تُعَد رواية «الساعة الخامسة والعشرون»، التي قضيت أياما مع بطلها أيوهان موريتز وهو يتعرض للاعتقال وأعمال السخرة، من أعظم الأعمال الأدبية التي تناولت بالتحليل العميق والتجسيد الدقيق مأساة الضياع المتمثل في انهيار الحضارة الغربية وسحق إنسانية الإنسان. وتستند فلسفة الرواية إلى حقيقة مفادها «أن الآلة الميكانيكية أكثر كفاءة وأقل تكلفة من العنصر البشري وقادرة على الحلول محله بسرعة.. إنّها خادم الكمال.
فهي لا تستغل الحرب ولا تطالب برفع الأجور، ولا تتدخل في التعقيدات السياسية وتخضع للنظام بيسر». إن عملية التجرّد من الإنسانية عملية بطيئة لكنها متواصلة تحت مسميات مختلفة، فتخلي المرء عن مشاعره والحدّ من علاقاته الاجتماعية يصبح أمرا قاطعا وحتميا على وفق هذه الرؤية، أقصد بعد أن يتحوّل إلى جزء أو قطعة ميكانيكية في ماكينة عملاقة.
حتّى الآن خاضت الجيوش حروب قهر الآخر من أجل الأراضي الجديدة والثروات الجديدة، تلبية لما أسموه الكبرياء الوطني، أو المصالح الشخصية للملوك والأباطرة. ولعلنا نعيش اليوم الفترة الأكثر سوادا في تاريخ العالم.
إن النظم الرأسمالية هي من وضع القوانين والمعايير ـ الميكانيكية ـ التي تبدو في ظاهرها ممتازة للغاية ومُحكمة حتى الآن، لكن مازال ثمّة أمل ما في بعض الأحيان، فـالناس ليسوا على حد سواء… الأمم كلّها ليست على حد سواء. أقصد ليس الجميع بالدرجة نفسها من الذكاء والقوّة» كما يقول نهرو. نعم الآلات وحدها يمكن أن تكون على حد سواء! وهي الوحيدة التي يمكن استبدالها، أو تحطيمها ورميها في مخازن الخرّدة.
في رواية “الساعة الخامسة والعشرون” للكاتب الروماني قسطنطين جورجيو، يتعرض البطل أيوهان موريتز لأبشع عملية اضطهاد يمكن أن يتصورها المرء، بعد أن يطمع ضابط شرطة فاسد بزوجته وهو المزارع المخلص والمتفاني من أجل عائلته، فيساق إلى معسكرات الاعتقال بتهمة كونه يهوديّا وهو ليس كذلك، وتفشل جميع محاولاته إقناع المسؤولين الرومانيين بذلك، لتستمر رحلة عذابه المهولة حتى تُستلب إنسانيته في المحصلة، على الرغم من صمود زوجته لسنوات طويلة أمام محاولات ذلك الضابط للنيل منها.
الرواية هي بمثابة وثيقة دامغة ضد الاستلاب وإخضاع الإنسان لآلة الحرب، والتحكم الشيزوفريني المطلق الذي سيتسبب بتحوّل العالم كله إلى مجتمع مدجن تسهل السيطرة عليه، ليتحكّم النظام لاحقا بمآكله ومشربه ومواعيد نومه وأعماله، بل وهواياته وميوله، إنّه القسر الذي لم يُخلق الإنسان له في الحقيقة، أو بعبارة أخرى الاستبداد الذي يرفع شعار “لا مكان للأحرار على وجه الأرض”، وكل من لا يخضع له فهو خارج عن النظام، أقصد نظام الاستبداد المرعب هذا.
ولد كونستانتين فيرجيل جورجيو (1916- 1992) في مقاطعة رازبويني الرومانية، ودرس الفلسفة واللاهوت في جامعات بوخارست وهايدلبرغ. في العام 1940 حصل على الجائزة الملكية للشعر، عن كتابه الخط على الثلج. وفي العام 1942 عُين سكرتيرا لمفوضية العلاقات الثقافية في وزارة الخارجية الرومانية.
حقّقت له روايته «الساعة الخامسة والعشرون» شهرة واسعة في الغرب. ومع ذلك، تعرّض إلى هجمة شرسة في الصحافة الغربية بدعوى معاداة السامية نتيجة للبعض من أعماله السابقة التي نشرها قبل الحرب. كما رفض أن يكون أداة بيد الحكومات الغربية أثناء الحرب الباردة.

عرض مقالات: