القسم الثاني من (أزمة الحداثة  وأزمة في الحداثة)

(*)

فرية : الذات / الآخر

في سبعينات القرن الماضي ، دور النشر العربية أسرفت بتصديرها كتبا كلها تدور حول التراث والأصالة، والخصوصية، والهوية وتفرغ الكتّاب والمفكرون لهذا الشأن وكأنه لا يوجد غيره في الحراك الثقافي العربي.

والسؤال الضروري سيتم أرجاءه ويطلق سراحه بعد حين، وينتجه أكثر من مفكر عربي ومنهم المفكر والمترجم هاشم صالح وهو يقوله مستغربا (هل كان التقدميون في الستينات تقدميين إلى الحد الذي نتصوره؟ هل حلوا مشكلة العراقيل التراثية عن طريق مواجهتها وجه لوجه أم عن طريق القفز عليها؟ /133/ هاشم صالح/ لماذا يشتعل العالم العربي)

(*)

لا يمكن تأثيل حداثة عربية، بدون محاورات نقدية مع الفترة العربية الإسلامية المظلمة، التي سيفقس منها التشدد الأصولي واللاعقلانية المستبدة، والعنف الطائفي

(*)

من جانب آخر، اشتغل الأغلبية على كوجيتو ديكارت (الذات والآخر)، سواء ذكروه أو دسوه وهم عليه يشتغلون بحوثهم.  علما أن الكوجيتو الديكارتي هناك مفكرون غربيون  راحوا يغيرون فيه(أنا أفكر، إذن أنا موجود) فمنهم من جعله( أنا موجود إذن أنا أفكر) معطيا الأولوية للوجود وفي كل الاحول فأن كل ما فعله ديكارت هو: منح الأولوية للذات وجعلها منصة للمعرفة، يومها كان ديكارت فيلسوف مفوّها يتموضع في الرأسمالية الفرنسية، وكان فلسفته تدافع بطريقتها التأملية عن آيديولوجيا الطبقة البرجوازية، وهو صادق في تعبيره ضمن طبقته . لكن ما بال المفكرون العرب، يتفكرون/ يفكرون لا من خلال واقعنا المرير، بل يدعون الآخر يفكرّهم مِن خلاله هو. أعني أن الاشكالية العربية ليست اشكالية ذات ومعرفة، كما هو حال لدى ديكارت قبل ثلاثة قرون!! اشكالية حداثتنا الآن مرتهنة بالعالم المعولم وفائض القيمة المعولمة وكل ما يقوم به الفكر هو نوع من التفكير بالمقايسة، نستعين بإجراءات غيرنا ونطبقها عنوة ً علينا !! وهكذا يحشرون الجسد في بدلة غواص

(*)

ما يقوم به العقل العربي هو نوع من الأنواع الإحلال وتحديدا هو الإحلال الفكري الذي يعمل على تأبيد فكر الآخر فينا/ علينا، والترويج لضرورة الاقتداء بالنموذج الأمريكي/ الأوربي: فهما قارب نجاة الأمة .

(*)

الحداثة : ليست علاقة  بين عربي وغربي: ولا بين قومية وجهة جغرافيّة: قومية العربي وجهوية الغرب . بل هي علاقة تقاطع بنيوي بين مجتمع متقدم تقنيا  ومجتمعات تكابد من الفقر والتخلف والاستبداد. إذن العلاقة الحداثية ليست بين ذاتين : الذات العربية والذات الغربية، بل بين التخلف والتفوق

(*)

ما نعانيه قبل الآن وبشكل أشد شراسة الآن  وبتوقيت التقنيات الافتراضية

توهمنا أننا حاضرون في حضور الآخر لذاته!! وننسى بل نتناسى أننا نصنع تكرارا دؤوبا لماضينا في راهننا. وهكذا ننسلخ عن زمننا لنعوم في أزمنتهم

(*)

الحداثة الغربية: لا تنظر لنا من خلالنا، بل من خلالها : حداثة متفوقة مدججة متعالية، لذا فهي تعيد انتاجنا  حسب تصورها هي وليس كما نحن في تخلفنا وعوزنا وثرواتنا المنهوبة

(*)

الحداثة الغربية هي حداثة الطبقة المتنفذة في حركية المجتمعات، أعني هي حداثة ملائمة للثقافة المتسيّدة  وهي الحداثة بالمطلق المعولم، التي تمحو كل ما ليس هي. وهذه الحداثة تفعل هكذا حتى لا يختلف ظاهر الشيء والشيء نفسه، وبالطريقة هذه يتم تنحية التناقض/ الصراع، في الحداثة الغريبة

(*)

حداثتنا مرتبطة بحريتنا في أوطاننا وليس في المهجر، نريد لحريتنا أن تتربى في وطننا، حتى تحسن الرأي والتفكير وتستوعب الأشياء والأفكار في مجرى التاريخ الوطني للبلاد، فالحداثة توأم التحديث، والتحديث يحتاج منصاتٍ مؤسساتية، وهكذا نصحو من أشباح التنظير التي تصنع لنا ملابس ليست على مقاساتنا.

(*)

اشكاليتنا الكبرى على المستوى الاخطر، تفجير الخلايا النائمة من تراثنا الإسلامي، من خلال حراثة التاريخ بأدوات صدئة، والكل يعي جيدا من المستحيل أن يكون التوفيق حليفا، لن نستعيد الماضي في حاضرنا بمحتوى ذلك الماضي، خصوصا وأن ذلك الماضي مرت عليه أزمنة وأمكنة وتنازعته الأهواء والمصالح. إذن علينا أن نعي شساعة الفاصلة الجغرافية/ التاريخية

حتى لا يتم التصادم بين محتويين : الأصالة / الحداثة

 (*)

اصبحنا نرطن بالعقل الأوربي دون أن نتأمل فيما يكتب، لنقرأ فوكو وديردا وهيغل  ولا شك هم من الفلاسفة العظام لكن لنتمهل فيما نقرأ، على قدر طاقتي  قدّمت قراءات منتجة للفلاسفة الثلاث ..في  شباط 2013في مجلة (الثقافة الجديدة) نشرت مقالة عنوانها(الانحلال الاحتمالي للمعنى في المعنى الآخر) حول كتاب(أي فلسفة للقرن الحادي والعشرين؟)  والمقالة متوفرة في المواقع الالكترونية الثقافية وهذا الكتاب يحمل أوراق المؤتمر الذي نظمه مركز جورج بومبيدو بالتعاون مع دارغاليمار وتمت ترجمته في آيار 2011  ينحسم المؤتمر المعقود في بداية القرن الجديد، بالموافقة الجمعية أن الفلسفة الصالحة للاستعمال هي فلسفة أرسطو!! في الوقت الذي يخبرنا المترجم أنطوان سيف في ص34: إن ما توفر من كتب موقعة باسم أرسطو ليست كتباً أرسطية إلاّ بالاستعاضة وعبر فهم الشخص المنتحل وقراءته الشخصية في انتاج أرسطو حسب وعيه هو..!! إذن ما تقدمه الأوراق المشاركة محض قراءات في كتب هي في الحقيقة غير أرسطية.

(*)

ثانيا يخبرنا مترجم الكتاب أنطوان سيف حول ترجمة الكتب المزعومة لأرسطو (..الذي قام به المترجم السرياني منذ أكثر من ألف عام، قام به في الحقيقة مرتين. الأولى : عندما انتقل من لغة هندو – أوربية هي اليونانية إلى لغة سامية هي السريانية والثانية عندما عاد، هو نفسه ونقل هذه النصوص السريانية السامية إلى لغة سامية هي اللغة العربية/ ص44) وبشهادة المترجم(إن القراءة السريانية الأولية لنصوص أرسطو تحديدا، لم تكن أرسطوية صافية ولن تكون بالتالي هكذا عند العرب اللاحقين وعند الأوربيين الوسطيين الذين أخذوا عن العرب/ ص45) وسؤالي هنا بعد كل التلفيق الفلسفي المنسوب لأرسطو؟ على أي أرسطو أتفق المفكرون؟ هذا التلفيق المعرفي يعيدني إلى تلفيق الشعر الجاهلي الذي نشطت سوقه في عصر ازدهار الخلافة العباسية

(*)

(أصل الفلسفة هو إفلاطون، وكل ما صنعته فيما بعد هو أنها أخذت في التحول مع كانت أو هيغل) ما بين القوسين مقتبس من جاك ديريدا في كتابه (صيدلية افلاطون) نلاحظ  أن مزاعم ديريدا حول انحيازه للهامش : تتهافت، فهو هنا تحديدا يعلن تعصبه للمركزية الأوربية، وبشهادة المفكر علي زيعور أن الفلسفة اليونانية  هي بالأساس ذات أصول هندية وكقارئ منتج أرى أن هناك أصول بابلية  وسومرية في أطروحة الخلق والمثل ومأثورات الحكمة، ثم نلاحظ وهو الأهم أن جذر الفلسفة ليس غربيا، بل عراقي محض

(ترى النظرة الحديثة أن بداية الفلسفة كانت مع مجيء السقراطيين الذين تمكنوا من تخيل الوحدة في الكون) يرفض بويتر ما يكلووسكي هذه النظرة والأصل المتأخر للفلسفة مستخدما كدليل النماذج والأنماط الرمزية والتركيبية التي من خلالها عبر العراقيون القدماء عن بحثهم ونشدانهم في الكون/ ص34/ بتي دشونك ميدر/ صلوات إنهيدوانا/ ترجمة كامل جابر/ منشورات الجمل/ط1/ بغداد/ 2009) 

(*)

ميشال فوكو رغم قناعته بكل جرائم الحضارة الأوربية مع الاوربيين أنفسهم

لكنه يثني عليها لأنها أسست علما خاصا بالجنس، وحين يذكر المجتمعات العربية والإسلامية والهندية والصينية، يمر سريعا ويجردها من خصوصيتها الجنسانية، بالنسبة  لي كقارئ منذ عشر سنوات اطلعت على كتاب هندي عنوان(كاما سوترا) يتناول الحياة الجنسية بين الرجل والمرأة والكتاب تم تأليفه في القرن الثالث الميلادي والمؤلف هو فاتيسيا مالايانجا وفي لغتنا العربية  هناك كتب جلال الدين السيوطي (الوشاح في فوائد النكاح) (نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسمر) و(الإيضاح في علم النكاح) وابن قيّم الجوزية في كتابه (أخبار النساء)   ويؤكد آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري) على الدور النسوي الفاعل للجواري في سياسية الخلافة، وفي (كتاب الباه) ثلاث مخطوطات تراثية نادرة في الجنس على..  لكن الفيلسوف ميشال فوكو لا يكلف نفسه  ويستعين بالمثقفين الفرنسيين الباحثين في هذا الحقل من الجنسانية الإسلامية

(*)

  الإنسان الأوربي حين يزور الشرق لا يرسم إلاّ الحمامات النسائية، والعبيد المفتولين العضلات وكأن الشرق فقط رموزا للتفريغ الجنسي .. وفوكو في دفاعه عن إنسانية الإنسان السجين في كتابه (المراقبة والعقاب) لا يتوقف عند جرائم المستعمر الاوربي وتفننه في تدمير  سكان المستعمرات. وفي هذا الصدد يقول فوكو ( إنه لا يمكننا الحديث عن كل شيء، هناك الكثير من المواضيع التي لا يجوز الحديث عنها)

(*)

هيغل : من الفلاسفة التي اكرر قراءتي لمنجزه العظيم، لكن حين ينظر إلى جذور الحضارة الإنسانية يثير لدي استغرابا بسبب تعاليه بخصوص الحضارة المصرية العظيمة فهو يقول(تبدّى لنا الروح المصري من جميع جوانبه منغلقا على نفسه داخل حدود تصورات جزئية، ومنحدرا حتى درجة حيوانية، ولم يحدث أن ارتفعت هذه إلى الكلي وإلى الأعلى، إذ يبدو أنها كانت عمياء عن ذلك/ 214/ هيغل العالم الشرقي/ المجلد الثاني/ من محاضرات في فلسفة التاريخ/ ترجمة وتقديم وتعليق / د. إمام عبد الفتاح إمام/ دار التنوير/ بيروت/ ط1/ الثالثة) في هذا الكلام المتهافت، يتخلى هيغل عن منطق الديالكتيك الذي تألق فلسفيا فيه ومن خلاله، والأدهى هو الكلام التالي الذي يتعرى فيه هيغل من كل الديالكتيك ويعلن انحيازه الأعمى لقارته أوربا   حين يقول (لقد كانت الروح الحرة  المرحة عند اليونان هي التي انجزت تلك المهمة وجعلت منها نقطة بدايتها وانطلاقها..) والكلام التالي كأنه هلوسة لا تليق بالإنسان العادي (الانتقال الداخلي أو المثالي من مصر إلى اليونان انطلق من الروح المصري. غير أن مصر كانت قد أصبحت اقليما من أقاليم المملكة الفارسية العظيمة، ويتم الانتقال التاريخي عندما يحتك العالم الفارسي بالعالم اليوناني. وهنا نلتقي لأول مرة بالانتقال التاريخي، وهذا يعني لحظة سقوط الامبراطورية. فالواقع أن الانتقال إلى اليونان كان داخليا../216)

(*)

الحداثي المثقف : لا يستقوي بكنوز ثقافته الوطنية، دائما يبحث عن البينة من خارج ثقافته الوطنية، ليستقوي بها ومن مجتمعه يبحث عن استقواء سياسي

يحتمي به وبالمقابل يروّج لهذا الطرف السياسي الذي يتقاطع مع معرفياته التي كرس عمراً لها !! إذن هكذا مثقف  يعطل وعيه الحداثي بتسيير ذاتي منه. وتتحول ذخيرته المعرفية من الحداثة رصيدا تزينيا معطلا !!

(*)

تنفخ تأففاً حين تتمعن ذاكرتي في المفهوم التالي (حداثية التبادل الحر)  وتتساءل: لماذا نخدع أنفسنا ونريد مخادعة أهلينا ؟ أين هو التبادل الحر؟

نحن فقط نستقبل معلومات ونروّج لها ونزّيف وعيا جمعيا لشبيبتنا

نحن نستقبل معلومات، لم نسهم ولو بجزئي في صناعتها: وهكذا نحن عبيد تقنيين للمنشأ المصدّر . إذن من حقي كقارئ أن أشطب مفهوم (حداثية التبادل الحر) وأجترح مفهوم : الامتثال للاخر. ومن جراء هذا الامتثال فأننا وطواعية سنقوم بتدوير سرد ذواتنا بما يوائم قناعة المعلوماتيين الكبار.

(*)

 هنا يحق لي الصراخ: إلى مَن تنتمي لحظتي الراهنة؟  والحداثة في سرعتها القصوى

(*)

البعض يعترف بنصف الحقيقة ويخبرنا(ثمة توترٌ عارض وطارئ ضمن الحداثة في هذا الزمن/ 404/ هومي .ك. بابا) لكن هذا العارض والطارئ أصيب بالتضخم على حساب الملايين من الأميين، الذين اصبحوا من المهرة بالتواصل الاجتماعي، من الاميين الذين قامت الحداثة بتغريبهم وهم في أمكنتهم، وجندتهم الحداثة ضد أوطانهم دون أن يغادروا هذه الأوطان

(*)

لا أدري كيف يحدث هذا التداعي اللفظي في ذاكرتي: ما أن يرد ذكر(حداثية التبادل الحر) حتى يظهر أمامي المفهوم البشع (تبادل السكان)  يقوم طاغية العراق بتهجير الأكراد من مدن الشمال إلى مدن الجنوب، ويشجّع سكان مدن الجنوب على السكن في مدن الشمال ويكون التشجيع بتمليكهم البيوت مع مكافئة تقدر بالملايين، ويتم نقل أوراق الثبوتية من مدن الجنوب وتبثت في دوائر الاحوال المدنية في مدن الشمال. وفي1979 شن الطاغية حملة شرسة على العوائل التبعية الإيرانية بلغت تهجيرهم على حقول الألغام أثناء سنوات الحرب في ثمانينات القرن الماضي وحل محل الايرانيين منظمة مجاهدي خلق المعارضة للحكومة الإيرانية وفي الخمسينات تهم تهجير اليهود العراقيين إلى إسرائيل وتهجير أهل فلسطين بقوة السلاح إلى خارج فلسطين وكذا الحال جرى بين باكستان والهند في منتصف القرن العشرين

(*)

ما يطلق عليه عصر النهضة الأوربية والمبدوء في 1492 هو عام الحرب المسيحية : ضد المسلمين وضد اليهود، تم تقتيل المسلمين كما تم نهب أموال اليهود وتزامن ذلك مع رحلات كولومبس وفي هذا العام استوطن المسيحيون

في مناطق التي كانت تابعة للمسلمين وحين اكتشف كولومبس (جزيرة السلحفاة) وهذا هو الاسم الذي يطلقه السكان الأصليون على المكان الذي سيطلق عليه مستقبلا : القارة الأمريكية . وبتوقيت الاكتشاف الكولونيالي صار السكان الأصليون منفيين في وطنهم!!

(*)

كل حركة استشراقية هي حركة تجسس مغطاة بحركة معرفية تبحث في ينابيع المعرفة العربية الإسلامية : ماسينون، كولد سهير، لويس برنارد، ماكدونالد، جيب، بروكلمان.. هؤلاء وغيرهم لا يختلفون عن لورنس العرب إلاّ جهويا : هم وغيرهم بقناع المعرفة ولورنس بقناع البريطاني الذائد عن مصلحة البدواة العربية .فالاستشراق لم ينطلق إلا من منصة صعود البرجوازية الأوربية وبتوقيت عصر النهضة وهذا يعني ان الحداثة الأوربية ذات منحى توسعي  قصدت الشرق لتستولي عليه لا من أجل أن توقظ الشرق من التخلف والأمية والجوع، وهكذا بدأ الاستشراق حركة ثم أصبح مؤسسة توسعية مرتبطة بالاقتصاد والتجارة الأوربية وهكذا توسعت المؤسسة الاستشراقية وأثلت الواجهة الصقيلة لها  تحت عنوان الاستشراق الاكاديمي الذي يزعم ويروّج للبحث النزية  المحايد !! ومن مؤسسة الاستشراق والاستشراق الاكاديمي سطعت ميتافيزيقيا الاستشراق التي أعلنت التفوق الغربي الراسخ على كافة الاصعدة، وهذا ا التفوق ينفي  الصيرورات التاريخية المتبدلة لدى الشعوب قاطبة وتميز الإنسان الغربي بتفوقه على الكل. لأن أوربا  وهي تسطو على تاريخ وجغرافيا الشرق، لا ترى أفعالها   إلاّ بنرجسية مراياها  ومن هنا فأن أوربا ترى نفسها صنفا مستقلا ذاتيا !!

(*)

المستعمر والمستشرق : توأمان حميمان يتعاضدان في خطواتهما وقد يختلفان ولكن الاختلاف لا يوصلهما للخلاف وبجهودهما تم استعمار القارتين أمريكا وأفريقيا وبثروات القارتين استقوت الحداثة الأوربية وبسطت نفوذها على البلاد المسيحية والإسلامية. والحداثة الامريكية هي التي جربت حداثتها في (هيروشيما) و(ناغازكي) وبفعل الحداثة الاوربية تحولت سفن التجار إلى أساطيل أوروبية فلم يبق من أسد البحار ابن ماجد سوى ذكرى في ذاكرة إسلامية تكاد تخمد جذوتها.

(*)

 دعت النهضة الأوروبية إلى ما يسمى (التطهر الأوربي الذاتي) للحفاظ على نقاوة الدم الأوروبي وكان الضحايا من المسلمين واليهود فهؤلاء هم همج غير مخلصين للصليب !! على هذا الإيقاع الدموي كانت تتقدم الحداثة الأوربية وهذه الحداثة نفسها التي فرضت الحصار على شعبنا العراقي من 1991 الى 2003 وتركت الطاغية في رفاهيته ِ وبذخه، وهي الحداثة التي قصفت العراق بالقنابل الذكية في 1991 و2003 ونفس الحداثة الامريكية انسحبت من أفغانستان وسلمتها لمنظمة طالبان

(*)

من عيوب استعمالنا للحداثة هو الامتثال المطلق للغرب، وإذا تمرد أحدنا على نسق الامتثال فأن نقده سيتمحور فقط حول البنيتين السياسية والأيديولوجية، تاركا ً النقد الأكثر أهمية وهو النقد الإبستمولوجي  المتجسد بالعلاقة المعرفية بين المتن والهامش، هنا على الهامش يحتوي المتن نقديا ويتجاوزه من خلال توفير شروط إنتاج معرفة يتم عروجها من مرارة اليومي للهامش صعودا نحو المتن. ومن كل هذا يصل الهامش وصوله المعرفي إلى منصة التنوير وهي منصة ضرورية جدا ً بل هي أكثر نفعا من التثوير. لأن الثاني سيكون محض لحظة حماس سرعان ما تسحل وراءها ضحايا الثورة ومن الثوريين أنفسهم .أرى من خلال تجربتي أن التمرحل عبر الإصلاح الاجتماعي على المستوى المؤسساتي والجماهير، أفضل للشعب من قيام انقلاب يعيدنا إلى ما قبل تأسيس الجيش العراقي. ويكلفنا دماءً بِلا أي مبرر. والتنوير ليس من الخطوط المستقيمة ولا يخلو من منعطفات ومطبات تتكور بصيغة فجوات تنويرية لكن كل ما يقترفه التنوير يهون مقارنة بخطايا الانقلاب

(*)

 عيب الامتثال الاستشراقي، وهم التصور المتكامل المكتفي بذاته عن الإسلام

وهذا الوهم يقترضه المستشرق من الثوابت المعرفية المخزونة منذ العصور الوسطى يتجسد الوهم انهم لا ينظرون إلى الإسلام مِن خلال الإسلام نفسه بل من خلال المدون منذ العصور الوسطى،  والفعل المعرفي للمستشرق منتبذا عن راهنه، مرتداً بحركة نكوصية   وهو العائش في القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين يرتكز على نظام معلوماتي مخزون منذ عصور الحروب الصليبية

(*)

الموضوع الجوهري في ما بعد الحداثة : هو عالم الرأسمال المتعدد الجنسيات ؟ هل ذلك متوفر في بيئتنا المتخلفة ذات الاقتصاد الريعي؟ ما بعد الحداثة : ترفض النماذج النقدية التي تعتمد التمييز والتناقض الداخلي والخارجي والجوهري والعرضي .. إلخ أليس في هذا الرفض المتعدد يكمن تذويب التاريخ في الراهن.

(*)

ماذا تعني هذه (الما بعد) الحداثة؟ وهل اكتملت دورة الحداثة حتى يحل ما بعدها؟ وهل ما يفعلونه دعاة الما بعد الحداثي، يمتلك شروط الإقناع؟

ماذا يعني أن تحذف الاستدلال المنطقي وتثبت الجسد وتروّج للجسدانية؟

ماذا يعني تشطب الحراك اليومي للحياة، وتروّح للإعلام التقني ؟ .. تعرض عليّ تاريخا مفتتا من وجهة نظرك، وتحذفه لتعرض علي الراهن العائم؟

أليس : ما بعد الحداثة حيزاً نخبويا متعاليا على كل ما يجري، متقاطعا مع جماليات الحياة اليومية والعدالة؟ ومن جهة أخرى أرى أن  الفرد في ما بعد الحداثة مفرمت ضم أنظمة المراقبة والعقاب والعمل ورصيد هذا من المعرفيات واللغة والمكانة السياسية: تكون طوع التواصل الاجتماعي، الذي يؤطر يومك ورؤاك ضمن سياقات أفقية للحقوق والمسؤوليات .

يتبع...

 

عرض مقالات: