات المقهى الثقافي ..آمل ان يتعزز هذا الحضور دائما .ثم تداخلت الشاعرة ريم قيس كبة وذكرت انها تمنت ان تسمع اضاءة او رأي في ترجمة د. جميل الملائكة لرباعيات الخيام لدقتها وترى فيها انها كانت بمنتهى الجمال فهو شاعر أيضا ، وعقب د. نجم الدين وأعرب عن استغرابه بعدم اطلاعه على هذه الترجمة وأكد انه سيعمل على البحث عنها . اما د. عدنان رجيب فأشار الى ان ماذكر على ان الشاعر هو عالم رياضيات وعالم فلك ، لكنه لم يسمع تفاصيل عن علومه مثلما جرى تقديم رباعياته.. اجاب  المحاضر انه قد ذكر ذلك وأوردت المحاضرة اراء علماء غربيين ومستشرقين شهدوا ببراعته في تلك العلوم مثل عالم الكيمياء جورج سارتون الذي لقب الخيام بعالم لا يدانى بعلومه وغيره أيضا.. اردف د.عدنان انه لا يقصد المحاضرة انما يطلب الإستزادة في ترجمة ونشر تلك العلوم . وضمت د.سلمى السداوي صوتها الى د. رجيب ، وأعربت عن ضرورة تناول تلك العلوم بتفصيل اكثر فمثلا انه عمل التقويم الجلالي ، في القرن الحادي عشر ، وهو ليس فيه خطأ سوى يوما واحدا كل ١٤١ الف سنة في الوقت الذي نحن نسير على تقويم غريغوري الذي أسس في عام ١٥٨٢م فهذا يخطأ ٢٧ ثانية باليوم وان جرى حسابها تنتج ان كل ٣٢٠٠ سنة يخطأ يوما واحدا ..هذا يعني ان التقويم الجلالي اكثر دقة الى ابعد الحدود وهذه المعلومات العلمية ينبغي ان تنشر ويجري التعريف بها بشكل واسع .

دلال : ( معقبة) هذه مهمة العلماء .. نحن مهمتنا تناول شعره . بعد ذلك سأل الفنان إحسان الإمام : لماذا كل هذا الشغف برباعيات الخيام خلال قرن كامل ؟ واكد د. نجم الدين انه هو الآخر يطرح هذا السؤال لنفسه ولأصدقائه ؟ ويحير جوابا له وفعلا هذا السؤال يحتاج الى دراسة معمقة ولكنه استدرك قائلا ان  لديه تعليلا منطقيا لهذا الشغف بالرباعيات، ذلك لأنها احتوت على كل شيء: المغفرة ، التوبة ، الخمر، الدهرية ، العدم ... الخ فالكل يجد فيها ضالته المنشودة .ثم توالت أسئلة كثيرة من الحضور يبدو للأسف تضيق بها هذه التغطية نشير الى ان تلك المداخلات كانت للسيدات والسادة: أموري وشوكت الأسدي ود. هناء كمال وريتشارد يعقوب ومريم شرارة وفارس فالح حسن ود. عائد عيدان ود. عقيل جبر.

وبتصفيق متواصل ضجت به الصالة، كان يعبر عن ارتياح الحضور لهذه الأمسية التي انتهت بعد ان تجاوزت الساعتين وهي تضاف الى آماسي المقهى الثقافي المتميزة .

 

عرض مقالات: