طريق الشعب
بمشاركة عشرات الأدباء والكتّاب من بغداد والمحافظات الاخرى، نظم اتحاد أدباء الأنبار يومي الجمعة والسبت الماضيين مهرجاناً شعرياً في مدينة الفلوجة برعاية ودعم الحكومة المحلية وبعض الأهالي الميسورين.
كان مسؤولو المدينة وأدباؤها وأهاليها تنتظر منذ صباح الجمعة الباكر الوفود القادمة عند "سيطرة الصقور". وبعد جلسة شاي أنيسة في مقر القائمقامية وكلمة شكر بإسم الوفود ألقاها القاص والروائي المعروف أحمد خلف، غادر المدعوون ليقفوا على الجسر العتيق الذي قصم الاٍرهاب ظهره، لكنه ظلّ مبتسماً لفراته وللنوارس وللشعراء القادمين وللعمال الذين سيعيدون الحياة للجسر وللمدينة الناهضة توّاً من الخراب.
وكانت المحطة التالية في مضيف الشيخ طالب الحسناوي رئيس المجلس المحلي، الذي احتضن الجميع في مأدبة غداء أنبارية كريمة.
وعند الساعة الثالثة عصراً، ابتدأ المهرجان الفتي على قاعة الجوهرة للمناسبات وسط الفلوجة، حيث ألقيت ثلاث كلمات للقائمقام عيسى الساير ولأمين عام اتحاد أدباء العراق ابراهيم الخياط (نصّها في أدناه) ولرئيس اتحاد أدباء الأنبار ناجي ابراهيم. وبعدها صدحت حناجر الشعراء بالقصائد المملحة بحبّ الناس والوطن، وكانت القلوب تتقافز أو تفز حين يقول عريف الحفل الشاعر محمود فرحان: معكم الآن الشاعر ..... من النجف الأشرف، وتارة من كربلاء المقدسة أو الناصرية وأخرى من الديوانية أو ديالى أو الكوت أو غيرها، فكانت القاعة تشتعل تصفيقا بفرح فلوجي كبير لأن العراق كان حاضراً بلا رتوش.

ادناه كلمة الامين العام للاتحاد
كلمة الامين العام لاتحاد الادباء والكتاب في العراق الشاعر ابراهيم الخياط

تحيتي لكم لا أعذبَ منها ولا أطيب ولا أشذى
وبإعتزاز أنقل تحيات قيادة اتحاد أدباء العراق وتحياتِ أدبائه وكتّابه لكم يا أهلنا في الفلوجة الكريمة وأنتم تطوون صفحة مريرة وتكتبون صفحة جديدة في سِفر الطيبة والأصالة والمروءة والشعر والتواشج العراقي المشهود.
يا أدباء الفلوجة وأهلها..
عام ١٩٦٨، أيام ثورة الطلاب في فرنسا، كان الجنرال شارل ديغول يعقد اجتماعاته المتواصلة مع مجلس الوزراء المصغر للسيطرة على البلاد التي اشتعلت بهتافات الطلبة الثائرين ومتاريسهم، وكانت القصاصات الورقية لا تنقطع من حاجبه، حيث يتمّ إخباره بالأحداث والموقف في كلّ دقيقة، وتقول القصاصات:
-
تجمع كبير في جامعة نانتير..
-
إعتقال ثمانين طالباً في جامعة السوربون
-
سقوط قتيل في ليون
-
سقوط جرحى من الطلبة والشرطة في جامعة تولوز
-
اعتقال جان بول سارتر..
وعندما قرأ ديغول هذه القصاصة المكتوب عليها: إعتقال سارتر، غضب وانتفض، وضرب بكفّه على الطاولة الرئاسية، وصرخ: مَن الذي تجرأ على إعتقال فرنسا..
هذه الحادثة ذات دلالة دالة على أنّ البلدان تسمو بأدبائها ومثقفيها وتفتخرُ، وهذا ما يدعنا أن نقول:
-
السلام على الفلوجة مدينة شاعرنا العراقي الكبير معروف الرصافي..
الرصافي الذي في حياته قال عنه الجواهري:
أهزّ بك الجيلَ الذي لا تهزّه ..
نوابغُهُ حتى تزورَ المقابرا
هذا في حياته، أما بعد رحيله، بل بعد سنوات عدة على رحيله، فقد كتب عنه الجواهري نفسه:
لغزُ الحياة وحَيرة الألباب .. أن يستحيلَ الفكرُ محضَ ترابِ
أن يُصبحَ القلبُ الذكيُّ مفازةً .. جرداءَ حتى مِن خفوق سرابِ
ليتَ السَّماءَ الأرضَ ليتَ مدارها .. للعبقري به مكانُ شهابِ
هذه القصيدة/ اللؤلؤة التي عندما بدأ الجواهري ينشدها وقف الكبير الدكتور علي جواد الطاهر طالباً من الحضور الوقوف وترديد القصيدة مع الشاعر، واستعادة كلِّ بيت ينشده، فقام الجميع مردداً بمن فيهم رئيس الوزراء الذي كان حاضراً.
هذا الكبير هو الرصافيّ، وهذه هي مدينتُه الأثيرة، وهي مدينتُنا، الفلوجةُ مدينتُنا، قاست وضاعت وتمرمرت وتهجرت وتأذت جمّا، وها هي (على قول العزيز ناجي ابراهيم) ها هي تنفضُ عنها غبار الحزن وتراب الأسى، الفلوجة الآن تقول للعالم كلّه: هذي أنا مدينة أمن وسلام ومحبة.. وهذا الكرنفال الشعري القزحي يليق بالفرات الفاضل وهو يغازل الفلوجة، ويليق بأهل الفلوجة فهم معدن الكرم والقلم والمآذن الصدّاحة بالمحبة،، وبالمحبة لا غير.

السلام على الأدب الذي أقمناه مقام الوالد..
السلام على العراق الذي وحدّنا ويوحدنا..
السلام على الفرات الذي شاءت الفلوجة الأثيرة أن يكون قريباً منّا..
السلام على الفتيان والشبيبة الفلوجيين الأحباب.. فهُم الأمل..
السلام على اتحاد أدباء الأنبار رئيساً وهيأة إدارية وأدباء أجلاء تقاسمنا معهم القصائد والقصص والقلوب..
السلام على هذه القاعة المباركة التي بقدر ما نملأ فضاءها محبة وشعراً وحياة بقدر ما سنزيح الحقد والكره والتكفير والموت المجاني..
السلام على الفلوجة الحبيبة المحبوبة التي سنتعشى الليلةَ كبابها..
السلام على كبابها وشبابها وقبابها وترابها وكتابها وأطيابها..
السلام على أهلها في المخيمات..
السلام على أهلها في البيوت الفقيرة..
السلام على أهلها في البيوت الوثيرة..
السلام على أهلها..
السلام على أهلنا..
والسلام عليكم..