هذه القصيدة هي أحد روائع الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، الذي يعد أحد أهم الشعراء الذين ينتمون لشعر الثورة والحرية والوطن والالتزام، الذي حوّل أغاني التيه الفلسطيني إلى ملاحم مدهشة للعودة المؤجلة. وكان كتب هذه القصيدة بعد عام واحد من انعقاد مؤتمر مدريد للسلام. وهي قصيدة طويلة واستثنائية تراجيدية، مليئة بالثورة والاسقاطات وثنائيات الحضور والغياب والماضي، ونجد فيها الاندلس ذات حضور زماني ومكاني مختلف للتشريد والشتات والمنفى واللجوء الفلسطيني واغتصاب الأرض. 

ويقسم درويش قصيدته إلى 11 مقطعًا متمثلًا الكواكب الأحد عشر التي استوحاها من القرآن الكريم في رؤيا النبي يوسف عليه الصلاة والسلام.  

 وتتراوح هذه القصيدة بين التاريخ والمخيلة، وفيها يصحبنا درويش في رحلة خاطفة داخل فساد الحاضر نحو التوسيع الأهم للرحلة، او كما يقول الناقد السوري صبحي حديدي "التجواب البانورامي المفصل والجراحي في ميادين انقضاض الماضي على المستقبل، أو في احتمالات ذلك اللقاء ومضاعفاته". 

وفي هذه القصيدة ينتقل درويش من الحاضر إلى الماضي، ويسقط تجربة الماضي على هذا الحاضر، محتشدًا بدلالات تحتاج إلى اعمال فكر ودراسة عميقة، وحضور علائق غائبة باعتبار أن مشهد القصة القرآنية وآخر مشاهد الاندلس تجربتان أثرت أحدهما في الأخرى. وإذا كان هذا المشهدان قد شكلا بداية الرؤيا، فإن الرؤيا المسكونة تكمن في إيجاد العلاقة الغائبة/ الحاضرة التي تبدو مشحونة بضبابية المرحلة السياسية، ومعزوفة الفناء، واحتشاد الصور. 

وفي قصيدة محمود درويش هذه، تتوحد وتتوازى فلسطين والاندلس، وتغدو غرناطة محل الأشواق في مشابهة مع القدس الفلسطينية، ويتجسد الحاضر مرآة ترى الماضي الاندلسي الغابر من ناحية والمستقبل الفلسطيني من الناحية الأخرى. 

وتمثل رؤية درويش لفلسطين في الغد البعيد مستلهمًا من الحاضر خلفية لهذه المطولة التوقيع على اتفاق أوسلو، الذي كان له موقفه المغاير والمختلف منه، رافضًا تأييد اعلان مبادئه، والانضمام إلى السلطة الفلسطينية، ورأى فيه خطيئة كبرى، ومجازفة تاريخية، متخذًا من النبي يوسف عليه السلام قناعًا لقصيدته لما يرمز ويمثله هذا النبي من أهمية في قضية الرؤية وقراءة المستقبل واستشرافه.  

والقصيدة ذات غنائية وإيقاعات متعددة يلعب فيها درويش، ولا تعتمد صيغة الموشح على غرار الإيقاعات الاندلسية التي نلاحظها في دواوينه اللاحقة. 

ويمكنا أخيرًا القول، أن محمود درويش في "أحد عشر كوكبًا على آخر المشهد الاندلسي" يعيد إلى الشعر بلاغة الذاكرة التراجيدية والموضوع الكوني، ومن يقرأها لا يريد أن ينتهي من القراءة، بما فيها من أبعاد عميقة واستعارات بلاغية وصور جمالية ولغة شاعرية. 

  

عرض مقالات: