إن نظرت الى شقوق الأرصفة من علٍ بقدرٍ كافٍ،سترى اسماءَ الناسِ.

كنتُ قد لاحظت هذا اولاً عندما وقفت على برج الكنيسة أنجز بعض أعمال النجارة. كان اسمُ ربيكا ستبلتن هو أولُ أسمٍ رأيته في الرصيف المواجه لصالة المدينة. بعدئذٍ رأيتُ اسم اليزا رايس في ساحة الملعب، ثم اسم تيرَس ربنز جوار حانوت البقوليات.

دعوتُ الى عقد اجتماع لأهل المدينة لأسأل الناسَ حول هذا الشأن، غير أنهم أظهروا الدهشةَ كما كان الأمرُ معي. تسلقنا السلّم، وقفنا عل سطح الكنيسة، أخذ الجميعُ يحدّق الى الأسفل.

من فرط الدهشةِ وضعت ربيكا ستبلتن يدَها على صدرها.

قالت : ما الذي يعنيه هذا ؟

وقفت تيرًس ربنز شاحبةَ الوجه.

تساءلت أيلزا رايس : هل أنا أحلمُ ؟

صوتٌ يرتفعُ : وماذا عن اسمي ؟

استدرنا، وجدناه صوتَ الصبي ديف.

أراد أن يعرف إن كان اسمُه أيضاً هناك.

هو لا يستطيع القراءةَ، لذا شرعنا جميعاً ننظر لنتأكد من وجود اسمه. طالت اعناقُنا تبحث في كل جانب من الكنيسة، قرأنا اسماءً كثيرةً اخرى  لكننا لم نعثر على إسمِه.

بعد هنيهة، بكى ذلك الصبي.

خاطبته : هوّن الأمرَ عليك ، سنعثر عليه.

شرعتُ بتكوين مجموعاتٍ مختلفةٍ من الناس، توزعنا جميعاً ننتقلُ من سطحٍ الى سطحٍ. المدينةُ كبيرةٌ وهي تمتد الى الجوانب، يمكن رؤية ارصفةٍ عديدةٍ من مواقع مختارة.

في البداية، رأينا كاملَ الأسماء  لكن كان اسم الصبي في الآخر، ذلك أنه كان في أقصى جانب من المدينة مختفياً خلف زريبةٍ للخيل.

وقفتُ الى جانب الصبي على سطح الزريبة أعينه على تهجي اسمِه على الأرض، بيد أني سمعت أصواتاً تنادي :

ساعدونا لنجد أسماءنا.

وبذا أعنتهم على البحثِ، رأينا الكثيرَ من الأسماء، وعلى الرغم من ذلك هناك أسماءٌ كثرٌ ظلت ضائعة.

فجأة، بعدئذٍ، طرأت ببالي فكرةٌ.

اقترحتُ : لنصنع بالوناً.

وهو ما فعلناه. قامت السيدات بحياكةِ النسيجِ، والرجال بصنعِ سلةٍ مجدولةٍ... وما أسرع ما رفعناه . جلبت ورقةً وقلماً لرسمه بالتفصيل.

مضت ثلاثة أو أربعة أسابيع، وجدنا، بعدها،  أسماءَ جميعِ الناسِ، كلٌّ منهم أخذ مكانه الخاص به :  جوناثان ادوارد الى جانب سايلو الحبوب، ماري وورث في الزقاق خلف السجن.

ويا للغرابة ! أنا الوحيدُ الذي ظل اسمه مفقوداً، وهو ما جعلني أشعر بصدمةٍ مريرةٍ.

قلت : أين يكون اسمي إذن ؟ 

نادى الليفت : أنا متأكد بأن الأمر لا يتعلق بك شخصياً.

قال آخرون : نحن على يقينٍ بأنه هناك في مكان ما.

وعلى هذا استمر بحثي منفرداً لأوقاتٍ طويلةٍ.

كنت مع البالون عند الصباح، أصارعُ السلةَ، أطوي الحبالَ، أراقب النارَ، أطفو على أحد الميادين ثم أهبط، أواظبُ على التحديق الى الأسفل، غير أن ما كنت أراه هو أسماء الأخرين حسب، هي ذات الأسماء على نحو مكرر.

في الليل كنت أعود الى البيت وآوي الى فراشي.

أوحى لي صوتٌ : ربما عليك أن تعلو بالبالون أكثر.

وبذا ارتفعتُ كثيراً، غير أنني لم أبصر إسمي.

بعدئذً تمزّق البالون في أحد الأيام.

تمزق النسيجُ وانحدرتُ نحو الأسفل بعنف. 

مكثت في المشفى طوالَ أسابيع.   

عندما خرجت أخيراً كنت أبدو مجرد هيكل عظمي.

قدموا لي عكازاً ووصفة طبية.

سرت نحو مركز المدينة، وجدت الناسَ يتجمعون في الساحة.

هناك مشاعلٌ وأعلامٌ ومقصٌ كبيرٌ.

كان لديهم احتفال بهيج.

كان الأمر.. أنهم شيدوا مصغّراً للمدينة، لكل بناء وشارع ورصيف كما يشاهد من علٍ.

رأيت الأسماء منحوتة على الحجر.

عندما رأتني جموعُ الناس قالوا : ها أنت عدتَ. نحن نقيم احتفالاً. تعال و تمتع معنا.

قدّموا لي شراب الشمبانيا وضربوني خفيفاً على ظهري،

غير انني علمت ان ذلك الحفل لا يلائمني.

لذا تسللتٌ خارج المشهد ، مشيتُ وحيداً برفقة عكازي الذي به  كنت أقرع الأسماء في الشقوق  لمدة وجيزة. بعدها توقفت وخطوت بعيداً.

انعطفت عن الطريق  ومشيت في أماكن مقفرة – الحشائش النامية، الأزقة،والأماكن المهملة. كنت أبحث عن تلٍ بيد أن لا تل هناك. كانت الأرض منبسطةً على امتداد البصر.

عندما خذلتني قدماي كنت على حافة المدينة، بذلت جهدي، مستغيثاً بعكازي،  لتجنبَ السقوطِ. غير أن العكاز إنكسر، وأنا أسقط متهاوياً على الأرض.

استلقيت مُحَطماً، أحدق عالياً، ثم أبدأ بالبكاء. ولبرهةٍ وجيزةٍ رأيت اسمي يخطفُ بين الغيوم.