بداية تعرفي بالشاعر الراحل رشدي العامل كان خلال وصول مجموعته الشعرية الاولى المعروفة : ( عيون بغداد والمطر ) حطت المجموعة اولاً بواسطة احد الاصدقاء في مقهى الساقية في مدينة الحرية عام 1961 لقد بهرنا العنوان جميعا اول الامر مما دفعني لشراء المجموعة والاحتفاظ بها في مكتبتي لفترة طويلة من الزمن اعتزازا بها وبصاحبها، لم يكن لي ذلك الميل الكبير الى الشعراو التفكير بامتهانه، بقدر ما كان اغلب اصدقائي هم شعراء ومن ثم ليصبح صاحب (عيون بغداد والمطر) هو الاخر صديقي، لم اجرب الكتابة عن الشعر كأبداع منجز انما دائما اتحدث عن الشاعر بوصفه صديقي، اعتقد ان اغلب الذين طالعوا (عيون بغداد والمطر) قد تأثربه شعراء مازالوا طلبة جامعة، اعني شعراء مدينة الحرية انذاك .. لجمال الصورة ورومانسيتها ولرشاقة العبارة فيها، ولأن الشعر كان لدى رشدي انذاك وسيلة اتصال بالناس الذين كان يهمه الوصول الى عقولهم ونفوسهم ووجدانهم، في تلك الفترة المبكرة من حياته، كان التزامه واضحا ومعروفا بل كان من الجرأة بحيث كنا نخشى عليه ان هو استمر يفتخر بانتسابه الى الحزب الشيوعي العراقي، وكنا انا وحميد الخاقاني نرعى فيه تلك الخصلة من الشجاعة والتصريح بانتسابه من بدون تردد، كان يسعده لقاؤنا في اي مكان نصادفه في (طريق الشعب) او مجلة (الثقافة الجديدة) او النادي ولكن للحقيقة كان رشدي يبوح بما يعتمر في قلبه لمن يطمئن اليه وكان حميد في احيان كثيرة يمثل لديه كاتم اسراره، حتى وصولنا الى ما قبل تهديم ما يسمى بالجبهة الوطنية، لم يكن رشدي يخشى على حياته اما بحثه عن الثقاة من امثال حميد الخاقاني وغيره من منتسبي الحزب الشيوعي، فاجد له ما يبرره بعد اطلاعي الكافي على تاريخ العراق وما مر به اليسار العراقي من ويلات ولنكن اكثر وضوحا : ما مر به الشيوعيون العراقيون من ملاحقات مما جعل الكثير من المرتبطين بالفكر الماركسي اكثر حذرا من سواهم ورشدي على ما يتمتع به من شجاعة الا انه كان يلجأ الى الحفاظ على الكثير من الاسرار سواءً التي تخصه او التي لا تخصه ولقد استغل خصومه الذين هم خصوم سياسيون اكثر مما هم دعاة قصيدة حرة او انجاز شعري، انغماسه في تناول الخمرة استغلوا الامر هذا بلا رحمة، وكلنا نعلم ان ذلك هو انتقام من ثباته على نهج اليسار .... وكان علي ان انتظرحتى عام 1968 لكي احقق جلسة كاملة مع رشدي العامل في مطعم المرايا .. لقد ابهجه وجودنا في المطعم انا وعبد الستار ناصر، بل والاكثر فرحا بالنسبة له اننا دعوناه الى حيث نجلس، كان يتناول مشروبه على عجالة تلك الساعة، الى ان طلب منه عبد الستار ان يتمهل .. لقد استجاب للطلب وبعدها فاجأنا ان قدم لنا نسختين من مجموعته ( حديقة علي ) وكم اسعدني الاهداء والمجموعة التي كتبت عنها مقالا في ذلك الوقت ) قد تعرفت عليه من خلال مجموعته الاولى الرومانسية العذبة ( عيون بغداد والمطر عام 1961 ) التي ستبقى شاخصة كعلامة على شاعريته النادرة حسب ما عرفته من حضورها في النقد الادبي في تلك المرحلة .. اذن كان علي ان انتظر ربع قرن لكي اكتب عن ( حديقة علي ) في عام 1986 التي ارسلت عنها مقالا الى جريدة الجمهورية او الثورة في حينه، مما اثار حفيظة اكثر من شاعر متصورين اني اقدم نقدا لقصائد رشدي العامل في ذلك المقال الذي كان يتناول جانباً مهماً من سيرته الذاتية وعلاقته بولده علي، الذي هو رمز لرشدي في الوقت الذي نعرف ان الحديقة هي رمز الوطن الذي عاش فيه رشدي العامل الذي مازال حيا في ضمير محبيه وعشاق شعره ..

عرض مقالات: