الورقة المشاركة في أمسية منتدى أديبات البصرة 24/ 4/ 2019

 (*)

في (بودلير في جبة الحلاج) يحاول سردا روائيا بكرا، الشاعر هاني أبو مصطفى، إذن هي تجربة أولى يحاول الشاعر أن يتشكل من خلال قدراته الشعرية روائيا، والقراءة النوعية جهزتني بالقول التالي : في هذه التجربة الروائية للشاعر يتحكم الفكري بتوجيه المجتمعي في الرواية، فالنسبة العالية هي لمكابدات : (سعيد) شاب من أهالي البصرة، تتمرحل حياته عبر مخاضات وتحولات جمة، يجاهد سعيد لتصنيع سلبياتها أيجابيات من خلال وعيه الثقافي والمجتمعي وبسبب مثنوي وعيه، ستتشوك حياته بالصريم، لكن سعيدا لا يستسلم، بل يحاول التملص من الفخ القديم : ظابط المخابرات الذي كان يضايقه، هاهو الآن قد عاد خلف قناع منظمات المجتمع المدني(الحاح وائل) .

(*)

 ولا عيب في كينونة فكرية تتسيد الفضاء الروائي، قرأنا في هذا الحقل (الطريق)(اللص والكلاب)(السمان والخريف)(الشحاذ) للروائي نجيب محفوظ و( المخاض) للروائي العراقي غائب فرمان، لكن الكينونات الفكرية في هذه الروايات امتزج الفكر والمجتمعي ومنحت هذه الروايات خصوبات تأويل وقراءات شتى ..

(*)

متى يجري تقشير النصيص، في النص؟ فالنصيص/ ثريا الرواية من العنوانات الصادمة، كما علمني شيخي محمود عبد الوهاب – طيّب الله ثراه -، ويستفز عنوان الرواية ليس القارىء فقط بل حتى الرائي لغلاف الكتاب (بودلير في جبة الحلاج) أول ما يحتج الرائي قائلا لنفسه بالعامية : هاي شلون؟ وحجة الرائي لا تخلو من صواب، فهو  لا يعترض على قولنا: محمد بن واسع في جبة الحلاج، أو عبد الكريم الجيلي في جبة الخلاج، لأن تنقلات الجبة ستكون ضمن طبقات الصوفية ، لكن أن تنتقل الجبة زمكانيا وفكريا ... إلى مَن ما فكرّنا يوما، أو تأمل لحظة من عصورنا الإسلامية، ربما نحتمل أن يكون العبقري في تأليفاته المتنوعة وفي ديوانه شرق وغرب واهتمامه بصرح الثقافي العربي أعني نحتمل أن يكون غوته في جبة الحلاج أو ماسينون أو كولد تسهير والأثنان من المستشرقين العظماء ولماسينون علاقة قوية مع مؤلفات الحلاج، رغم أن ماسينون، صارت تحوم حول الشبهات في الآونة الأخيرة

(*)

بدءاً من الهدب النصي الرئيس : عنوان الرواية، حتى الصفحة 148 يمكن أن نرى في هذه المسافة السردية بوظيفة

عتبة نصية، تتشكل منها منصة إنطلاق، يتكيّف فيها الكم المتراكم السردي، إلى كيف جديد، يجري فيه : تعايش سلمي بين الديانات والملل والنحل، وهذا التعايش السلمي، يعلنه المحور الشخصي للرواية والذي يتمثل في شخص سعيد

الشخصية الرئيسة ، وهذا التعايش السلمي يتدفق في حيز يتكون من سعيد وثلاثة أشخاص في أقفاص الأسر في معسكر رفحاء/ في المملكة العربية السعودية .

(*)

نحن هنا لسنا في معرض مساءلة النصيص/ عنوان الرواية (بودلير في جبة الحلاج)، لقد بذل السارد المشارك في تصنيع النص(سعيد) جهدا للتقارب بين بودلير والحلاج من ص148 حتى 161وسؤال القراءة يأتينا بهذه الصيغة

هل تتسع جبة الصوفي الفادي لجسد البوهيمي الفرنسي؟ أم سيتم ذلك بالقوة ويندحس البوهيمي دحسا في حبة الحلاج؟

(*)

 لو كانت جبة (شمس تبريز) لكان الحال مختلف، فالتبريزي له شطحاته المؤتلفة مع بوهيمية بودلير

وهذه تساؤلات قراءتي الخاصة، ولا تدخل هذه القراءة ضمن أجراءات التحقيق الجنائي، قراءتي المنتجة تقر لا مسافة بين الأنا والآخر، مادمنا نكتمل بسوانا ويكتمل هو من خلالنا، وهذا الاكتمال / التكامل : تجسد في أقفاص الأسر في رفحاء :الشيوعي والمتصوف الإسلامي والنصراني والصابئي المندائي، وهي تشكيلة كانت متوفرة ومتألقة في العراق، حتى أجتاح العراق القطار الدموي في 8شباط 1963 وبالتالي تقنع بقناع ليبرالي في بداية تموز 1968، ثم أستذأبت السلطة طائفيا، وبعد سقوط الطاغية استيقظت بشراسة ومازالت بكامل قيافتها وفوهاتها,

(*)

سعيد كان في عماء وجودي، ثم ظهر في حياته شخص اسمه أحمد، وانقذه من عذابات غرام(شقرة) وهو غرام بممر واحد، فالحبيبة (لم تكن تبالي به فكان يتعذب، ولولا أنه عرف أحمد ودرس على يده العشق الصوفي لما بقي ّ على قيد الحياة /79) وأحمد يظهر ثانية ً في الصفحات الأخيرة من الرواية، فهو لم يعد للعراق مثل سعيد، بل غادر أقفاص الأسر إلى أمريكا وهو الآن عائد من أمريكا وقد تزوج أمريكية أصبحت مسلمة /170) وحين يقرر سعيد مغادرة العراق بعد ظهور(الحاج وائل) ضابط مخابرات في نظام الطاغية، فأن أحمد هو الذي يثنيه عن ذلك، لأن السفر يتعارض مع تعاليم الصوفية (فلا تسافر فهذا يتعارض مع فكرة التصوف وهو الإيمان بالله وحب الوطن، والصبر على المكاره/ 147)

وهذا المرشد أو المثال الأعلى خاضرٌ في الرواية العالمية، وقد تداعت صوره في ذاكرتي أثناء قراءتي (بودلير في جبة الحلاج): وهذه تنويعات من المرشد الروحي

*زوربا اليوناني في روايته تحمل اسمه للروائي اليوناني نيكوسكزنتزاكيس، زوربا هو الذي ينقذ سارد النص وينظفه من فشله بعد انهيار المنجم الذي اشتراه، زوربا إنسان دنيوي ميداني يراقص الحياة رغم كل أوجاعه، رجل يحب النبيذ والنساء والفرح، فيتعلق به السارد، ويتوقف عن تكلمة أطروحته عن بوذا ويتعلم من زوربا، أن يتناول شعرية الحياة

بأصابع كفيه ودبكات قدميه ...

*فياض: المناضل الشيوعي السوري في رواية (الثلج يأتي من النافذة) للروائي حنا مينه، يتعلم الصمود والنضال من الكادح والمغني خليل

*شمس تبريز هو وحده من يمنح العالم الديني المترف جلال الدين الرومي :جهوية صوفية جديدة، ورقصة المولوي التي ماتزال في حلب والقاهرة وسواهما من الحاضرات العربية والإسلامية

*الخياط في (الشمس في يوم غائم) حنا مينه، هو الذي يعلّم الولد الثري سليل القصور رقصة الخنجر

(*) في رواية الدكتور سلمان كيوش(عركشينة السيد) يتحول سيد هاني الناجي مثالا أعلى لدى سلمان

(*)

تقنية الرواية تتجاور بين ثلاث تشكلات :

*سيرة روائية للذات

*يوميات روائية

*تحاورات ثقافية

 (*)

 في حوار أجرته صحيفة (طريق الشعب) مع الروائي غائب طعمة فرمان، بعد صدور روايته (المخاض)..

تحدث فرمان عن التقولات التي جرت حول كثرة المصادفات في الرواية، ثم تساءل فرمان أليس مثل المصادفات تجري في حياتنا اليومية.آنذاك حين قرأت كلامه أقتنعت كل الاقتناع . لكن بمرور السنوات ومن خلال لوثة المعرفيات التي تورطت بها، تحالفت مع الرأي النقدي الذي ينص أن الفن يشبه / يتقاطع مع الحياة في هذا الباب فالمصادفة في الرواية يجب أن تكون بمقدار، ولابد من توفير أسباب حدوثها. في (بودلير في جبة الحلاج) أشعرتني القوة الطاردة في قراءتي

برفضها لتكاثر المصادفات، ويشاركني (سعيد) وهو يدعو (أن يعنيه على إلغاء مثل هذه الصدف المارة بين الحين والآخر/ 59)

*ص44 الشيخ الذي مع سعيد ضمن ركاب السيارة، سيتفاجأ الشيخ وسعيد ونحن معهما : أن هذا الشيخ هو والد أحمد معلم سعيد في التصوف !!

*زوجة كريم، تتفاجأ أن ضيف زوجها هو سعيد (فأنكمش وجهها واختلف لونها، ماذا يمكن أن تعمل والجالس في بيتها ذاك هو الصبي الشقي الذي كانت تلاعبه في بيت مَن كانت تعلمها فن الخياطة/ 59) وزوجة كريم هي (شقرة) الحب الأول في حياة الصبي سعيد.

*يلتقي سعيد شابا، يسكن محلة مناوي باشا، فإذا الشاب هو ابن (سيزان) صديقه الحميم في الأسر

*رامي يلتقي سعيد في الكنيسة، فإذا به صديق المرحوم سيزان/ 59

* الحاح وائل، هو ضابط المخابرات الذي كان يطارد سعيدا في زمن الطاغية

*ص111 عبد الأله صديق سعيد في الفيسبوك، فيسأل عن صديقه منصور الذي تفاجأ بوفاته، فنتفاجأ بأن عبد الأله صديق منصور الذي توفى

(*)

في شخصية سعيد جماليات من الايجابيات، وكذلك فيه جهة سالبة : نتلمسها في الصفحات التالية : 106/ 107/108/ 143، فهو لا يعين زوجته في أسباب الحياة اليومية.

(*)

في الرواية خلايا سردية يمكن تنشيطها في رواية أخرى للشاعر هاني أبو مصطفى، شخصيا أتوقع منه الجديد المدهش في القصيدة والرواية

*هاني أبو مصطفى/ بودلير في جبة الحلاج/منشورات أحمد المالكي/ بغداد/ 2018

عرض مقالات: