فجر الأحد الفائت 2 آب 2020 فجعت الأوساط الأدبية والفنية برحيل الكاتب المسرحي الكبير عادل كاظم بعد مشوار طويل حافل بالعطاءات والابداعات.  وبرحيله يتهاوى نيزك مسرحي كبير اتحفنا بالكثير من الجمالية والمتعة والفصاحة والبلاغة والبيان والقيم الثورية التي لامست وجدان انساننا المعاصر ليتحدى الظلم والطغيان والفساد والاستبداد وليرسم غده الاجمل والأبهى.

وهذا ليس بمعزل عن خزينه الفكري والثقافي .. لقد بدا من سن مبكرة يتابع ويطالع وبشغف كل ما يقع تحت يده من كتب تغوص في اعماق التاريخ وتنقب في خلفياته وحيثياته وبما يعزز الصراع الذي يذكي ويفعل ويلهب وتائر النهوض بالمجتمعات.

تستوقفه الاساطير فيتأملها ويستلهم منها الكثير، وها هو تموز ما أروعه يحث الخطى ليقرع الناقوس منتشياً .. يبعث الأمل والتفاؤل.

ها نحن وجهاً لوجه امام “الطوفان” المستلة من اسطورة كلكامش، طوفان الجوع والفقر والثورة وهو يعصف بالقصور العاجية للملوك والكهنة وبأحلامهم وأوهامهم.. فما اروع ذلك الطوفان.

كنا طلبة اكاديمية الفنون الجميلة- السنة المنتهية عام 1971- 1972 وبحدود ستين طالباً وطالبة، المشرف على دورتنا ومخرج المسرحية الاستاذ المبدع الرائد ابراهيم جلال يخطر بباله ان يختارنا لنؤدي دور الكومبارس في هذه المسرحية - عامة الشعب-.

ويا لها من مشاركة وتجربة لا تنسى مع هذا المخرج العملاق الذي كان يتفنن في ضبط ايقاع المسرحية وكما لو انها سمفونية لا مثيل لها، تعبق بالتحدي والمواجهة وتفضي الى انهيار عالم قديم ينخره العفن والتخلف.

اذكر باعجاب بالغ حتى هذه اللحظة، كلا من الفنانين الرائعين: الفنان الرائد الراحل بدري حسون فريد وهو يؤدي دور الكاهن بإلقائه الصوتي الساحر على الخشبة وبهيئته المتميزة، كذلك الفنان الرائد المبدع سعدون العبيدي –اطال الله بعمره- وهو يؤدي دور الراعي سموقان، فيبهرنا بإلقائه الصوتي الجميل، وكما لو انه يعزف في مسمار سحري وبمنتهى الوضوح والجمالية والجاذبية كانا يترجمان حقا ما أبدعه الكاتب من صور شاعرية وثراء في اللغة واحساس عالٍ بالجمال، فيأخذ طريقه الى الآذان والقلوب وبكل انسيابية وسلاسة ويا لها من دقائق ولحظات لا تتكرر.

بعد انتهاء عرض المسرحية الاخير ومن على خشبة المسرح القومي في كرادة مريم، كتبت مقالة نقدية حول هذا العمل المسرحي اخذت طريقها الى النشر في مجلة “الثقافة” وبعنوان “الطوفان وحتمية انتصار الانسان”. وتتوالى نصوصه المسرحية الاخرى لتعكس ارتباطاً وثيقاً بتطلعات ومعاناة المغلوبين على امرهم، ولتنتصر للدفاع عن قضايا المحرومين والمعدمين والمهمشين والمقهورين.

ترى هل ننسى “المتنبي” وقبلها “الكاع” و“الموت والقضية” و“نديمكم هذا المساء” و“دائرة الطباشير البغدادية” التي جرى اعدادها وتعريقها عن مسرحية “دائرة الطباشير القوقازية” لبريشت، وهذه المسرحية الاخيرة المعرّقة عرضت ليلة واحدة ومنعت من قبل السلطات الحاكمة.

وقد لا يعلم الكثيرون انني كنت وراء مقترح ترشيحه الى البرلمان وضمن قائمة “اتحاد الشعب” نظراً لما له من مكانة اجتماعية ومنزلة فذة في الوسط الفني جراء ما ابدعته قريحته من مسلسلات مشهورة لا تزال محفورة في ذاكرة الناس ونذكر منها “النسر وعيون المدينة” و“الذئب وعيون المدينة” و“حكايات المدن الثلاث” وغيرها الكثير من المسرحيات، وما زلت اذكر جيداً اثناء تجوالي في شارع المتنبي صباح الجمعة 26/ 2/ 2010 واذا بالراحل الكتبي نعيم الشطري يلعلع صوته منادياً ومروجاً لقائمة “اتحاد الشعب”.

- انتخبوا قائمة اتحاد الشعب.

- انتخبوا الكاتب المسرحي الكبير عادل كاظم.

لترقد روحيكما بسلام وطمأنينة.

وقد تشرفت بزيارة فارس الكلمة الحرة والشريفة الى نقابة الفنانين العراقيين وعلى ضفاف دجلة بتاريخ العاشر من حزيران 2010.

ورحنا نقلب اوجاع المسرح العراقي، ونؤشر أبرز المعوقات التي تحول دون الارتقاء به.

نتذكر شقيقه ماهر كاظم الذي اعدمته السلطة في بغداد بوصفه معارضاً لها. ونتذكر الرواد الكبار وافضالهم علينا، نتذكر الفنانة المسرحية الرائدة زينب يوم مثلت في “تموز يقرع الأجراس” دور (شركالي).

اعتزازاً به وبدوره المشرف في فرقة المسرح الفني الحديث والمسرح العراقي – انقل له رغبتي وكم اتمنى ان يبادر المركز العالمي للمسرح لتكليفكم بكتابة كلمة يوم المسرح العالمي ولتأخذ طريقها الى مسارح العالم، وهو أقل من القليل ازاء ما قدمتموه. كم كانت فرحتنا كبيرة يوم ألقى الكاتب المبدع سعد الله ونوس كلمة يوم المسرح العالمي في اليوم ذاته.

في 9 حزيران 2014 وبعد اعلان نتائج انتخابات نقابة الفنانين العراقيين وفوزي بمنصب النقيب، ابادر وبالتنسيق مع الشعبة المسرحية في النقابة لإقامة حفل تكريم للكاتب المسرحي المتفرد عادل كاظم وفي موقع النقابة في الباب الشرقي، ألقيت خلالها الكلمات التي تليق بابداعه وتنصفه. وفي ختام الجلسة اهديته درع النقابة تكريماً وتثميناً لجهوده المبذولة في اثراء الساحة المسرحية بنصوص درامية رصينة ومتميزة كانت لها اصداؤها الايجابية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* فنان وكاتب مسرحي نقيب الفنانين العراقيين – سابقاً

عرض مقالات: