أشرت في مقالة نشرت الأربعاء الماضي، 12-6-2019 في جريدة طريق الشعب، تحت عنوان حركة الأنصار العراقية، إلى مفهومين للأدب المعارض، أدب مقاومة، وأدب حرب، وميّزت بينهما بصورة سريعة: أن أدب المقاومة يكتبه الشعب المقاوم على لسان نخبة من أدبائه ومثقفيه، وأن أدب الحرب يُعبّر عن سياسة السلطة التي تشترك في الحرب، ويكتبه أدباء لهم علاقة ما بتوجهات الحرب أو ارتباطاتهم بأجهزة إعلام السلطة. ولهذا الأدب خبراء يجيزون صلاحية هذه الرواية، وتلك الدراسة، وهذا الديوان، وهذا المعرض، مهما كانت نوايا الكاتب ونوايا الخبير. النموذجان في أدباء العراق: أدب مقاومة، وأدب حرب، انتجهما أدباء عراقيون. (لا يعنينا ما كتبه بعض الأدباء العرب عن الحرب). وليس من المنطقي الجمع بين أدب مقاومة وأدب حرب بوصفهما يتحدثان عن معارك ومواقف وشخصيات وتجارب مرت على العراق. وحصيلة النموذجين أن ثمة سردية وشعرية ومقالية فيها خصوصية أسلوبية استوطنت نوايا وأهداف بعض الكتاب والفنانين، وكان من شأن هذه الأسلوبية أن تصور حالة استثنائية في السياقات الأدبية يمكنها أن ترسم صورة لكيفية الكتابة، كجزء من موقف يرى صاحبه أنه يتضامن مع قضايا وطنه عندما يُعتدى عليه، والمعني بالأمر النقدي هو لمن كُتب هذا الأدب؟ وكيف كُتب؟. وبالفعل كانت الحرب العراقية الإيرانية عدوانًا على الشعبين العراقي والإيراني، وليس على السلطتين القائمتين في البلدين آنذاك. إلا أنَّ هذا الفاصل بين السلطة والشعب لم يكن واضحًا فيما كُتب، ولذلك جُيَّر هذا الأدب لصالح السلطات فعكست موقفا مشوشًا لمن كتب عن ايمانه بالحرب.
لست بصدد الكتابة عمن كتب وعمن لم يكتب، فالظروف القاسية كان لها تأثيرها المؤلم على شريحة متأرجحة في وطنيتها. الكل لهم عذرهم يومذاك، ليس هذا غاية كتابتي، فانا بصدد التفريق بين مفهومين للأدب: أدب يُكتب اثناء الحروب، بعض هذه الحروب حروب مقاومة، وبعضها حروب مصالح دينية وقومية، وهناك من يساوي بين أدب مقاومة نشأ نتيجة، نضال مقاوم، وأدب حرب كتب استجابة لرغبة السلطان. مهما كان هذا السلطان، حتى لو كان قائدًا في المقاومة. ولكن كما حصل لأحد أبطال حكايات ألف ليلة وليلة، لا أحد يتنصل عن قناعاته، عليه أن يحمل ماضيه الشخصي، على ظهره كورم دائم، يتحرك ويمشي وينام ويأكل معه، عليه ان يحمل اثقاله اينما ارتحل دون أن ينكر.
والأمر ينطبق على منتجي الفنون: مسرحياتٍ ومعارضَ تشكيلية، حين تقدمت معارضهم، بورتيهات القادة، في حين ان اللوحات تمثل حالات شعبية وإنسانية بعيدة عن الحرب. نعم، من عاش تلك الفترة بعينين يقظتين، يجد بعض الفنانين يماهي بين أن يقدم صورة للقائد تتصدر المعرض وهو شرط إقامته، وبين لوحات لا علاقة لها بالحرب، بل تدينها من خلال جماليتها، وطروحاتها الفنية، واستلهامها القيم التشكيلية المطلقة لحركة الألوان والخطوط والكتل. وهناك من وظف المعرض الفني لقضايا الحرب، لأنه منتم لثقافة وفن الحرب. فالوضع لا يرى بعين واحدة، ولا يمكن لعين واحدة أن تعمم رؤيتها على كل منتجي الفن والأدب، هناك مستويات للرؤية الواعية، وهناك تصور عملي للتنفيذ وارادة يمكن أن تغطي توجهات الفنان والأديب بما لا يدع مجالا للشك.
خلاصة القول، أن لدينا نوعين من الآداب والفنون: أدب وفن مقاومة يستحث المشاركين فيه على الكتابة والرسم، وكتب باسلوبية فنية مختلفة. وهو أدب سنبقى بحاجة للكتابة فيه، لأنه يكشف عن مواقف إنسانية لها علاقة بالمجموعات والأرض والفكر.. وهناك أدب حرب كتب بقصدية سياسية وإعلامية عن الحرب، وبأسلوبية دعائية. يمجد القائد، ويبرر الأخطاء، الأدب الأول لا ثمن له إلا المعرفة، بينما كان ثمن الأدب الثانية حفنة من الامتيازات العابرة.

عرض مقالات: