يحظى الفن الكاريكاتيري بمزيد من الاهتمام في العالم، ذلك لأن هذا الفن الذي بدأ يأخذ حيزا كبيرا في واقع الحياة اليومية للناس، يعد أكثر التعبيرات قدرة على استخراج العديد من اشكال الديمقراطية من جيوب الرقابة التي تفرضها مؤسسات اي نظام من أنظمة العالم التي بنت استمراريتها على الرقابة والمصادرة والمنع.  فن الكاريكاتير، يضع في اعتباره، اعطاء المشاهد افكارا جدية وذات معنى عميق لما يدور في مجتمعه وفي العالم من احداث، ورسام الكاريكاتير السياسي، يستفيد من السخرية لإيقاظ سخط الناس واستيائهم على مسببي الحروب والكوارث والمآسي والمظالم، لانه مقتنع بان ما يفعله، يعدّ وسيلة وحيدة للخروج من دائرة التخلف التي يعيد انتاجها النظام السياسي فيشكل دورة مغلقة، حتى ولو كان ذلك بتغييب العقل.

ولا نبالغ إذا قلنا بان الفن الكاريكاتيري هو فن مفردات ومجازات خاصة، تكون لغته الوسيط الشعبي الساخر. والصورة الكاريكاتيرية بما تحمله من نبض خفي للحياة يقدمها رسام الكاريكاتير وكأنها تبدو بعض الاحيان بديهيات الا انها تحمل دلالاتها الرمزية المبنية على الأساليب الفكهة والقادرة على تأسيس الكثير من القناعات التي تمتد جذورها في الواقع.

ان الحديث عن الكاريكاتير السياسي النقدي في اي بلد بالعالم هو في بعض الاحيان كالحديث عن زجاجات معبأة بالبارود، لها شكلها وايقاعها وزمنها الذي تنفجر فيه. فبعض الاحيان ترتكز على قاعدة لغوية لتكّمل الشوط في نقل احاسيس مشاهدها الى عوالم تحول بين ظهورها حراب الرقابة، وبعض الاحيان تنطلق من دون قيود اللغة. جنرالان يجلس كل منهما امام الآخر وصدر كل منهما تحول الى جدار يحمل عشرات الاوسمة والنياشين الحربية، وهالة غموض معقدة تغطي سحنتيهما، يمسك كل منهما بسيجار، وينفث الدخان من فمه، فيلتقي دخان بعضهما بدخان الآخر ليشكل دخان قنبلة ذرية. صورة اخرى مرسومة بالالوان تشكل صواريخ نووية في دائرة حول الكرة الارضية، وهي تلعب لعبة الاطفال الصغار، صورة اخرى تمثل صاروخا ينطلق وكأنه حكاية من حكايات الزمان السالف" افتح يا سمسم" حيث تتحول تلك الكلمة العراقية السحرية القديمة الى كلمة معاصرة لتكون " افتح ياسام". موضوع السياسة والحب هو الطاغي في كل فعالية فنية جماهيرية هنا في العراق او سوريا او اليمن، او الولايات المتحدة، فالحروب والازمات الاقتصادية واللعب السياسية التي تقودها الطوائف والعشائر والاحزاب الدينية، تشكل الخوف الفعلي في حياة الناس، وما يقال وما يرسم يمثل صرخات الاحتجاج والخلاص تنطلق من كل مكان ضد الترسانات العسكرية، والمحافل السياسية.

العراق ينفرط ويتحلل في مدارات مظلمة وزاويا معتمة، وكأن هذا الجميع منتش بما أصاب الجسد العراقي الذي أنهكته الدكتاتورية الفاشية والاحزاب التي لبست لباس الدين الحنيف بوجوهها الطائفية والمذهبية، لتجهز عليه الخلافات التي ستحول هذا البلد الذي هو مهد الحضارات الانسانية إلى لا شيء في الحسابات الدولية أكثر مما هو عليه حاليا.

الازمات في بلادنا، وايضا في كل بلدان العالم، لا تنتهي عند حد معين، كيما لا يغضب ذالك العراب المتربص لاسدال ستائره المظلمة على حلم النهار الديمقراطي.

  و" الكاريكاتير" العراقي  ليس له تاريخ طويل، الا انه وفي سنوات ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري ولحد اليوم اخذ حيزا كبيرا في واقع الحياة الثقافية اليومية للمواطن العراقي ، فهو موجود في اغلب الصحف اليومية العراقية، اذ اصبحت ظاهرة عامة في الحياة اليومية للشعب العراقي، اسوة بشقيقيه المصري واللبناني، لقد اصبح السفر ممتعا، ومريحا مع " دخانه" المتطاير الذي تحمله بعض التعليقات، التي توخز الفكر المحافظ، الغارق في يقينه، والخائف من الآخر ومن ثقافته، ومن حداثته وتقدمه، والمنتمي للآخرة أكثر من انتمائه للحياة،في واقع زاد زحاما، واشدت غبارات اجوائه فأصبحت المنافذ" الدخانية" سهلة الاختراق لكل الحواجز التي يرفعها هذا الواقع، وذلك من خلال نصب الافخاخ الذكية، واجراء المقالب الماكرة، ابتدأت من معطف الفنان البغدادي غازي عبد الله الذي كان فنانا قديرا ، وجاء من بعده تلميذ نجيب، هو بسام فرج، ليكون رافعا ماهرا للأقنعة، عن وجوه وعورات العديد من السياسيين. ومهارته هذه قائمة على الملاحظات الثاقبة للحياة والواقع، وذلك في اخذ العديد من جوانب هذا الواقع الاكثر تعقيدا من غيره، وصلنا من خلاله الى زمن اللاعقلانية بامتياز، في كل مجالاتنا الحياتية.. وأصبحنا ننظر الى المستقبل يزدحم بعلامات الانهيار والتكلس القاتل في أفقه، فهو يعيد إنتاج الموت البطيء للثقافة والفكر والإنسان.       

 فقدم الفنان بسام للرمز صورة الفكاهة، لحمل الناس الى رؤية الاشياء التي تسير على رؤوسها بالمقلوب، في واقع يمشي الجميع على قدميه.

واتسمت رسومه بالتبسيط في الفكرة والخط، لموضوعات هي بالاساس غير مبسطة للحد الذي تنتزع هذه الرسوم لتعكس الاشياء والظواهر المحيطة بسهولة وكأنها جزء من موجودات التعامل اليومي في الحياة الاجتماعية والسياسية العراقية، انها تعتمد اعتمادا كبيرا على نقل الوعي بشرارات ذكية تخرج من الصورة وتلامس ذهن المشاهد، من دون تعليمية، ومن دون مخادعة، وانما في سعي، يحمل وعيا واضحا يلامس، وينحاز الى محبة الشعب العامل ليصل الى العمق ليجعله يطفح على سطح واقع اي مجتمع، غني او فقير، ديمقراطي او ديكتاتوري.

معارك الاحزاب السياسية المستمرة، وفضائحها المدمرة، تمشي في طابور من اجل ان تدخل احدى الغسلات الكبيرة والتي كتب عليها" غسل الضمير". انها تبدو حقائق، وليست نكات خارج هموم العيش، لها القدرة في ايقاظ المخيلات، وفضح الواقع السياسي وبلاغته. انه يدرك بان المشكلة الكبرى، تتمثل الان بانتصار التخلف الذي جعل من الحق باطلا، ومن الباطل حقا. فلا حداثة حقيقية من دون استعادة العقل السجين الذي يحتاج إلى تحريره من اليقينيات القاتلة والمتكررة.

                                                       البدايــــــات

 كنت أحاول جاهدا أن أكتب سيرة واحد من اعزّ أصدقاء العمر وهو بسام فرج؛ بلغة تقترب من الذات، وتبتعد عنها في اللحظة نفسها، وهو تصور نابع من كون الكتابة تجربة تسعى إلى تأريخ ندوب الروح وكوامنها، وفتح كوّات وثقوب في مسامات المشاعر، حتى تعزف كورال الألم والأمل، وتمنحني القدرة على أن أطلّ على خبايا حياة صديق عامرة بالالم والفرح والوعود والمهارات التي برزت منذ بدايات الستينيات في القرن الماضي، وهو صديق لازلت للان اهمس بإذنه، بان أعماله، هي أشبه بعملية " رش الفلفل "على جروحنا، فنان  استطاع ان يفضح أنظمة الاستبداد التي ناءت بكلكلها على المشهد السياسي العراقي ما يزيد على نصف قرن من الزمن. هواجس وافكار وتأملات وطموحات، كانت تتوطن في وجدان ذلك الشاب النحيل  المبدع،  الذي كان يدرك مبكرا  طريق امتلاك المعرفة التي تضيء العتمات وسبيل العاطفة، وتحفز حالة المتمرّد عن السائد،  لا يتم الا من خلال خلق جغرافيات جديدة لم يتمكن السابقون من فتحها واكتشافها في الذات والعالم،بعد ان شعر وهو شاب مراهق، بان الواقع العراقي لم يعد يسمح ببقاء شخص مغاير برأيه وفكره، يقول رأيه بصراحة وما يفكر به عن مأساة شعبه، وهنا مكمن إبداعية المبدع وتجلّ من تجليات السَّبْق في ابتداع أفكار وجدها في كراسين يحملان رسومات فنان الكاريكاتير الراحل غازي عبد الله البغدادي ، لكنه ادرك وبشكل مبكر بان قدرة المبدع الحدسية تستطيع اجتراح عوالم جديدة، ومتجددة في الإبداع لهذا الفن الساخر الجميل، فبينما تتواتر الحكايات ويضاف إليها من خيال الفنان وبعض تفاصيل الوقائع، يُنتج الرسم الكاريكاتيري أثره في النفس، وتتجلى البطولة الإنسانية في أنقى صورها، بعد سلسلة طويلة من التضحيات والعذابات الحياتية. ورغم اختلاف البيئات الاجتماعية، إلا أن الحكاية الشعبية تحقق مغزاها باختلاف البيئات التي عاش في وسطها هذا المبدع، واستطاع بحكمة وذكاء دمج الحراك الشعبي المعارض للديكتاتورية وسلطة السلفية المتخلفة مع السياسي، فأصبح عن حق " بوصلة" المضطهدين والفقراء في مجال الاعلام المقروء، يستمد منهم الثبات في الموقف، والدلالة والاشارة الى ما هو خطأ وما هو صائب، في إصرار ملتزم على الامساك بجمرة الحقيقة، مهما كانت حارقة، لا يكلّ ولا يهدأ في ايقاظ الضمير العراقي.

بسام كان يدرك بان العبور الى عوالم جديدة في الابداع يختلف وفق سياقات تاريخية وحضارية واجتماعية وثقافية، هذا العبور تحقق من خلال تجارب موسومة ومبصومة بسمات وبصمات، تتسم بالعمق ابتدأ بالانتماء السياسي لقوى اليسار العراقي، في فترة تاريخية شهدت بعض الانفتاح. ولعل الطفرة الجوهرية في معظم النتاجات الإبداعية التي حققها بسام فرج، كانت تحفر في أرض الوطن، وما تثيره من اسئلة حارقة ومارقة، لا تستسلم لكوابح العنف والتسلط وقمع الرأي، وإنما استطاعت تخطى العوائق والموانع؛ لتوقد جِذوة البحث الأبدي عن عشبة خلود الحياة والإبداع. لذلك أعتبر أن الرحلة في أهوال تيه الانظمة السياسية ومكابداتها، من أبرز المحدّدات المهمة لعملية نقد لاذع وخلاق يمتلك صفة التخفي، يمجّد قيم الإنسان العراقي دون سواه، وهنا مطمح الإبداع القح والجدير بالديمومة. وقد تمكّنت عبْر رحلتي المتواضعة مع صديق العمر بسام فرج، أن أقف عند تخوم هذه التجربة منذ بداياتها الاولى الذاتية، في تشابك وتوالج وتواشج واعجاب. رحلة اتسمت معالمها على الدوام، بالتنقيب عن وسيلة أسلوبية ناجعة.

إن سيرة الكتابة عن صديقي بسام محاطة بعوامل الداخل والخارج في وطننا الحبيب، فقد كان الداخل الذي عشناه مشتعلا بالنزيف والقلق والسؤال، كانت الرقابة والمراقبة والخوف هي الطاغية والمستبدة على الخطاب الثقافي والفني، اما الخارج الذي عشناه انا وهو والذي ناهز الاربعون عاما، فقد ابقانا معلقين بهموم الوطن ومتقلباته وكانت الجلبة والصراع والخراب والحروب وحكم الديكتاتورية ومن بعدها حكم الطوائف والسلفيات، هي السائدة والتي هدمت لحمة العديد من بناءات عراقنا الجميل.

تعرفت على بسام فرج منتصف عام 1961 من خلال صديق مشترك، هو "ضياء السامرائي"، زميل الدراسة في متوسطة المستنصرية للبنين في بغداد يهوى كتابة الشعر، (أصدر كراس شعري صغيرة تحت عنوان قناديل لا تنطفىء عام 1962) حدثني عن بسام الذي كان يسكن بالقرب من بيته في دور عمال مصافي النفط في الدورة. كانت لي مساهمات متميزة في الرسم، وكان اول لقاء بيننا في مقهى شعبي صغير بالقرب من شارع الجمهورية بمنطقة السنك، يطلق عليه مقهى ابو سامر، أصبح فيما بعد مقر لقاءاتنا. يقف امام هذا المقهى المطلّ على شارع الخلاني الذي يربط شارع الرشيد بشارع الجمهورية، باص خاص ياخذ العاملين وعوائلهم واولادهم من مصافي الدورة الى بغداد وبالعكس وباوقات محددة اثناء النهار. تعرفت في هذا المقهى على عدد من ابطال لعبة كرة القدم امثال اللاعب الدولي عبد كاظم، باسل مهدي، حسن بلا، ومظفر نوري، الذين كانوا يسكنون مع عوائلهم في مصافي الدورة، ويستخدمون نفس الباص في رحلاتهم اليومية من مركز مدينة بغداد الى مصافي الدورة وبالعكس.

جاء بسام بمجموعة من رسوماته على قصاصات الورق لينشرها امامي على الطاولة للاستئناس برأي. كانت رشاقة الخطوط برشاقة جسد بسام الاهيف، فاخرجت له دفتري الصغير ليرى تخطيطاتي، فكانت مغامرتنا في صداقة على نحو لم أكن اتوقعه، وكانت المرة الاولى التي داعبته فيها فكرة التحول الى رسام كاريكاتير. مجال صداقة متقطع، مكون من انحناءات، صعود وهبوط، من انقطاعات وتحولات مفاجئة للاتجاه. يعدّ بأناة وصبر، لمشاهد سرعان ما يتخلى أحدنا عنها، تاركين الاخرين الذين حولنا يتامى، مهجورين. كنّا انا وهو نتحدث عن رسامين مشهورين في صحف ومجلات مصرية ولبنانية ،كانت تصل بغداد بانتظام مثل مجلة صباح الخير، روز اليوسف ،الكواكب، وحواء وغيرها، وجلبت له مجموعة قديمة من مجلات سمير والسندباد المصرية الخاصة بالاطفال، كنت احتفظ بها  منذ زمن طفولتي في مدرسة الاشبال الابتدائية للبنين في سوق الشورجة ببغداد ،كنت شريكا لشراء تلك المجلات مع زملائي واصحابي القاص الراحل عبد الستار ناصر، الذي ولدنا وعشنا مع بعضنا في محلة الطاطران الشعبية، وصديق العمر الشاعر الصحفي حسين حسن .الا ان صداقتي ببسام افسحت المجال لرؤية كيف يتعاشق الشر والخير في كمين حياتنا اليومية التي كانت ترزح تحت حكم الفاشيست عام 1963 ونحن نرى مسخ حروبهم الرابض على صدورنا، كابوس يرخى بجناحيه الثقيلين على رؤية وجودنا ويتعطش في كل لحظة لزواله. وكم من مرة اوقفونا انا وبسام حين كنا نمشي سوية ولم ينجدنا ذات مرة من صقيع الخوف ونذائر الشؤم، سوى صديقنا الشاعر ضياء الذي اكتشفنا بانه أحد اعضاء الحرس القومي البعثي. الامر الذي جعلنا انا وبسام، ننسحب من تجمع ثقافي فني اسسناه سوية قبل انقلاب شباط الاسود بستة أشهر، مخافة الوقوع في مطبات مظلمة كنا انا وبسام، مرعوبين باجوائها.

لا نفتأ، فيما نحن نقلب مئات من رسوم الكاريكاتير منذ بداية التجربة في الصحافة العراقية ولحد يومنا الحاضر، بان ما قدمه هذا الفنان عن حياة العراقيين منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي أن نوافق على أن ما انتجه قلمه الاسود، في نقد العديد من الظواهر الاجتماعية، يتأتى من الحياة التي عشنا كل تفاصيلها المؤلمة، انه فتح صفحات جديدة في النقد اللاذع، جعلنا مساهمين في اقتحامه. كل شيء لم يسبق له أن وُصف بهذا المزاج الساخر، أو جرى وصفه بهذا التدفق من الادانة والتعري. يقينا انه صراخ صامت لا يحمل الا جبروت القلم الاسود وقدرته على الادانة.

ينتمي بسام فرج إلى جيل من المثقفين العراقيّين الذين نشأوا في ظلّ انقلابات ومؤامرات وحروب وما خلقته وخلفتّه من فضائع وازمات سياسيّة بكل أضرارها الوخيمة. تتحدث معظم اعماله الكاريكاتيرية عن مأساة تلك الحروب خاصة تلك التي عاشها العراقيون طيلة سنوات طويلة وما أفرزته من عذابات وويلات فضلا عن تمخضها عن صراع الانسان في البقاء ومواجهته للموت ومحاولاته التمسك بالحياة ، فكانت اعماله والى يومنا هذا معبرة عن وجهة نظر واحساس الانسان الذي عانى الكثير من الاهوال في رحلته الحياتية والفنية ، وهذه الاعمال وان كانت متزنة وجميلة بشكلها وبتناسق خطوطها واتزان بنائها وايقاعها فهي مشتعلة الوجد في رصد الالم العراقي والتعبير عنه وهذا ما اجاد الفنان في اعماله التي سرعان ما تلامس عواطف المتلقي وتجعله يتجاوب الى آهاتها الموجعة المضنية .

اللوحة الكاريكاتيرية عند هذا الفنان، تحمل كلَّ مواصفات الحلم، لا سيّما القدرة على اختراق حدود المكان والزّمان وهدم كلّ حاجز بين الواقع والخيال طردًا أو عكسًا، لكون الواقع بما أضحى عليه من لامعقول تجاوز الخيال نفسه. وقد ترتّب على هذه التّجربة اتّسام لغة الفنان بإشراقات فنّيّة مدهشة.

كانت لبسام قضيته الكبرى والمركزية ومن مصلحته أنه تميز بالخروج من آنية الزمن والفكرة. رسم أفكاراً حرّة في فضاء تنعدم فيه الحرية، وحول قضية واضحة المعالم. وفي هذا العالم العراقي السفلي الغاصّ بكثرة البشر، اغنياء وفقراء، متدينون وعلمانيون، وتعاقبهم على الظهور في حياتنا كل يوم من على شاشات القنوات التلفزيونية والصحف والمجلات، نقرأ في رسوم هذا الفنان وصفا لتلك الوجوه العديدة، الغريبة الأشكال كلها، ما لا نجد مثيله في أي مكان اخر، قناة تلفزيونية او صحيفة. أشكال من التشوّه في الوجوه والهيئات لا حد لتنوّعها. فلو أتيحت لنا تجميع ذلك ورسم خطوط بيانية لملامح الاشكال وحركات الاجساد، لكّنا امام ما يشبه متحفا للأشكال الغريبة بقباحتها، أحسب أن البراعة في رسمها يشكل ميزة أخرى لقدرة بسام وبراعته. ذاك أنه كان عليه أن يلجأ إلى مخيّلة مغامرة، كما إلى أكثر صنوف المجاز جدّة حتى يبث الحياة في الأشكال المشوهة، أو المقبلة على التشّوه، التي تتوالى له باقوالها وتفاهاتها ورعونتها السياسية، وهي تلحق بخرابها وعبثها وفسادها وطنا وشعبا.

عرض مقالات: