تاجية البغدادي : مسافة من ضباب لندن إلى نخيل البصرة

مفتاح أمسية منتدى أديبات البصرة : في استذكار الشاعرة والكاتبة تاجية البغدادي (1946-2015)

بلقيس خالد

(لميّ عن الدرب بقايا الصغار

ودثري أشلاءهم في الجنوب

مرّي سبايا مِن سبايا الجنوب

وطمئني النوارس

فالأفق ناشف ٌ ويابس )

 أين ذاكرة البصرة الثقافية عنهن؟

أينها الذاكرة عن اللواتي تألقن في سماء الحراك الثقافي البصري والعراقي

في الصحف والأماسي والمسابقات الأدبية،

ودورهن في التوجيه الثقافي

للفتيات والطالبات .

ربما خطف خطفة سريعة في التواصل الاجتماعي التقني

لكن لم تبق اسمائهن على طرف اللسان

ومنهن شاعرتان بصريتان تألقتا ثم توارتا .. ربما لأسباب خارج التغطية

الشاعرة نهال العبيدي والكاتبة والشاعرة تاجية جواد البغدادي

هما الآن في الشاطىء الثاني

وليس مهمتنا نبش القبور، بل أن نشعل شموعهما الشعرية والأدبية للحضور

وهنا نحن نضيء شمعة استذكار الشاعرة تاجية البغدادي

في منتدى أديبات البصرة  لنصغي ونستعيد ونحتفي بحياتها الشعرية من خلال نصوصها

(أبسط ُ كفي

أشاهد أنهارها

نهرٌ يسير نحو القلب

نهرٌ للحيرة الدافئة

نهر يتأبط صارية الغيم

نهر للمعطف الذي يلف الذراع

والنهر الخامس لا مصب له

لاحول للبحر.... إلا النشيج)

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لغة ٌ تحلم ُ بالتفاح : تاجية البغدادي

الورقة المشاركة في أمسية منتدى أديبات البصرة 6/  2/2019

مقداد مسعود

قرأت للأديبة تاجية البغدادية(طيّب الله ثراها) مقالات، وهذه المقالات كانت في صحيفة المرفأ البصرية تنشرها في السبعينات، لم أقرأ لها شعرها إلاّ قبل سنة تقريبا

حيث أعارني الأستاذ إحسان السامرائي- مشكورا - ديوانين للشاعرة تاجية البغدادي (تكلم أنت أيها الصمت) و(هل غيض صوتك شهرزاد) ..

(*)

قصائد (تكلم أنت أيها الصمت) مذيلة بالتواريخ التالية (1994- 1995- 1996) الديوان الآخر(هل غيض صوتك شهرزاد) : قصيدة (حوار وقصيدة) في 1989،قصيدة (عفوك أني)1987 وقصيدة (وتحضن أطفالها الذكريات) في1991،أما القصائد التسع الباقية،فهي غير مؤرخة .

(*)

ديوان (تكلم أنت أيها الصمت)،في قفا الصفحة الأولى نعرف أن النسخة هذه هي الطبعة الاولى، 1997 وهي صادرة من مؤسسة الرافد للنشر والتوزيع / لندن

 الديوان الثاني(هل غيض صوتك شهرزاد) بنفس أناقة الديوان الأول، ويتفوق عليه بتخطيطات داخلية جميلة، كأنها قراءة تشكيلية للقصائد، التخطيطات وصورة الغلاف من إبداع(دينا الخالدي) في ص41 حيث تتموضع قصيدة(ما أصعب الشوق) استوقفني الإهداء(إلى دينا أبنتي) ربما هي إبنتها، أما (تكلم أنت أيها الصمت) فلا يوجد توقيع في لوحة الغلاف الجميلة

(*)

هل نشرت الشاعرة مجموعات شعرية ،قبل هاتين المجموعتين أو بعدها؟!

هل استأنفت  جماليات سرديات الوجيز المقالاتي، مثل تلك التي كانت تنشرها في الصفحة الأخيرة من جريدة المرفأ؟

(*)

 بين المجموعتين الشعريتين، وشائج أسلوبية شعرية، كما تقتسم المجموعتان نبرة ً صوتية واحدة، تذكرني بأمجادها هذه النبرة في السبعينات

(*)

ثمة تجاورلساني بالمعنى العضوي في الثريتين (تكلم أنت أيها الصمت) و(هل غيض صوتك شهرزاد)،أعني في الثريتين تنهض سيادة اللالسان .وكذلك في العنوان الأول ثمة عقلنة  ذكورية للصمت من خلال الضمير المنفصل للمذكر (أنت)..ستقف قراءتي عن مفردة : الصمت.

(*)

في كتابه (مفردات ألفاظ القرآن) تحقيق صفوان عدنان داوودي/ دار القلم/1996/ بيروت) يخبرنا الراغب الأصفهاني:(الصمت أبلغ من السكوت) وهو عدم الحديث مطلقا، وفي الصمت يتجسد موقفا معينا، قد يكون موجعا، كما هو الحال في رواية (الصمت) للروائية إلهام عبد الكريم، فالشخصية المحورية : الأم : لا تكلّم حتى أفراد عائلتها، لكن حراثة السرد تمنحنا مفاتيح ثرة،للتأويل. وفي المجوعة قصيدة تحمل عنوان (صمت) وهي بضمير المتكلم الذي يأخذ صيغة منولوج وتنتهي القصيدة بنذير مخيف

(قريبا يحل ... زمان ... السكوت

...............

زمان السكوت)

والقصيدة محاولة لتدريب الذات ليس على الكلام، بل ..الصريخ

(أهيىء ُ روحي

 لصرخة ِ روحي

لأدرك ما فاتني من كلام ٍ

وأسأل ُ ألا يطول أنتظاري

كأني أدور بغير يدين

ألمُ

خطاي وأمضي إلي

وأقتلع الروح َ من دفئها)

وستطوف القصيدة في حول هذا المدار

والذات هنا أنتبذت مكانا قصيا

(بعيدا ً عن المفردات الكئيبة

بعيدا عن الساحة الساخنة)

ثم....

(بعيدا عن المفردات الجميلة )

(أمشي لزاوية ٍ لا تراني)

(وأجلس في دكّة الأفق وحدي

ألوك كلاماً سخيفا

لأهذي .. وأهذي)

ثم تركز القصيدة على واحدية الوجع الإنساني

(أغني بعكازة واحدة

أدور ُ بعكاز واحدة

وأشهق ُ من رئة واحدة)

وثمة صوت يحاول تجاوز السكوت،فالسكوت قطع ٌ للكلام وهو كما يخبرنا أبو هلال العسكري في( الفروق اللغوية) (السكوت :هو ترك الكلام مع القدرة عليه، وبهذا القيد يفارق الصمت، فإن القدرة على التكلم غير معتبرة فيه) و(السكوت إمساك عن الكلام حقا أو باطلا،أما الصمت فهو إمساك عن قول الباطل دون الحق)

وهناك تأويل صوفي يشتغل لغويا : جاء في كتاب (فيض القدير) للشيخ المناوي عبد الرؤوف تاج العارفين، بالنسبة لي استلطفته (الصمت فقد الخاطر بوجد ٍ حاضر.وهو سقوط النطق بظهور الحق..بالنسبة للشاعرة تاجية البغدادي، تخترق الصمت بقصيدة تتقصد العنونة المتساءلة (هل اكمل السرد؟)

(*)

العنوان الآخريحتج متسائلا، بلا علامة إستفهام وياء المنادى (هل غيض صوتك شهرزاد) والفعل غيض بشكل تلقائي يحيلنا جميعا إلى القرآن الكريم

(وقيل يا أرض أبلعي ماءكِ، وياسماء أقلعي، وغيض الماءُ، وقضي الأمر وأستوت على الجودي)

وهنا استعدت بيتا شعريا لذيذا، قاله أبو مسلم البهلاني

(فأن غيض عنها الماء غاضت حياتُها  وعادت هشيما للتراب يعود)

قصائد الشاعرة تاجية جواد البغدادي،في المجموعتين،تدور القصائد حول ماخلفته الحروب فينا

(*)

تستوقفني هذه القصيدة الأجمل، والتي تستوجب حراثة نقدية،فالقصيدة تطمح لقنص كل ماهو مميز لغويا، وتشغيله في مشغلها الشعري، وهذا ليس طموحها فقط بل هو طموحنا أجمعين..

(دعاء)

من يقرضني دورة خبز

في عروق ساخنة ؟

قرب زقاق الفجر ؟

متى تتم لي النعمة ياإلهي ؟

فاجعل للغة طعم التفاح

وشكل شجر الخشخاش

وحجم حجر الفلاسفة

ولا تطلع شمس إلا

وطفل الفضاء يحمل

قطوف جسدها

وكلاهما على مصلى واحد

وسجادة واحدة

ولهما ما يشتهيان من حبر

الموده

ورذاذ الحروف .