تمثل ثورة عام 1920 في العراق منعطفا تاريخيا في تاريخ المعاصر كونها من اولى الثورات في البلدان العربية التي وقفت بوجه الاطماع البريطانية والتطلع لبناء دولة مستقلة تماما ومستفيدة من الظروف الدولية التي أفرزتها فترة نهاية الحرب العالمية الاولى والدعوات لاستقلال الولايات العثمانية العربية وحقها في تقرير مصيرها في شكل " دولة عربية " او " اتحاد لدول عربية !" كما ورد في التعهدات البريطانية للشريف حسين في عام 1916 ، وتصريح الجنرال مود في 1917 ، والتصريح الانكليزي -  الفرنسي عام 1918 وتصريحات الرئيس الامريكي آنئذ ويلسن ،...الخ . ولذلك كانت هذه الثورة ومازالت موضع اهتمام الكثير من الباحثين ، المختصين وغير المختصين ، عراقيون وأجانب ، لاسيما وان شكل وبنية العراق المعاصر السياسية كانت النتيجة المباشرة لتلك الثورة  بعد ان كان عبارة عن ولايات عثمانية نائية تعاني من الاهمال ، فتباينت الآراء والأطروحات التي كانت الثورة وأحداثها المادة التاريخية والاجتماعية والسياسية على مدى القرن المنصرم ، فكل باحث ، او مجموعة من الباحثين ، فسر تلك الثورة إنطلاقا من الأفكار والايديولوجية التي يؤمن بها.

فمن أولى الدراسات التي تناولت أحداث الثورة وثائقيا وأهمها تلك التي كتبها كل من العراقيين والانكليز الذين شاركوا في تلك الاحداث وصنعوها والتي أثرت الى حد كبير في الدراسات اللاحقة .فمن بين الدراسات البريطانية التي نظرت نظرة سلبية للثورة ما كتبه اؤلئك ممثلوا سلطات الاحتلال المدنية والعسكرية البريطانية في العراق عند قيام الثورة ولذلك عمدوا الى تشويهها. فقد وصف لونكريك الثورة "مجرد تمرد القبائل التي وقفت ضد تأسيس حكومة وطنية عراقية "، وعزى اسبابها الى " تناقضات دينية حادة بين انكلترا المسيحية والعراق المسلم ..." .1 ثم ماذكره السر آيلمر هولدين القائد العام للقوات البريطانية في العراق عند نشوب الثورة ووصفها " بالتمرد " و "العصيان "، وكذلك ما كتبه الكولونيل ويلسن، وكيل الحاكم الملكي العام في العراق آنذاك الذي أفضى موقفه الاستعماري المتصلب الى نشوب الثورة .2 وكان ذلك الموقف موضع نقد من قبل لورنس العرب في المقالات التي كتبها في جرائد لندن يومذاك ضد ويلسن وادارته المدنية في العراق3 .كما حاول ممثلوا الحكومة البريطانية في البرلمان البريطاني تصوير الثورة في بداية احداثها على انها " مصاعب مؤقتة في نظام الاحتلال، وانها لا تخرج عن إطار الغزوات الاعتيادية للبدو، بل وذهبت الوثائق الانكليزية الى تفسير التحركات المعادية للانكليز " بالتشجيع التركي – الالماني "، واتهام المرزا محمد رضا الشيرازي (ابن المرزا محمد تقي الشيرازي ) "باتصاله بالبلاشفة الذين أعلنوه في برقية مكشوفة رئيسا لحركة التحرر من البريطانيين ...، وانه يعمل من أجل القضية البلشفية في كربلاء، وان هؤلاء ينالون تعاطف جميع الاشخاص الذين يعملون ضد بريطانيا أمثال البلاشفة والثوار الهنود والكماليين لأن مصطفى كمال بلشفي صريح الان ...ولذلك فان سبب إندلاع الثورة يجب البحث عنه خارج العراق !! ". 4 هذه هي رؤية السلطات العسكرية البريطانية في العراق آنذاك لتبرير سياساتها الجائرة في البلاد .

أما الدراسات التي كتبها الاكاديميون والسياسيون وشيوخ القبائل العراقيون طيلة القرن الماضي فهي مختلفة باختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية والاجتماعية . وتمثل مذكرات السياسيين وكتابات شيوخ القبائل الذين شاركوا في احداث الثورة من اهم مصادرنا وان تميزت "بالأنا" وإبراز الذات وكتبت في مراحل لاحقة وليس في زمن الثورة وبعد ان تحول أغلب زعماء القبائل الى طبقة ارستقراطية اقطاعية ومُلاكا غائبين في العهد الملكي واصبحوا جزء من النخبة السياسية وأعضاء في البرلمان . في حين تباينت كتابات الأكاديميين بتباين المناخ السياسي السائد في البلاد او بالانتماء السياسي للكاتب أصلا . ولذلك كانت كتاباتهم ذاتية اكثر منها موضوعية . ويرى بعض القوميون العرب والمفكرون الحداثيون ان ثورة العشرين لابد من النظر اليها ضمن بدايات الحركة القومية العربية والنهضة الادبية العربية التي بدأت ملامحها منذ اواخر العهد العثماني التي هدفت الى بلورة قومية علمانية ونموذجا غربيا للتحديث5، فالبعض يرى أن ثورة العشرين حدثت بتأثير انهيار المملكة العربية السورية التي أسسها فيصل في دمشق، وآخرون يرون انها تأثرت بثورة مصر عام 1919م، ونجاح مصطفى كمال أتاتورك في تركيا . " وان حركة الضباط العراقيين في دير الزور وهجومهم على تلعفر في حزيران كانت من العوامل المهمة التي ساعدت على إثارة "الشعور القومي "وتهيئة الأذهان للثورة في العراق .6

وفي الوقت الذي يرى فيه الفياض ان ثورة العشرين قد تعلمت الدرس من فشل الحركة الاسلامية التي قادها العلماء في مقاومة الاحتلال البريطاني في عام 1914م، نرى غسان العطية و وميض نظمي يشددان على دور جمعية العهد العراقية على نحو خاص والتقدم من سوريا نحو تلعفر لتحريرها من السيطرة البريطانية . وقد اشارا الى دور العلماء والمجتمع القبلي في منطقة الفرات الاوسط، الا انهما قللا من جانب آخر من دور العلماء الشيعة ووضعا نشاطهما ضمن شبكة أوسع للحركات القومية العربية المعادية للاستعمار . وذهب وميض نظمي الى أبعد من ذلك عندما يذكر ان " رابطة الدفاع عن الاستقلال " كونها " حزبا قوميا عربيا " على نحو متقارب مع جمعية العهد وان غرض نشاطها " وحدة العرب "! 7، و" انها حربا وطنية من اجل الاستقلال رفعت شعار الوحدة العربية الى جانب استقلال العراق " 8. ووفقا لذلك فان تفسير ثورة العشرين بوصفها رائدة للقومية العربية يتناغم مع آيدلوجية نظام البعث في العراق (1968-2003م) الذي وضعها بموازاة حركة رشيد عالي الكيلاني في عام 1941م، وثورة عام 1958م، كحركات ثورية ضد الامبريالية والاستعمار .

وعلى النقيض من التفسير اعلاه لثورة العشرين ظهرت دراسة المستشرق الروسي كوتلوف الذي تبنى المنهج الماركسي في تفسير احداث تلك الثورة، والتي تميزت بتحليل علمي للعلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق التي مهدت للثورة . وأخذنا نقرأ ذلك التحليل بمصطلحات " طبقية" لتوضيح موقف الطبقات المختلفة للمجتمع العراقي أثناء الثورة، كونها " ثورة الفلاحين والبدو والعمال والحرفيين العراقيين المناضلين ..."، وهي " ثورة الجماهير الوطنية التحررية التي فتحت الطريق لنضال الجماهير الشعبية في العراق ..." .9 وأغلب الظن أنه من الصعب الحديث عن "مجتمع طبقي " و" شعور طبقي "، وعن "عمال وكومبرادور" في العراق في مطلع القرن المنصرم، كما ان المؤلف "ساوى بين الاضطرابات والحوادث المنعزلة التي عالجها (الاضطرابات في زاخو والعمادية مثلا ) وبين الثورات والحركات ذات الأهداف الوطنية الواضحة ( ثورة الشيخ محمود بالسليمانية )من جانب، ولم يوضح الصلة بين ما كان يجري في مناطق الفرات الاوسط وتلك الحركات في الشمال التي يبدو ان طابعها كان محليا من جهة اخرى، لربما بسبب تباين المواقف بين فرع جمعية العهد في الموصل ومركزها في الشام الذي كان يفضل قادته التعاون مع الانكليز وليس إخراجهم منه، في حين كان يرى فرع الموصل للجمعية " ان الحل للقضية الوطنية للعراق يقوم على التعاون مع الاتراك والروس البولشفيك لا مع الحلفاء كما يرى قادة العهد العراقي في الشام10 . ليس الهدف هنا أن نقدم تحليلا نقديا لدراسة كوتلوف، انما للتذكير انها دراسة تمثل منهج الاستشراق الروسي بصورة خاصة في دراسة التاريخ العربي والاسلامي والتاريخ الانساني عامة .

كان من الطبيعي لقوى المعارضة الاسلامية لنظام البعث ان تقدم تفسيرا بديلا لثورة العشرين . فمنذ سبعينات القرن الماضي بدأ مفكروا حزب الدعوة الاسلامية باعادة تفسير ثورة العشرين بوصفها إنعطافة مهمة في تاريخ الحركات الاسلامية (حسن شبر، وعبد الله النفيسي، الجمعية الاسلامية بكربلاء، حرس الاستقلال) وركزوا على تأثير الثورة الدستورية في ايران وليس على العروبة والقومية كونها أساسا للتطور في العراق، وعلى دور العلماء الشيعة فيها وخاصة موقف السيد محمد تقي الشيرازي الذي خلف السيد اليزدي في قيادة المرجعية الدينية في كربلاء والنجف الأشرف والذي يعد نقطة تحول حاسمة في الحركة المعادية للبريطانيين، اي بعبارة اخرى، التأثير الحاسم للحوزة على الحركات السياسية حتى ذهبت صحيفة (صوت العراق)الناطقة باسم حزب الدعوة الاسلامية في لندن الى ان " ثورة العشرين قد تمت قيادتها من قبل الشيرازي لتأسيس حكومة اسلامية ".11

كما ركزت القوى الاسلامية على الرأي الذي يرى ان نشأة احزاب اسلامية سياسية عشية ثورة العشرين،  قد مهد الطريق لتلك الثورة ويؤكدون ان ثورة النجف عام 1917ضد بريطانيا هي الخطوة الاولى، اذ يصفون تلك الثورة باللحظة التاريخية، لأن الاسلاميين هم من قادها مثل العالمين الشيعيين محمد الجزائري، ومحمد بحر العلوم ومن ثم تأسيسهما لحزب اسلامي تمثل " بجمعية النهضة الاسلامية" حيث يعتقد البعض إنها أساس " اليقظة الاسلامية"12 .

واستنادا لهذا التفسير الاسلامي، فان دور المدن المقدسة النجف وكربلاء يجب ان يقدر في بناء الدولة، لا ان يتم القفز عليه بحجة ان ذلك ربما يقود الى " انفصال الجنوب الشيعي"، وعلى العكس مما يذكره النفيسي ان هدف ثورة العشرين لم يكن " البحث عن إنفصالية إقليمية "، بل تأسيس دولة اسلامية عربية مستقلة وانتقد برسي كوكس الذي حجم الرغبة لدولة عربية اسلامية عربية مستقلة الى أخرى قومية حددت ضمن حدود المملكة العراقية الهاشمية آنذاك . والى ذلك أشار "إعلان شيعة العراق" الذي اصدرته تجمعات المعارضة في لندن عام 2002م الذي ذكر ثورة العشرين معلقا ان هدفهم هو تحقيق ما تم فقدانه في اعقاب ثورة العشرين .13

اما المستشرقة اليابانية كيكو ساكاي تتبعت في دراستها المعنونة " ثورة العشرين : دراسة في الحزاب الياسية والشبكات الاجتماعية في العراق 1908-1920 " خطين تناميا على نحو متواز عشية تأسيس الدولة العراقية الحديثة مثلت جمعية العهدالخط الاول باتجاهه القومي العروبي والامتداد القومي للعراق، في حين مثل الخط الثاني جمعية حرس الاستقلال ذات التوجه الوطني العراقي الذي دعا الى ترسيخ الهوية الوطنية العراقية، الا انها أضافت البعد العشائري والديني ايضا، اي العشائر العراقية وعلماء الدين، وبذلك كانت ثورة العشرين " أول حدث شامل جمع مختلف مكونات الشعب العراقي، ومازالت هذه الخطوط فاعلة في المشهد السياسي والاجتماعي على مدى تاريخ العراق الطويل". كما ربطت ساكاي بين ما أنتجته ثورة العشرين من وطنية " جنينية " Proto-Nationalism مع محاولة الانتفاضة الشعبانية في عام 1991م ضد نظام البعث بلورة مثل تلك الوطنية، الا انها فشلت لعوامل عدة .14

يبدو مما تقدم أن هذه التفسيرات تعكس أهمية هذه الثورة في المخيال العراقي ليس لأنها شكلت الدولة العراقية المعاصرة او عكست درجة من "وحدة الصف " العراقي فحسب، بل لأنها تمثل جزء مهما من الذاكرة التاريخية للعراقيين يعتزون بها حتى اليوم . فهل استثمرت النخب الفكرية العراقية نتائج تلك الثورة لبناء هوية وطنية جامعة متماسكة خلال العقود الماضية ؟ لسوء الحظ، الجواب كلا نتجة لعوامل داخلية وأخرى خارجية . فالبرغم من فشل الثورة عسكريا، الا انها أقنعت المحتلين بعجزهم عن حكم العراق حكما مباشرا، وكما هو الحال اليوم مع الاحتلال الأمريكي بعد عام 2003، لجأ الاحتلال الى أساليب المكر والخديعة والالتفاف على طموحات الشعب العراقي التي نادت بها الثورة كمحاولة لكسب الوقت لتثبيت القوى المؤيدة له في السلطة والحكم والاستفادة من ميزات الحكم للتمدد شعبيا واقتصاديا ومأسستها سياسيا . والمتتبع لأساليب الاحتلال الامريكي اليوم يرى تطابقا مع أساليب الاستعمار الانكليزي في الفترة 1921-1958م، فكلما يشتد الصراع بين الشعب وسلطات الاستعمار يلجأ المحتل الى أساليب التهديد والترغيب وطرح شعارات جديدة غرضها امتصاص النقمة العامة ومن ثم الالتفاف على الحركة الوطنية، ومن ثم ضربها الواحدة بعد الاخرى . ولا نريد ان نحلل هنا مظاهر السياسات الاقتصادية والسياسية في العهد الملكي لأن ذلك يتطلب تفيصلا خارج هدف هذه الدراسة (تثبيت الاقطاع، ضرب الصناعة الوطنية الناشئة، ربط الاقتصاد الوطني بالاقتصاد الرأسمالي بتشجيع الاستيرادات، وخلق فئة وكيلة لمصالحه، انشاء القواعد العسكرية، ربط البلاد بالمعاهدات الجائرة، اثارة قضايا الحدود ومشكلة الموصل، تعطيل الصحافة المعارضة وكم الأفواه وشراء الذمم، تأسيس احزاب وطنية مستعدة لتولي الحكم في ظل المشورة البريطانية..). فالاحتلال يدرك جيدا انه لا يستطيع مواجهة شعب موحد متراص الصفوف، وهذا ما حدث في ثورة العشرين، لذلك لجأ الى سياسة "فرق تسد "ولاسيما في العراق ذي القوميات والملل والمذاهب المتعددة .15

