أحلى المصائب ، أن تجد نفسك عالقاً
في شراك الحب
وعاجزاً في ذات الوقت ، عن الهروب
لكنّ الأرواحَ المعذبة
لها القدرة على الإستدراك والتعارف
عند منعرجات لغة الطبيعة
وهي تحاكي آدم َ، وتفاحة ٍفي قبضته
السعادة ليست أمراً قابلا للقياس ولاتناقش في إستفتاء ولا في تحليل المتخصصين . كما انّ المرءلايمكن ان يحلو له الوقت على الدوام وهذه هي واقعية الحياة . بهكذا تساؤلات وجدت نفسي مغتبطا بينما أقف منتظرا مجيء( سونيا ) في الكراج الذي سينطلق بنا الى المصياف حيث الجبال والهضاب والوديان وإستواء الأرض أحيانا . في الكراج لابد لك ان تكن صبورا لشحة البنزين وحافلات السيرفز التي بالكاد تحصل عليها وهذه من مخلفات الحرب. حتى جاءت (سونيا) بكوستم أسود مما انار وجهها كما قديسة بهالتها البيضاء . إنطلقنا بعجلة بها عطباً في عتلة تبديل السرعة وكإنها تسير كما سلحفاة ، فاستغرق الوقت الى القدموس كثيراً كثيرا . وعلى طول الطريق الملتوي في أغلب الأحيان كما أفعى تتلوّى براحتها فتخيفك وتدهشك بذات الوقت لعظمة الخلق والخالق . ينقسم الكون هنا بين برد وصيف بين ضباب وصفاء فالقدموس تسمى مدينة الضباب السوري ولايضيع عندها الماء في السحابة. بل يظل يغسل وجوه الغاديات والعابرين بهدف او بدونه ، ضباب أكثر من لندن حيث يخال لك الضياع في ضباب سوهو مثلما يخال لك الضياع في لجة الضباب القدموسي الرمادي اللامعقول. في القدموس برد يلسع وكنت قد نسيت ان اجلب معي لهذا الغرض شيئا يدفيء لحمي وعظامي فقلت الى( سونيا) لأشتري واحدة من هنا وقالت في المدينة التالية ستحصل على ماتريد لآن الرحلة انقسمت على ثلاث أو اربع مراحل من ريف كناري الى جلالة رونقٍ آخر حتى طرت ُفي السمت المغني وزالت نصفُ جراحي . الريف هنا ديالوك عن الجمال وعن شجرها الأجم النافر للآعالي فكان هو الآماد كلها أمامي، وهي تجلس ملاصقة لخاصري وأكتافي فهي السموت الهادئة التي تغطيها وتحرسها من حرائق الطبيعة أوبفعل البشر المهمل أو القاصد الأشركما وأن بعض الأشجار قطعت لأستعمالها بدلا من شحة المازوت يعني اصابها الموت القسري بدلا من الابدية المعروفة للسنديان والشجر السامق. هنا وعلى مسافات الطريق كل مرابع الطبيعة لوّحت بترحيبها على سنين عمري الخافيات والمتادانيات الى الستين ، ومنها :الدريكية ، استقبلة ، المصياف ، المحروسة ، وادي جهنم الذي لقب هكذا لعمق الهوة السحيقة الضاربة في السحر والمخيفة في ذات الوقت والتي تبتلع العجلات لو انحرفت لكن الطبيعة لها قوانينها ورحمتها فتحمي الماضين قدما لرؤيا هكذا لوحات وكإنها رسمت بريشة فنان عالمي كفان كوخ أو ديلاكروا . فكل ما تجمل في الارض تحت سماء الساحل السوري، كلها تعلن أنغام المتعة للأنام ليلا ونهارا. في منحدرات الجبال تستطيع أن ترى بمايشبه المدرج الروماني المزخرف بالأثل والعشب الذهبي أو مثلما المدرج في قرطبة في اسبانيا وما بقي من آثار الدولة الاسلامية المندثرة في الاندلس . تشعر هنا من أنّ الدولة عملت كثيرا في تزيين هذه الطبيعة وهرائها الخلاب الذي يشي من أنه سيصبح أفضل من دبي التي صنعها البشر بينما هنا من صنع الباري وهباته للبشرالقاطنين هناك . حتى دخلنا ريفا آخرا وإذا به يحمل شعاعا ذهبيا ضاحكا من قراري في شراء شيئ بسيط يحميني من برد القدموس فقلت: ماهذه الأوتار التي تعزف لحن البرد والدفء معا فعدلتُ عن قراري بشراء ما اردت وانطلقت برحلتنا وحافلة اخرى تقلنا الى منطقة المصياف بعجلة ذكرتني بعجلات الجيش لكن الفرق هنا أنك بكامل حريتك واختيارك ، اذ كانت العربة بمصاطب متقابلة والأجساد تتلاصق مع بعضها فكان كل جسم (سونيا) في أحضاني فهل هناك أكثر سعادة من هذا الذي في المنال حتى صعقتني رغبة عارمة في أن اقبلها في الحافلة وليحصل الذي يحصل لكن ماكلّ ما يتمنى المرء يدركه والعقل له سلطان في هكذا مواقف حرجة وفقا لتقاليد الشرق اما في أغلب اركان العالم تستطيع فعلها كي تتفاخر انك تحبها . حين وصلنا ريف المصياف ثم المحروسة كان للنسيم والدفء شميم آخر مع العلم انّ المسافة بين الأرياف ضئيلة فكيف لهذا الطقس ان يتبدل بن آونة واخرى في سحره ومداعبته لأجسامنا التي تتوق الى معتدل الطقوس. أنهينا مشوارنا في المصياف التي كانت عبارة عن طقس يتغلغل في الأعماق مثلما يمتزج زيت الزيتون السوري في البدن فيعمل بما يشبه التمسيد الرياضي للمعدة وباقي دواخل أعضاءالجسم فكانت المصياف بكل طرقها الإسفلتية عريضة منفتحة على السماء الطاغية في الصفاء .
في طريق العودة عندما أنظر الى الاشجار أرى كل مراحل حياتها المتباينة فلابد هنا ان يحضر الوصف الدينامي والحركي للابعاد الشجرية التي لاتنتهي في المد . أنا منذهل ، نعم لآنني إبن الصحراء وأختلف عن (سونيا) فهي بنت الأشجار والغابات والأخضراللامتناهي وهذا ما ميز عيونها الخضرالهائلة في المعاني والجمال والجاذبية ورخامة صوتها أيضا مشوّبة بتزاحم الغابات فتحجب الصدى المتصاعد فيظهر صوتها رخيما لاكما صوت الصحراء والبداوة وصداه العالي الذي لايحجبه شجرة أو مراح . وأنا في هذه الطبيعة ارى نفسي أنانيا مبتعدا عن السياسة وهموم الناس بل أجد نفسي منغمسا في الرومانسية والخيال وتلاصقي بجسم (سونيا) الأبيض المهيب وخصوصا حينما أصبحت وكانها (فتاة النعاس) فانداحت على كتفي تنام وتترك خصلات الشعر الأشقر تتساقط كما مطرة صيفية خفيفة تنعش الروح ولاتضرعند البلل .
بينما تسير الحافلات بطاءً على الإسفلت وانا أمام سواد الشجيرات المتغايرة في كل هوة سحيقة أو كل مرتفع شاهق يخيل لي ان ضوئها لعينيّ وحدي ووحدي ، وكانها أحبّة تعيش الأبدية بهذا التلاصق الشهواني والرغباتي العجيب والصمت السري العظيم ، فياترى :
هل تشبهنا هذه الأشجارُ ، أنا و سونيا؟؟
في حبّنا السري
أوفي حميميةٍ و شراكةٍ في الرغبة
والموسميات هنا، ليس لها معنى
لاسيما وهي تُطحَنُ
تحت أنياب الأعراف القميئة
وياليتها..
مثلما قوانين الطبيعة لنيوتن
في سقوط تفّاحةِ الجاذبية
فيكون الموتُ هنا ، أشهى واجمل !!!
أراني وانا على الطريق المخضوضر كمن يحاور زيتونة وعنبا وكمثرى وما ينشأ في بيوت البلاستيك وما أكثرها هنا على إمتداد عدسات العيون حتى اصطدمت بسؤال لنفسي : لماذا لم ينبت غصن زيتون في صحراء أرواحنا نحن القاطنين قفار الجانب ألآخر .
في نهاية كل مشوار سياحي وأنت تصاحب إمرأة فلابد لك أن توافقها التسوق فهو البرنامج الأول والأخير لدى النساء في أي رحلة حتى لو كانت الى أقمار الله بنجومه السبع ، وأنا من عادتي لديّ صبر حمار يطاوع من يسوقه بالإرغام او بالهداوة الرحيمة فوجدت نفسي في سوق البازار
مع دس يدي في ثنية مرفق (سونيا) ونحن في لجة السابلة ومرة أخرى وهي في غرفة تجريب الملابس وأنا انظر بعينين شهوانيتين الى أردافها ونهديها اللذين تكشفا في لحظة جنون وتحقيق حلمٍ كنتُ قد رجوته منها أيام كانت الحميمية على عهدة اللقاء . فكان المشوار حبا وتعارفا أكثر لروحينا التواقة للعشق وترجمان الرغبة والجنس ثم تسوّقا وتبضعاً للعيد القادم يوم غد حتى انتهى بنا المآل في مقهىً جميل لاحتساء الكابتشينو لي والشوكو لها لتزيد طعم الشوكو في جسمها الناعم الأملس بلا زغبٍ يُرى في عينيّ الضعيفتين بنظارة طبية . ونحن متقابلان كرسياً بكرسي رأيت اخضرار الطريق في عيني (سونيا) لكثرة ما في الطريق من شجر ماثل وكإنه جدار الصين العظيم، حتى خيّل لي أنّ الطريق لايقول غير كلمة شجر وشجروشجر وتعني أبدية وأبدية وأبدية، أما نحن فزائلون أو ربما تبقى أنفاسنا أنا و(سونيا) فيصعد بخارها مع ضباب القدموس الى السماوات ثم يهطل من جديد لتبدأ رحلة التناسخ والتقمص مثلما لدى الطائفة الدرزية وهذه الفكرة العجيبة في محتواها لإعطاء الأبدية للوجود الإنساني والتخفيف من حدة الخوف من الموت. ومهما يكن من أمر قلتُ لشاخصي :
لاتحترقْ ، لاتتصدعْ
مازالت هناك أصابعٌ للحب
فتشعلكْ..وتشغّلكْ
تحت ضَي شجرةٍ واحدةٍ ، من هذا السراب الهائلِ