إنَّ رحيل الشاعر/عريان السيد خلف/ يُوجب علينا الكثير من الالتزامات الادبية والاخلاقية اكثر من أيِّ وقتٍ مضى، كون الرحيل غياباً ابديّاً، والشاعر في حياته كان يملأ مساحته الوجودية بحضورٍ بهي، أما في الغياب، ورغم حضور اطيافه الشعرية التي ستستمر طويلاً، الّا ان الفقدان يُلزمنا ان نُضيء جوانب أُخرى من هذا الحضور. من هنا وددت الاشارة الى مقدمة الشاعر مظفر النواب لديوان الشاعر الراحل (صيّاد الهموم)  لما تعنيه هذه المقدمة من اهمية، كونها تصدر عن شاعر كبير أوجد التحول التجديدي والتحديثي في مسار الشعر الشعبي العراقي .

كانت المقدمة بعنوان (ولأنه ُ الليل)..، ومثل هذا العنوان يوحي بالخوف ، الخوف من الظلام الذي يُقوّض النهار ، نهار الشاعر الحالم بمسك كل المساقط الضوئية كي يشعل الحياة شعراً، وأرى ان النّواب كان يخشى انخطاف الشاعر من لحظته، وهذا ماحصل فعلاً .

لم يتناول النواب في تقديمه سوى قصيدة واحدة ، هي قصيدة (المعيبر عبد ..، ومثل هذا الاختزال يرتبط جمالياً وفنيّاً بموقف الشاعر من الشعر وفكرة الشعر بصورة عامة، إضافة الى ما يرتبط بخصوصية الذائقة والتذوق .

يقول النّواب في خُلاصة مقدمته: ليست هذه مقدمة لصديقي عريان، إنما اردت ان أشير الى جماليات وجروح لمقاطع من قصيدة واحدة، اردت ان أشير الى ما يزخر به عالمه، تاركاً للقارئ الصديق مفاتيح لدخول ذلك العالم، هكذا علّمني استاذي في عالم الالوان حافظ الدروبي الانسان والفنان رحمه الله. وبعد...

عبد هلگد طُمع بمحبة الناس

إو تريد اشكَد بعد تنحب يمحبوب .

إننا نُحبّك اكثر من " اشگد " هذه ياعبد.. ياعريان السيد خلف ابن ارضنا العراقية العظيمة ، ونسمعك من منافينا تؤنس وحشتنا التي لا تنتهي الّا اذا عدنا الى تلك الارض بشراً أحياء، أو شواهد قبور، ونعرف انَّ عراقنا يزخر بالنواطير الحقيقيين وله حسابه مع النواطير الذين جلسوا في حضن اللصوص.

وفي مقطع آخر يقول: وأجدني اشتد ويزداد عودي مع صلابة عوده، ولكني لستُ مع اجتهاد الإخماد أو التغاضي عن الجانب الآخر من الصورة أو النسيان، انا ضد أن ننسى وإنما أن نظل ونتجاوز، لعريان عشق بمذاق خاص:

ووادد للعمر كل ذرّة تراب

إو على حبّة سنبلة إو حُب النساوين .

" نساوين" هذه تؤذي جمالية البيت ، فالايحاء الشائع لهذه الصيغة يضعف المواددة.. يقال "حجي نساوين " وكأنَّ في الصيغة عدم الجدّية.. اين هذا من ذلك التأجج والقيمة الجمالية للمرأة وهو ينتشي: الفرح كَذلة احديثه املاگيه الريح..إوهامة الماتهاب اترابها اتطيح .

عريان في قصيدته والنواب في مقدمته، تشاركا في اللحظة الابداعية...

عرض مقالات: