حينما تلتقي بشاعر ومفكر ورحالة مثل باسم فرات ستكون في مفصل ثقافي يجعلك كمن يشعر بالسعادة لممارسة أشياء جميلة ولكنها خطيرة، كأنها القبلة الاولى أو السيكارة وكأس مع فنجان من القهوة. كأنك تريد ان تحتضن البحر. إنها نشوة الاكتشاف التي يقودك اليها باسم فرات بما يملك من كم هائل من المعلومات التاريخية التي يحاول أن يربطها بالذاكرة الجمعية وبالفن وباللغة العربية (معشوقته) التي يصر على أنها بوصلة التاريخ العراقي كمصدر اولي للعروبة. نعم العراق بالنسبة لباسم فرات (إقليم جغرافي) كيف يمكن تفسير هذه العبارة؟ وهل يوجد ما هو إقليم تاريخي وآخر جغرافي وأيهما أفضل وأقدم، المكانة التاريخية الزمنية للشعوب أو مكان إقامتهم ونشاطهم الثقافي (التدوين) والاجتماعي والاقتصادي؟
من منابر بابل إلى جنوب الجنوب، حول موضوع السيرة الذاتية، او أدب اليوميات التي امتهنها من قبل ابن بطوطة لتشكل تحديا للرحالة باسم فرات حيث يكتب في التقديم محمد احمد السويدي "شكل أدب اليوميات عماد مشروع "أرتياد الآفاق".. لكونه عد أن أدب السفر والتواصل مع الآخر الأهم في انفتاح ثقافة على ثقافات أخرى" ومن هذا التزاوج الثقافي يقدم باسم اهداءه في اخراج فني على ورقة معتمة "إلى جي..قبس سماوي بدد عتمة منفاي" فاذا كان أحدنا لا يستطيع ان تكتمل سعادته وحياته او كما يعبر عنه المتدين (كمال دينه) الا أن يجلب له الحظ المرأة التي تفهمه وترعاه وتضيء طريقه، وتخفف من عذابه اولا كانسان (عراقي) ثانيا كرجل (شرقي) ثالثا وهو الاهم كشاعر (اشكالي)!
*كتاب يكتب نفسه
باسم فرات كما عرفته لا يأكل ثمرة الابداع الا بعد النضوج التام لذلك هو يؤجل مشاريع الكتابة دائما ومنها (لا عشبة عند ماهوتا) دار السويدي للنشر والتوزيع – منشورات المتوسط-إيطاليا سنة الاصدار 2017 يقع الكتاب في 158 صفحة من الحجم المتوسط.
استخدم الكاتب الاسلوب (الكثيف) في السردية التي تكونت من ثلاثة اتجاهات مكانية مختلفة في الثقافة وطبيعة الحياة والحضارة. لكنه في جميع هذه الاماكن التي اصبحت محور السرد لدى باسم كاد يخرج بقناعة "أن لا حقوق لفئة في بلدان مثل العراق وسوريا خارج نطاق الدولة المدنية – الوطنية، دولة المواطنة الحقة التي تحتفي بالتنوع، وتفخر به، وتعمل على تكريس الاختلافات اللغوية والدينية والمذهبية والعرقية على أنها ثروة وطنية".
استخدم الكاتب فنيا ثلاث طرائق في اسلوب الكتابة (الشعر – السيرة الذاتية- ادب الرحلات) الشعر كان للوصف وهو من اهم عناصر التعبير عن الاماكن والطبيعة ورصد المفارقات الجغرافية، اما السيرة الذاتية فهي تناقش ما اكتسبه السارد "التطور الفكري والثقافي لا بد له أن ينعكس على تجربة الكتابة " ماذا بقي لأدب الرحلات التي يذوب فيها باسم فرات مع عادات وتقاليد الشعوب التي يعيش معها؟ فهو لا يعرف أن يتنفس اجتماعيا الا الاعجاب والاشادة بالمدن التي يبحث فيها عن خصوصية الاستقبال وضرورة التعايش. وهنا يسجل باسم في المؤلف موقفه من الاردن وعاصمتها (عمان) كما يتحدث عن لجوئه ومكان اقامته لسنوات تجاوزت 15 سنة في بلد اللجوء (نيوزلندا) – آخر بلد في العالم وأول بلد يستقبل شروق الشمس. اما المكان الثالث وهو مكان يعيش في قلب وعقل الكاتب حتى وان ابتعد عنه ملايين الكيلومترات فهو العراق – كربلاء- بغداد، وهو محق حينما يضع عنواناً ثانياً لكتابه بجملة (من منائر بابل إلى جنوب الجنوب) رحلة سوف نتمتع بها ونحن نعيش مع باسم فرات أسلوبه في (كتاب يكتب نفسه) وبايعاز من قبطان السرد المتنوع.

عرض مقالات: