يختار القاص "كريم صبح" موضوعاته بعناية فائقة حتى لا تكون بعيدة عن الواقع المباشر وفيها رمزية واعية أبعد ما يكون عن المباشرة، الأهداء كان من شقين (القرية)-تركلان-احدى قرى كركوك الجميلة، هو لم ير قريته متألقة في فضاء الافق، بل جعلها نائمة في حضن الافق وهو تعبير اقوى من الاول المستخدم كثيرا، لأن النوم في الافق قد يكون أصعب من التحليق! اما الشق الثاني للاهداء فهو الى (أول حسناء) يدعي بإنها علمته ان وراء (كل حركة، كل كلمة كل عبارة، حكاية) الان كشف لنا "كريم صبح" مصادره الاولية التي يستمد منها الخيال ليعبر عن الواقع او يوثقه (إبداعيا)
القاص تستفزه بعض الظواهر المؤلمة في المجتمع فيلتقط منها الفكرة ويدخلها في اطار السرد المكثف لخلق قصة لا تشعر ابدا من اعادة قراءتها لعدة مرات، وخير مثال قصة (صنارة) التي تتعلق بالصيد ولا يفترض ان يكون صيد السمك فقط، بل يمكن ان يكون الصيد، لحظة حياة هانئة، فرصة موت مريحة، لحظة تأمل او استرجاع للذكريات، بطل القصة يوحي سلوكه بإنه (مجنون) "باعد بين رجليه كثيرا، حتى ظن الناس إنه سيعكر صفو صبحهم بصوت بوله يرتطم بإسفلت وهو حكم المجتمع على من ينتحر، نتيجة الضياع واليأس والاسباب تركها القاص للمتلقي فهو يعرفها! انهم يعتقدون بإنه سوف يسبقهم بالانتحار والقفز في الماء وينزعجون من فوضويته وعدم حضارة سلوكه لأنه (تجاهل تحذيرهم)!
ان التقاط معطيات الواقع من خلال رؤية فنية ولغوية تتحدث بالايحاء وتتعامل مع المواقف بتبدلات ومستويات متعددة هي التي تجعل القصة مشوقة بعد قناعة القارئ بأهمية البطل وذكائه يرجع القاص ليشككنا برجاحة عقله ومنطقية تصرفه وهدفه"تنفس الصعداء فرحا بعدة صيد السمك.كان كل همه أن يجرب صنارته الجديدة من غير منغصات"

*غموض وتأويل

تضم المجموعة 43 قصة قصيرة جدا ، وهذا النوع يعتمد على الكثافة العالية في المعنى واختزاله وانضباط المحكم للحجم، واي هفوة من قبل القاص يطيح بالقصة، وكان القاص "كريم صبح قادراً على ان يسير بالقارئ في حالات اجتماعية وسياسية، وابتعد عن المباشرة حتى يوظف العنصر العجائبي لمعظم قصصه ويتلاعب بذهنية المتلقي من خلال الغموض الفني ومممارسة التأويل.
هذه تمتلك قوة الايحاء والرمزية، ففي قصة (بيتونة) يصف القاص بؤس المكان لهذه البيتونة التي سوف تحتضن (الجامعي المثقف) الذي تخرج ولم يجد اي عمل يضطر للعمل في فندق وفيه بيتونة شاءت الصدف أن يكون المسؤول عن تنظيف الصحيات فيه... بعد ان اكلت العثة شهادته"، صاحب الفندق رجل شاذ يستغل ظروف من يعمل معه وانتهاك كرامته، ويفكر بالانتحار،ويلعب المكان (بيتونة) دورا في تأزيم الواقع وصف لمحتوياتها ،ويقع في يد الشاب (دفتر عبارة عن يوميات احد نزلاء الفندق)، وينهي القاص قصته بانتحار الشاب الجامعي ايضا لتتحول البيتونة الى مكان (مسكون بروحين تبحثان عن الانتقام)، وهكذا يقدم لنا القاص ادانة مزدوجة للمجتمع والنظام التعليمي وعدم توفير فرص العمل المناسبة والعيوب الاخلاقية في المجتمع! ولا تخلو قصص اخرى من هذه التداخلات والتناقض بين المألوف والمعتاد في الواقع الإنساني. ثيمة الانتحار والموت او المرض تجدها في أكثر من قصة (قلق، حفار، بين روحين، مالك المقبرة، مصير همنغواي، سرطن، انتحار).

عرض مقالات: