صدر عن مركز مندلي الحضاري للتوثيق والدراسات، كتيب أنيق يضم بين دفتيه: قصة طويلة، للكاتب والشاعر أحمد الحمد المندلاوي. أخرجها بعنوان (رجل يلتهم الظلام) يروي فيها جانبًا من تجربة شخصية موجعة عاشها في المغترب.
قبل الشروع، يقدم لنا القاص، تمهيدًا تاريخيًا وفلسفيًا في موضوع الظلام، كمدخل فكري إلى قصته. ثم يبتدئ من لحظة ترجل بطل قصته من سيارة الأجرة التي لم يجرؤ سائقها على إكمال الدرب الموحش؛ ليترك زبونه وحيدًا في مدخل الدرب، فيسير البطل وحيدًا في دربه المظلم: (ترجل من المركبة في نهاية الشارع المهجور الذي يؤدي إلى مأواه في (بيت اللاجئين) كونه غريبًا عن هذه البلاد. وقد عاد من أحد المحافظات البعيدة بعد أن التقى بأحد أبناء محلته، وهو من جيرانه المهجرين إلى إيران في ثمانينيات القرن المنصرم.. والغربة في النهار وبال فكيف بالليل المظلم والدرب الموحش المهجور!).
ثم يستذكر وحشة الليل على لسان بطل قصته فرهاد وهو فنان مرهف الاحساس ليعلن موقفه الاحتجاجي من هذا الظلام: (أه ما أقبح الظلام! تحت جنحه الطاغي تنتهك حقوق الانسان مالًا وجسدًا وعرضًا؛ فالظلام الدامس صديق الأشقياء الأنذال، وعدو الشرفاء الأطياب..).
ويغوص الكاتب في تفاصيل الغربة الموحشة ويقارنها بذكرياته السعيدة في وطنه الأم العراق مستذكرًا أهله وأحبابه عبر فرهاد مناجيًا: (وداعًا يا طفلي الصغير سامان، وداعًا يا طفلتي الشفافة سيماء... وداعًا زوجتي الصبورة، ما أحوج أن ألقي عليك قصائدي الأخيرة في المغترب). وبهذه اللغة الشفيفة والنبرة الحزينة نسير مع فرهاد حتى نهاية الدرب.
لقد تخلل العرض القصصي في كثير من الاحيان انزياح سردي تقريري نحو الفلسفة حينًا ونحو الشعر حينًا آخرًا لدرجة اننا نتوهم في كثير من الأحيان اننا نطالع كتابا عرفانيا يتناول موضوع الظلام متناسين القصة حتى ننتبه مجددًا على وقع اقدام فرهاد وهو يخوض دربه المرعب بخطوات قلقة سرعان ما يهرب منها مجددًا ويغوص في فلسفة الظلام والاغتراب ويلقي علينا قصائد شعرية كاملة تتناول الليل والظلام والاغتراب والتي يستلفها من أمرؤ القيس مرة ومن قصائده الشخصية مرات أخر، وبذلك ينتزعنا من جو القصص ويدخلنا في متاهة الشعر والفلسفة وكأننا أمام لون أدبي جديد يذوب فيه الشعر والفلسفة مع القصة المروية. أو لعل الفلسفة والشعر التهما القصة من أطرافها بدل أن يلتهم فرهاد الظلام في قصته فقدم لنا قصة مقضومة الأطراف.

 

عرض مقالات: