ذات يوم بصريّ، لاتبخل به الشمس بتفقد معشوقتها البصرة، ولم يؤخّر احد موعد اللقاء الأزلي للفراتين، كان طاهر القلب سلمان، مع موعد آخر سوف يوثق به حكاية نبض جديدة وطالما تمايلنا مع نبضاته من قبل عندما أكد ان الحب أمر مفصلي  في، (لو تحب لو ما تحب) وتسلل هذا القانون لقلوبنا بسهولة كبيرة، كيف لا، وهو الذي عبّدَ الطريق لقلوبنا مسبقا عندما “عَبر على اجفاننا بحلم” في (انت العزيز أتغيرت)،

المكان البصرة، ولأنها “بالنيات”*، اشتعلت آبار العشق بقلب طاهر سلمان، لتغدو ابراج “الشعيبة” امامها اعواد ثُقاب، عشقٌ لا مفر من حدوثهِ ولا مفر من موتهِ، إما الأولى لأنه اتقدَ وفات الأوان، وإما الثانية، استمراره أصعب من تغيّر مسار شط العرب، بعد ان قطع العشق اشواطا وكادت دجلة تعانق طاهر سلمان، جاءت موجة مالحة حالت بين هذا اللقاء، وأي موجة انها موجة عنيفة لايمكن صدها ولايمكن خداعها، موجة عمرها مئات الأعوام وملحها راسخ بالكتب وعقول الناس، استسلم طاهر للحقيقة بأن معشوقته من قوم عيسى، انتصر الملح، تماما كما ينتصر على  عذوبة شط العرب الآن، أستسلم لليقين الذي تبين أنه يعرفه منذ المنبع في (حبيتك وانه ادري بدربي وي ادروبك ما يتلاگن).

كل هذا الصدق المكتنز بهذهِ المعاناة، حمّلة امانة ثقيلة (لجعفر الخفاف) ومثلما عرفنا الخفاف أمينا على ما تجود به البصرة، وكيف صاغ (لسيتا هوكوبيان) العذوبة، جاء هذه المرة ليصوغ الوجع بتنقلاته اللحنية المعهودة، كأنه كان يتلصص على قصة حب من قريب، كأنه كان ساعي البريد بين طاهر ومعشوقته لعله انتحل شخصية العاشق، ليعود بعدها ويبصم ويثبت امانته، اعاد الأمانة لأهلها، كأنه وقف عند (الگرمة) وقال: ياشط العرب هذه دموع عاشق صغتها قلادة من نحيب ولم اجد حنجرة تكفي لهذا الحزن الا حنجرة ولدكم، (حنجرة التنومة) ليصل رياض احمد وهو يدفع بمشحوفه الحزين، ليطوق عنقه بها، ويغص بحزنها ويصرخ حبيناااااااااك، ليغير الفراتان جريانهما حينها، وكأنهما يحملان برقية عاجلة لقمة جبل بعيد. ليبدأ ذوبان عذب جديد لعله يغسل ذلك الملح العالق بالقلوب.. ربما يفعل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* (لايوصلك البحر الى البصرة، بل يوصلني او تأتي البصرة انشاء الله، ان البصرة بالنيات).

 مظفر النواب

عرض مقالات: