نحو خمسين عاما تصرمت على تلك اللحظة. كانت هي قد رحلت عن الوجود، وهو يجتر شيخوخته مثقلا بهمومه الشخصية وهموم وطنه البعيد. وفجأة مثلت أمامة صورتهما، فتى وفتاة في مقتبل الشباب، هائمان ببعضهما دونما تصريح.

هل كان صيفا أم ربيعا؟  لم تسعفه ذاكرته المتعبة في تحديد الموسم، لكنه يذكر تماما ذلك المساء، حيث جلسا في باحة دار أهلها المكشوفة، بينما توزع الأهل على غرف الدار، ربما فعلوا ذلك عامدين ليوفروا لهما فرصة الخلوة أثناء قيامهما بفرط حبوب الرمان، لتكون ضمن مقبلات مائدة السهرة. هل كانا تحت رقابة لا يشعران بها؟ ربما، لكنه لم يفكر بالأمر حينها، فقد كان فكره منشغلا بمرحها، بسعادتها، بما ترسله من إيحاءات، وما تبعثه نظراتها من أشواق.

لاحظ انها تتصرف كطفل يستفز أمه أو أباه ليحتضنه ويغمره بالحنان، تعبث عامدة بحبوب الرمان بدلا من أن تسهم في تفريطها، نهاها عن ذلك، فأمعنت في العبث، أمسك بيدها وشدها إليه فانجذبت نحوه على نحو فاجأه، أقتربت بشفتيها من شفتيه، وصوبت نظرات عينيها الى عينيه على نحو مباشر لم يألفه، نظرات محملة بدعوات لم يسبق له التعرض لمثلها. كان مدعوا الى إلغاء المليمترات القليلة التي تفصل شفتيهما. شلته المفاجأة عن القيام بذلك!

ــ أي صبي تافه كنته؟ .. لماذا كبحت رغبتك وخيبت أملها؟

 وبّخ الشيخ نفسه لتفريطه بلحظة سعادة ربما كانت ستغير مجرى حياتهما.

نهض الى جهاز الكومبيوتر ناويا تسجيل ما مر بخاطره، وعاد الى تقريع نفسه:

ــ متأخر دائما .. أما كان حريا بك أن تسجل هذه اللحظة قبل رحيلها؟ لعلها كانت تطلع على ما سجلت .. على ندمك، وتغفر لك خطيئتك؟