من أجل إقرار الحدّ الأدنى للثقافة في موازنة ٢٠١٩

اتحاد الأدباء: كفى تجاهلاً وتهميشاً للثقافة العراقية..

بمناسبة وضع اللمسات الأخيرة على موازنة عام ٢٠١٩، يتجدد الحديث عن ضرورة إعادة النظر في الكثير من مفردات الميزانية الخاصة بالوزارات والمحافظات والهيئات والمؤسسات المستقلة لكي تلبي احتياجاتها، وتنصفها قبل إقرارها من مجلس النواب، بعد أن كشفت المقارنات بين بعض الأبواب المتماثلة عن وجود تفاوتات غير منطقية في التخصيصات لهذه الجهة أو تلك.

ويحق لنا، نحن المثقفين والمعنيين بالشأن الثقافي، أن نرفع أصواتنا عالياً نظراً للغبن الذي تعرض له القطاع الثقافي، الرسمي ممثلاً بوزارة الثقافة والإدارات الثقافية التابعة للحكومات المحلية، والشعبي ممثلاً بعدد كبير من المنظمات والاتحادات والمجالس والنقابات الثقافية غير الحكومية التي تسهم بفعالية في إدامة النشاط الثقافي والارتقاء به دونما دعم ملموس لأنشطتها من قبل الدولة التي يفترض بها أن تقدم دعماً رسمياً لأنشطتها على وفق ما جاء في المادة (٣٥) من دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥ والتي تنصّ على أن "ترعى الدولة النشاطات والمؤسسات الثقافية، بما يتناسب مع تاريخ العراق الحضاري والثقافي وتحرص على إعتماد توجهات ثقافية عراقية أصيلة".

وللأسف، فلو راجعنا السنوات الست عشرة الماضية من الحكم، لوجدناها سنوات عجافا في ما يخصّ الثقافة العراقية، فقد ظلت الثقافة العراقية الحكومية وغير الحكومية، مهمشة ومهملة ومزدراة من قبل الرئاسات الثلاث، بل ان المؤسسة الحكومية المسؤولة رسمياً عن إدارة النشاط الثقافي، ونعني بها وزارة الثقافة، تعرضت هي الأخرى الى الغبن والإجحاف، فقد ظلت ميزانيتها طوال هذه السنوات في ذيل ميزانيات بقية الوزارات والمؤسسات، أما القطاع الثقافي غير الحكومي فقد تعرض الى التجاهل الكلي، ولم تلتزم الحكومة الاتحادية ولا مجلس النواب بالأخذ بمحتوى ما جاء في المادة (٣٥) من دستور جمهورية العراق بدعم الثقافة العراقية ورعايتها، حتى خيّل للمثقفين العراقيين أن جميع القوى السياسية والكتل البرلمانية، التي تختلف فيما بينها على كلّ شيء تقريباً، تكاد أن تلتقي في الموقف من الثقافة العراقية من خلال إهمالها وتجاهلها وربما تكفيرها وتأثيمها.

وقد بات من المعاد القول بأهمية الثقافة بوصفها ركناً أساسياً في التنمية المستدامة في ضوء المعايير الدولية لأية تنمية جذرية والتي تعدّ الاهتمام بالثقافة مؤشرا أساسياً لنجاح أية خطة للتنمية البشرية المستدامة التي وضعت مؤشراتها ومعاييرها منظمات الأمم المتحدة في تقاريرها السنوية الخاصة بالتنمية، والتي ظلّ العراق، وللأسف منذ العام ٢٠٠٠ ولحد الآن غائبا عن حقولها وجداولها لأسباب كثيرة منها غياب البيانات الرسمية الخاصة بمؤشرات النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي التي يفترض أن تقدم للأمم المتحدة سنوياً فضلا عن تردي مستوى الأداء وغياب البرامج الواضحة، وفي مقدمتها تردي مستوى الأداء في القطاع الثقافي، الحكومي وغير الحكومي، والذي تتحمل مسؤوليته الحكومات العراقية المتعاقبة.

لقد سبق للاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، وأن قدّم عشرات المذكرات التفصيلية الى الجهات الرسمية في الرئاسات الثلاث، والخاصة برعاية الثقافة العراقية ومؤسساتها دون أن يجد آذاناً مصغية، بينما وجدنا هذه الجهات تزيد من المخصصات الخاصة ببعض الأنشطة والفعاليات كالرياضة مثلاً، وهي بالتأكيد مهمة، لكن الثقافة العراقية ظلت مهملة ومقصاة.

ونحن اليوم إذ نرفع أصواتنا عالية ونحن نخاطب الرئاسات الثلاث التي نعرف توجهاتها الثقافية المنفتحة ومنها فخامة رئيس الجمهورية د.برهم صالح الذي نعرف مواقفه السابقة في دعم الثقافة العراقية، ودولة رئيس الوزراء د.عادل عبد المهدي وهو كاتب وباحث اقتصادي وتربطه بالمثقفين العراقيين وشائج قوية، وسيادة رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي الذي يحمل روحاً شبابية منفتحة ورغبة صادقة في دعم مختلف جوانب التنمية ومنها الثقافة العراقية، نتوجه اليهم لإنهاء القطيعة التأريخية بين مؤسسات الدولة الرسمية وبين الثقافة العراقية، ونقول لهم بصراحة أن الثقافة هي التاج المشرف والمضيء الذي يكلل هامات الأمم المتحضرة، وان أمة بلا ثقافة لا مكان لها في التأريخ، كما سيعدّ المثقفون العراقيون استمرار الحال على ما هو عليه من إهمال وتجاهل للثقافة بمثابة سبّة وإدانة لجميع هذه الجهات وتدفع بالمثقفين العراقيين الى إعادة النظر بعلاقتهم مع مؤسسات الدولة العراقية ومشروعاتها وبالتالي إتهامها بالتخلف والنكوصية والرجعية وضيق الأفق والسقوط في فخ العداء السريّ وغير المعلن ضد كلّ ما هو ثقافي وتنويري ومستقبلي، ونقول للأصدقاء والأعداء علانيةً أن الثقافة العراقية بقدراتها الذاتية استطاعت أن تتفوق وأن تفرض حضورها الإبداعي في مختلف ميادين الكتابة، في النشر والسينما والمسرح والفنون التشكيلية والتراث الشعبي والمعماري والآثاري دونما دعم ملموس من قبل مؤسسات الدولة التي يفترض فيها أن تدعم هذه الإنجازات وأن لا تتجاهلها أو تعاديها.

ولذا فنحن نطالب مجلس النواب الموقر، رئيساً وأعضاء، أن يعيدوا النظر بصورة جديّة في تخصيصات دعم الثقافة في القطاعين الحكومي وغير الحكومي، ورفع الغبن التاريخي الذي طال الثقافة العراقية، كما ندعو الحكومة الاتحادية ورئاسة الجمهورية الى منح المثقفين العراقيين مكانة أكبر، فهم رقم لا يمكن تجاوزه، لأنهم ببساطة ضمير الأمة وعقلها التنويري وروحها التجديدية المتوقدة، وان المثقفين العراقيين يعدّون الموقف من الثقافة معياراً أساسياً للحكم على حضارية وجدّية أية جهة حكومية أو حركة شعبية أو حزبية.

إنّ الوسط الثقافي العراقي يطالب بتخصيص الحدّ الأدنى من موازنة الدولة ١٪؜ لدعم الأنشطة الثقافية ومنها دعم أعمال التنقيب الآثاري وصيانة المواقع الآثارية التي تعرضت الى الإهمال والتوقف بسبب شحة المخصصات المالية، في الوقت الذي كانت أعمال التنقيب قد بدأت منذ القرن التاسع عشر وتواصلت طوال القرن العشرين كاشفة عن إرث حضاري مشرف، أكد مقولة أن وادي الرافدين هو مهد الحضارة الانسانية، حيث خطّ أول حرف كتابي في العالم.

اذاً ليس من الإنصاف أن لا يشهد القرن الحادي والعشرين حتى الآن أية تنقيبات آثارية جدّية، عراقية أو عالمية، وظلت الآلاف من المواقع الآثارية بكراً تنتظر الأيدي التي تكشف عما في أعماقها ودواخلها من أسرار وحقائق وكنوز مادية وثقافية.

كما يؤكد المثقفون العراقيون على أهمية دعم الأنشطة الثقافية في مختلف المحافظات العراقية من خلال الإعلان عن تشكيل المجلس الأعلى للثقافة الذي يأخذ على عاتقه مهمة دعم النشاط الثقافي غير الحكومي للمؤسسات والاتحادات والنقابات الثقافية، كما يؤكد المثقفون على أهمية إنشاء مراكز ثقافية في المحافظات والمدن المختلفة وتخصيص ميزانيات كافية لإدامتها نظراً لإهمال الحكومات المحلية للأنشطة الثقافية، وأحياناً معاداتها لها.

ويعبّر المثقفون عن استغرابهم للأسباب التي دعت الى إيقاف المنحة السنوية التي كانت تقدّم للأدباء والفنانين والإعلاميين والتي أقرّت وصرفت لسنوات أربع ثم توقفت فجأة دونما تقديم أيّ إيضاح معقول، ولذا فإن اطلاقها أمر قانوني وشرعي ما لم يصدر قرار رسمي مسبب بإيقافها أو قطعها.

لا نريد أن نقول، بمرارة، لجميع المسؤولين في الدولة العراقية، بأنكم قد ملأتم قلوبنا قيحا، وأننا نخاطب من في أذنه وقر، وكلنا نأمل مع المتنبي أن تسمع كلماتنا من به صمم.

ونقولها، بأسى، أن مكانة أيّ سياسي أو مؤسسة رسمية تتجلى أساساً في الموقف من قضية الثقافة وحرية الفكر والتعبير، وأن التأريخ سيحكم بقسوة على أولئك الذين يهمشون الثقافة أو يعادونها ويكفرونها، وأن الثقافة العراقية، شاء من شاء وأبى من أبى، ستواصل رغم الجحود مسيرتها المعطاءة الى الأمام بقدراتها الذاتية وتضحيات مبدعيها وعطاءاتهم وهم يرفعون اسم العراق عاليا في المحافل والمؤتمرات والمسابقات العربية والعالمية.

وكفى تجاهلاً وتهميشاً وعداءً للثقافة العراقية..

الاتحاد العام للأدباء والكتّاب

في العراق

الاثنين ٢١/ ١/ ٢٠١٩