كثيرا ما يلجأ بعض الشعراء أو المتشاعرين الى سرقة أشعار غيرهم وانتحالها، وهذه السرقات تكون أحيانا معنوية يمكن تبريرها بتوارد الخواطر أو الاستئناس بالمعنى أو تشابه المعاناة بين الطرفين مما أدى الى اقتناصهم لذات المعنى وهذا النوع  مبرر الى حد ما، وهناك من ينتحل البيت كاملا أو ينتحل شطرا منه أو قصيدة كاملة وهذا يعتبر سرقة ظاهرة متعمدة، فيما يلجأ آخرون الى النسج على منوال تلك الأبيات والاستفادة من مفرداتها أو معانيها ويكون التغيير في مفردات معينة بإيراد مفردات مرادفة لها أو أسماء قريبة منها.

 وهذا النوع من السرقة معروف في الأوساط الأدبية وطالما الفت كتب خاصة عن سرقات الشعراء، وان كان بعضها لا يدخل في باب السرقة بقدر كونه توارداً للخواطر أو مشاركة في المعنى ومنه ما يعد سرقة فاضحة ومكشوفة، ولا يدخل في هذا الباب ما يمكن عده مباراة أو مجاراة فأنها باب من أبواب الأدب الشعبي سنتطرق أليه في مناسبة اخرى.

والابوذية لا تختلف عن فنون الشعر الأخرى في تعرضها للسرقة والانتحال وخصوصا في هذا العصر عصر الانترنت والفضاء المفتوح الذي يفسح لمن هب ودب أن ينشر ما يريد باسمه أو باسم مستعار والمنتديات والمواقع الالكترونية تعج بهذا النوع من السرقة مما يجعل الباحث يتورع في نسبة بيت لشاعر ليس له اسم معروف بين الشعراء فقد وجدت مئات الأبيات التي تشاركت فيها أسماء كثيرة يحار المرء في نسبتها لأي منهم، بل يوجد ما نسب لشعراء معروفين، وهو ليس لهم أو من نتاجهم وربما نشر دون علمهم، لذلك تورعت عن إيراد الأسماء لعدم الثقة في مصادر النشر وأشرت إلى الأبيات غفلة عن قائليها تاركا للقارئ الكريم المقارنة والاستنتاج.

 ولا يسعني هنا أيراد كل ما وجدت فهذا يحتاج إلى حيز كبير دونه هذه الدراسة المبتسرة، وسأشير إلى نماذج محدودة للتدليل على ما أريد، مبين نوع السرقة وبيانها وأوجه التغيير في النصين الأصلي والمقلد أو المسروق.

   في الشطر الأول من النموذج الأول "يون باسمك دليلي وانته أنته" فيما ورد الشطر ذاته في النموذج الثاني" يون صوتك بذاني أنته أنته" والتبديل ظاهر فالأول يقول بسمك والثاني صوتك، والثاني أستبدل "دليلي"  بكلمة "بذاني" ولو حاكمنا المعنى في البيتين كليهما لوجدنا أن البيت الأول أوفى بالمعنى من الثاني لأن الأنين يصدر من القلب وهو تشبيه جميل فيما يكون للصوت الطنين وليس الأنين ما يفرض علينا التأكيد على جمالية البيت الأول وأصالته وتقليد الثاني له أو سرقة المعنى بتغيير الكلمات، فيما نجد أن الشطر الثاني في البيت الثاني لا يرتبط معنويا بالشطر الأول ، والشطر الثالث في النموذج الأول جاء متساوقا مع ما سبقه عندما أكد أنه يحب أثنين غيره هم هو نفسه، فيما تعثر الشاعر الثالث وجعلهم خمسة مما جعل المعنى باهتا ولا يتماشى مع الهدف الذي أراده الشاعر في بيان شدة الحب لذلك الحبيب فقد أشرك معه خمسة فيما جعله الأول هو الأصل وأكده بأن الاثنين الذين أحبهم هم ذات المحبوب، أما القفل أو الرابط ففي النموذج الأول كان متماشيا مع سابقه مؤكدا له، فيما جاء في النموذج الثاني مائعا ضائعا ليس له محل في السياق، مما يجعلنا نؤيد أصالة الأول وتهافت النموذج الثاني والحكم بالتقليد أو السرقة.

يون بسمك دليلي انته وانته   تاه وأرد اسألك انته وانته

يحب اثنين غيرك انته وانته    تركني وإنته بس ظليت بيه

يون صوتك بذاني انته وانته  ودمع ﮔلبي ونيته وانته ونته

أحب خمسه بحياتي انته وانته  وحضرتك وانته وانته وهاي هيه

 

وفي البيتين التاليين نجد أن  الاختلاف بين البيتين بسيط جدا ويشي بالتقليد أو السرقة لعدم وجود تباين كبير في المعنى أو المفردات فقد استبدل في الشطر الأول كلمتي الروح والينشد بكلمتين متقاربتين هما العمر ويسأل والسؤال هو النشد نفسه في المعنى وان اختلف في اللفظ فيما تتشابه نسبيا كلمتا الروح والعمر وان اختلف معناهما وفي الشطر الثاني حدث تقديم وتأخير في الكلمات وهي تؤدي ذات المعنى، وكان الشطر الثالث أكثر إيحاءا بالتقليد أو السرقة لان تغيير الأسماء أكثر سهولة من تغيير المفردات، فيما كان الرابط أو القفل يحمل تغييرا في المعنى والمفردة وأن كان الأول أكثر توفيقا  في وضوح المعنى وترابط القصد.

نبيع الروح للينشد علينه... وصبح ثوب الحزن لايگ علينه

وحگ عباس والحمزة وعلينه... نظل ننشد عليكم للمنيه

نبيع العمر لليسال علينه... وثوب الحزن بس لايك علينه

وحق عباس وحسين وعلينه... تظل طول العمر غالي عليه

 في النصين الآتيين تبدو السرقة واضحة جلية، فشاعر النموذج الثاني عمد إلى تغيير بعض الكلمات بأخرى مغايرة لها إلا انه لجهله او قلة خبرته أو عدم قدرته على ضبط الوزن وصياغة المعنى وقع في أخطاء فاضحة جعلت نصه  فاقدا لمصداقية النسبة أليه،فقد حول الشطر الأول من معناه الجلي الواضح وصياغته السليمة إلى نص مهلهل لا يمتلك شيئا من الواقعية، مستفيدا من معنى الشطر الثاني في صياغته واقتبس معنى الشطر الأول للنموذج الأول في صياغة شطره الثاني ليأتي غريبا مائعا لا يمتلك مقومات الشعر، فيما ترك الشطر الثالث على حاله مكتفيا باستبدال مفردات شوهت صورة البيت، واقتبس القفل بنصه، وهي سرقة ممجوجة واضحة لا تحتاج لدليل.

 

نصي احترﮔ من هجرك و نص طاف... وغرﮔت اني بحر حبك ونص طاف

يريت المدرسه ترجع و نص طف... وابدلك بالعلم و اخذ تحيه

نصي غرﮔ ببحر حبك ونص طاف... ونصي اشتعل بنار هجرك ونص طاف

اتمنى ترجع المدرسه ونص طاف... لأبدلك بالعلم وأخذلك تحيه

والنص القادم سرقة في وضح النهار لا تحتاج لدليل أو برهان وتصرف ممجوج في نص أحاله بجهله إلى نص فقير غير مترابط يفتقد لمقومات النضج والأصالة المطلوبة في الابوذية، فلا علاقة بين الشطر الثاني والشطر الأول في النموذج الثاني فيما كان الأول أكثر إيحاءً وترابطاً في المعنى، والشطر الآخر والقفل كان للتغيير أثره في افتقاد المعنى وتخلخله.

يطيروياك أخذ مرسال وصـله... وخبره الروح بس تريد وصله

أخذ وياك من الگلب وصله... بلكي يشوفها ويرجع اليه

يطير اخذ الكتاب اوياك وصله... للاعرف عمامه منين وصله

الگلب بجفاه صار اثنعش وصله... كل وصله تطالب جيبه ليه

والنص الآخر الذي نحن بصدد دراسته يظهر بشكل جلي ان المنتحل او السارق لا يجيد النظم ولا يفهم في الوزن ولا يمتلك اياً من مقومات الشاعر، فالنص الأول متماسك ينبئ عن شاعرية متقدة فيما كان النموذج الثاني مقطع الاوصال لا ترتبط اشطره برابط، او يجمعها جامع وكأنها نظمت ليكون لكل شطر معناه غير المكتمل.

هله ياللي عشرتي اوياك مأساة... إلك خدين بيض اتگول ماسات

أسكر لو شفاي شفاك ماسات... واذوب وما يظل كل حيل بيه

هله يل كل عشرتي وياك مأساة... وسكر لو شفت يشفاك والله ماسات

الك خدين بيض اتگول ماسات... ابوسك ينعكس وجهك عليه

وفي النص التالي يبدو التلاعب واضحاً والانتحال مكشوفاً، فالنص الأول يمتلك مقومات جديرة بان يكون شعراً له ما للشعر من مقومات النجاح، فيما كان النموذج الثاني ركيكاً ضعيفاً فاقداً لجميع المقومات الواجب توفرها في الابوذية.

وحگ اللي محا العزة محا اللات... شفافك عسل من ربك محلاة

الك بالگلب عالشارع محلات... محل حب وحلاوة وسمسمية

وحگ اللي محه بعزه محلات.. شفافك عسل من ربك محلات

الك بگلبي على الشارع محلات... محل شوگ ورد وشاعريه