إلى الأستاذ حازم العلي
نسيج رواية (ظلال ماري) للروائي زكي الديراوي. تمنحنا مرآة لرؤية الأمكنة الآفلة وأنظمة السلوك الجمعي التي حافظت على روح الجماعة المتماسكة في بصرة كانت تستنشق التعايش السلمي في كل شيء.
(*)
هندسة (ظلال ماري) فيها النسق الثلاثي والثنائي وفيها الوثيقة روائيا وتستضيء الرواية من وجيز السيرة الذاتية للمؤلف زكي الديراوي. في القراءة الثانية دخلت ُ الرواية من بابها الثامن (نبذة مختصرة عن منطقة الوسيطة وساكنيها). في هذا الفصل يهبنا زكي الديراوي مدينة مرئية دائمة الشروق. قوتها من بيوتها الطينية وقوتها ساخنا يطلع كل يوم من أفواه تنانيرها والوفرة طيعة في الخضراوات والفاكهة والآمال طرية
والبشر يحمل البشارة المتجددة فيما بينهم. يومها كان يخافهم ذئب التصنيع والتحديث وطابوق البيوت والأسمنت والحديد المسلّح. (الوسيطة) لا تحسن لغة غير البساتين التي تحفها من شرقها ومن جنوبها غابات نخيل وأنهار مثل عناوين فرعية. في صفحات كتابها المنضود بطراوة الأخضر الخضل.(أهل المنطقة أشبه بالعائلة الواحدة لا يتحدثون أبداً عن ديانة الشخص ومعتقده أو لونه أو عشيرته أو انتمائه . يتعاونون فيما بينهم في بناء بيوتهم دون ثمن/ 108)
(*)
يشتغل النسق بفاعلية عالية في الرواية . النسق الثلاثي يتجسد بالطريقة التالية :
- يهدي المؤلف زكي الديراوي روايته لثلاث نساء (إلى/ ماري أمي الثانية) (إلى/ أم ملكة أمي الثالثة) (إلى/ والدتي وأمي الأولى)
- النساء الثلاث يخرجن من إطار الإهداء ويتحركن في الفضاء الروائي بمؤثريتهن الجميلة للنهاية
بالتوازي مع هؤلاء النسوة هناك نسق نسوي رباعي نلتقيه في ص107
يخبرنا السارد (أربع نساء في المنطقة لديهن بسطات لبيع الحلويات المصنوعة بيتياً مثل السمسمية، والعسلية . والكيك المسمى بطابوق العمارة. والباقلاء صيفاً واللبلبي شتاء).. نعود إلى النسق الثلاثي الثاني وهو نسق التسمية . فالطفل كان بين ثلاثة أسماء مقترحة وهي الأم الأولى بهية سلطان تخاطب ولدها(كنت أريد تسميتك بإسم مسلم لسلامتك وسلامتي. وكانت أمك ماري تريد تطلق عليك اسم: وليد. وكانت أمك ملكة اختارت لك اسم مالك/ ص57) وهنا يتحول النسق من الثلاثي إلى الرباعي (لكن والدك كتب إسمك شبيه أختك الكبيرة: فوزي)..
هناك أيضا النسق الثلاثي الذي يتحول بعد فاصلة زمنية إلى نسق رباعي
تطلق عليه قراءتي : نسق الجسد. يتكون هذا النسق من فضائيّ المغلق والمفتوح
في يوم ارتوت الأرض من عطايا السماء الغزيرة. اصطادت القطة الكبيرة الفتى فوزي أثناء عودته من المدرسة/ ص83. وقد انتشلته متحايلة، من فضاء الشارع وطوقته في فضاء مغلق هو بيتها. والنسق الثاني من الجنس هو جريمة جنسية ارتكبها صبي في مكان شبه مغلق مع أحد اترابه. فجرت معاقبة المجرم على وفق(أحكام أهل منطقة الوسيطة وقوانينهم وتقاليدهم) ص92 والنسق الثالث حاولت الجارة الطيبة الفتاة كريمة أن تجربة ما فعلته نادية لطفي وعبد الحليم في فيلم الخطايا. لكن يبدو أن فوزي لا يختلف عن بطل نجيب محفوظ في روايته (السراب).. النسق الرابع سيتأخر حتى تكتمل تجارب فوزي في الحياة ويصبح أبا طيبا لأسرة تحبه ويحبها
(*)
يتكون نسق التثنية من جمالية الصوت الرخيم: بهية سلطان تسطع حلاوة صوتها وهي ترتل سور الذكر الحكيم. عبد الوهاب يطرب الكل حين يغني تلك الأغاني الشجية
تقودهما حلاوة الصوت إلى سقف واحد وتحته تتدفق الذرية الطيبة.
هناك نسق ثان بالتضاد من نسق الصوت الجميل. أعني العداء غير المبرر بين الأخوين
علي عبد الوهاب---------------------- فوزي عبد الوهاب
(*)
رواية (ظلال ماري) للروائي زكي الديراوي: هل تصنّف (سيرة ذاتية) أو (رواية سيرية؟) أقترض من سادتي معتزلة البصرة وأقول هي (منزلة بين المنزلتين) فيها سيرة الذات للمؤلف وفيها سيرة الأمكنة والشخوص. وقد كان التوفيق من نصيب الصديق العزيز زكي الديراوي. في الحالتين
زكي الديراوي/ ظلال ماري/ مطبعة البصرة/ ط1/ 2023