ضيّفت خيمة ثوار التحرير تحت نصب الحرية الناقد د. جواد الزيدي في محاضرة عن مفهوم الاحتجاج وعلاقته بالفن التشكيلي العراقي وآخر التطلعات التي أنجزها رسامو نفق التحرير. قدمه الناشط محمد السلامي معرفا به أول الأمر وعن طبيعة المحاضرة التي تعنى بالفن الجداري وتداخله مع الفن الكرافيكي والرسومات التي أنجزت في ساحات الاحتجاج، ليبدأ المحاضر حديثه عن تفكيك متغيرات البحث من خلال التعريف أولا بمفهوم الاحتجاج بوصفه ممارسة سلمية بالقول أو الفعل قائمة على رفض ممارسات السلطات القمعية / ومن ثم عرّج على طبيعة تشكل الهوية الفنية وهي قائمة على اتجاهين أما ان تكون هوية تأصيل بعيدة عن كل المرجعيات أو هوية توطين تستند الى المزاوجة بين الاتجاهات والأجناس الفنية والجمالية التي يقع الفن العراقي فيها ضمن هذا التصنيف الأخير كونها اخذت من الفنون الحداثية فضلا عن أطر الحداثة الأوربية، تلك التي بدأت برؤى جواد سليم وملحمته الخالدة (نصب الحرية) حيث حاول فيها استقراء مستقبل الحراك الشعبي في لحظته آنذاك وتوثيق نبوءته بطبيعة نضال الشعب العراقي من اجل الحرية وتقديم التضحيات من قبل جميع فئات المجتمع وتماثل مشاهد من الواقع الفعلي تحت نصب الحرية مع مشاهد مصورة على النصب استطاع خيال جواد سليم أن يزاوج فيه بين المشخصن والمجرد . واستمرارا لتراكمات جمالية استطاع كاظم حيدر الذهاب الى حادثة الطف في كربلاء ومنحها صفة انسانية ترتبط بالشهادة والبطولة قائمة على مبدأ احتجاجي رافض للسياسات القمعية التي تمارس السلطة آنذاك حتى اسماها (ملحمة الشهيد) وهي تثوير لهذا المعنى السامي وتكريس لمجمل أفكاره، فيما اختط فيصل لعيبي سبيلا آخر في ممارسته التعبيرية التي تدين النظام السابق من خلال بؤرة فلسفية انطلق منها، قائمة على مفهوم النفي، اذ رسم وجوه شعراء منفيين على الرغم من اهميتهم في الشعرية العراقية (الجواهري، بلند الحيدري، البياتي) فضلا عن الحوادث التي مر بها الوطن مثل الحروب وقصف حلبجة بالغازات السامة.
كما تحدث المحاضر عن الارث الفني الأوربي وتبني فكرة الاحتجاج من قبل جماعة معرض المرفوضات لأنهم خالفوا الذائقة الجمالية الجمعية آنذاك، وصولا الى الاحتجاج العالي الذي مارسه (بيكاسو) حين قصفت الطائرات الألمانية وقوات الجنرال فرانكو قريته التي حملت اسمها لوحته (الجورنيكا) وكانت تعبيرا رمزيا عن قتل الذات الانسانية وقمعها بهذه الطريقة المأساوية. وهذا ما يشابه نزوع بعض الفنانين العراقيين بعد عام 2003الى احياء ظاهرة المقابر الجماعية بطريقة جمالية أضحت وثيقة ادانة للنظام وممارساته القمعية. ولكن انتفاضة تشرين افرزت نمطا جديدا من الفن ساد في سبعينيات القرن العشرين في نيويورك يدعى (الفن الكرافيكي) أو (اسلوب نيويورك) قام به شباب مهمشون ومحتجون سجلوا اعتراضهم على دورات المياه ومحطات المترو وعربات القطارات، وهذا الفن دائما ما يرافق الاحتجاجات او الثورات، ولذلك فأن المشهد العراقي التشريني دعا مجموعة من الفنانين للحضور الى ساحة التحرير ونفقها وتوشيحهما بخربشات وخطوط عربية تمثل بعض الشعارات والمطالب والبعض الآخر حاول توثيق أسماء الشهداء الذين سقطوا في ساحة التحرير والأماكن القريبة منها بطرق جمالية تقترن بتوطين الهوية، فضلا عن الرسومات التي حاولت استجلاب رموز معمارية وحضارية مثل (نصب الحرية، نصب الشهداء، المطعم التركي، عجلة التكتك) او استجلاب مرموزات من عمق التاريخ الفني العراقي ومزجها بمرموزات معاصرة من أجل منح هذه الأعمال الفنية هوية عراقية خالصة .
وبعد الانتهاء من المحاضرة جرت بعض المداخلات والأسئلة التي أغنت المحاضرة، تمت الاجابة عليها من قبل المحاضر.