في المجموعة الشعرية (أيها المحتمي بالأرق) لشلال عنوز تتصالح الكلمات في ضجيجها، وذرات الرمال الدافئة، وأصوات الطيور المغردة، وبهجة الأطفال في أيام العيد والألفة، وصهيل الخيول الأصيلة، ووجيف القلب النابض بالحبّ، وابتهالات الأمهات لعودة أبنائهن الغائبين في قبضة النيران، وروائح الأزهار والورود في حدائق الكلمات المطمئنة، وهمهمة الروح المتسامية المتقاربة من حنين الوطن، لا تذهب الأبجدية عنه بعيدا في توحده وفرادته وتسير في دورتها الأزلية النجوم المضيئة:
هذا العراق ومن سناك بريقه
صبا يهرول في هتافك عارما
واصدح فقد غنى النهار وأشرقت
طهر النفوس فصرن فيك توائما
سقط الطغاة وأنت تمسك مجدها
وعلى ذراها كنت تنشد باسما
تتحطم الكلمات وتتقاطع في دورتها الأزلية في مراوغة الثعابين، في قتل الأبرياء، في لحظات الرعب، في لحظات الزيف والمخاتلة، في ذوي أوراق الأشجار، في رفرفة النفاق، في تناقض الأقوال:
ما زلت تركض في صحراء بلقعة
لا ظلّ فيها فلا سدر ولا أثلُ
تراود الريح مجنونا لتسبقها
وأنت غصن وبالإعصار تنفتلُ
في مجموعة (أيها المحتمي بالأرق) تتوغل نار الدموع وتسافر الأحزان، وتشيخ الصبايا، ويُعشق الموت، ويتأطر الشذى ويتعانق الزهو، وينزف قيثار الأعياد، ويثور العشق، وينبض الحداد. استطاعت قصائد شلال عنوز أن تضمّ هذا النقيض في ألفة ووئام وتصالح أراد الشاعر أن يكون من الأرق مساحة من الحرية، ومن الضجيج الذي يستنزف الوطن فضاء للحلم، فرؤية النص تتشكل من بساطة اللغة الموغلة بالدهشة، الموشاة ببريق الأصوات التي تتوسع وتكبر لتنتج نصا بمساحة وطن، وبمدى اكتشاف وتكهن، فالشحنة العاطفية ساكنة ما أن تمتد إليها يد القارئ حتى تتفرقع وتنفجر وتحدث الاهتزاز والانبعاث للمياه العذبة وشلالات العاطفة والوجدان والإحساس والدلالات والتوقعات والاكتنازات.
ما زلت تكتسح الظلام وتلهب
أنفا فيشربك السناء ويسكب
طاغ بهاك وكل طاغ مقفر
إلا بهاك على المدى معشوشب
هي تجربة اضطرام واحتراق وصراع بين عنف التحدي ونداء الحب، بين هواجس الموت، واخضرار الحياة، بين يباب الأرق وانتصار الحرية، لا ثمة رؤية جامدة، ولا ثمة خمول في النسيج اللغوي المتنامي. نحن أمام شاعر مقتدر على الصياغة الفنية والربط المتين.