حقيقة ان ثورة العشرين انتجت نظاما سياسيا يدار بواجهة عراقية محلية ونظام برلماني، الا انه من الناحية العملية كان تحت سلطة المحتل، الا انها أنتجت من جانب اخر حركة وطنية تملك وعيا شاملا لمصالح البلاد ومعارضتها لسياساته الجائرة حتى اندلاع ثورة عام 1958م .وبرغم الانجازات المعروفة التي أنجزتها هذه الثورة، الا انها أسست لحكم العسكريتاريا في العراق لعقود لاحقة، وعسكرة المجتمع العراقي التي بلغت ذروتها في فترة حكم البعث وحتى الوقت الحاضر. وفي مثل تلك الظروف من الصراع العسكري لا يلتفت أحدا الى ثورة العشرين أو أية ثورة اخرى الا اذا انسجمت مع توجهاته الفكرية. واستنادا لذلك، أهمل البعث الاهتمام بتاريخ العراق المعاصر لحساب " التاريخ القومي للامة العربية الواحدة " و " دور القائد الأوحد "، اي " البطل في التاريخ " في صيرورة ذلك التاريخ، " لابد ان يكون لنا نظرة الى التاريخ وكتابته بمنهج يعبر عن نظريتنا وينسجم مع خصوصية فكرنا ...واستنادا الى خصوصية نظرية حزبنا "، وكان ذلك جوهر مشروعه المعروف " باعادة كتابة التاريخ "16 الذي لم يأت على ذكر ثورة العشرين ولو مرة واحدة في ذلك المشروع . ألا ان رئيس النظام ذكر شعب " الفالة والمكوار " في مخاطبته لشيوخ محافظة المثنى بعد احداث الانتفاضة الشعبانية من أجل ترضيتهم وفقدانه الثقة بقدرة حزبه على السيطرة على المجتمع العراقي، 17 وحتى هنا فالاستخدام مزدوج المعنى !

والخلاصة، ان النظم السياسية التي تعاقبت على حكم العراق بعد ثورة العشرين (1921-2003م) غالبا ما استخدمت منطلقات وشعارات تلك الثورة للوصول الى السلطة او لتعزيز مكانتها فيها، وليس ايمان بتلك المنطلقات، ففي فترة الحكم الملكي سرعان ما تمكنت بريطانيا الالتفاف على نتائجها والتحالف مع العسكريين من جمعية العهد ورجال الاقطاع والنخب السياسية الموالية لها لتحقيق مصالحها، فعند اندلاع ثورة عام 1958 كان اكثر من 65% من النواب من الاقطاعيين !18 اما في فترة البعث (1968-2003م) فهو لم يرى في ثورة العشرين، وأية ثورة عراقية أخرى، الا حركة من حركات التحرر "القومي "، وان خصوصيتها الوطنية يجب ان تكون جزء من " النضال القومي " نحو تحقيق " الوحدة العربية"، وطالما ان الاحداث التاريخية البارزة من تاريخ العراق المعاصر، ومن بينها ثورة العشرين بالطبع، لا تنسجم كثيرا مع رؤية حزب البعث لدور التاريخ والتراث في بناء "الامة"، فلا حاجة للحديث عنها .

ان هذا الواقع يفرض علينا السؤال التالي : هل استفاد المفكرون والمثقفون العراقيون طيلة القرن المنصرم ما رفعته ثورة العشرين من أفكار ومبادىء لفهم واقع العراق المعاصر، ولاسيما تحديد مفهوم "الوطن "، وشكل " الهوية الوطنية "، وطبيعة " المواطنة" في ضوء الواقع السياسي للعراق ما بعد عام 2003، فهذه المفاهيم ما زالت غامضة للأجيال الصاعدة، فشعار " نريد وطن "، شعار براق ولكنه من غير إطار واضح متفق عليه، وتبقى تلك المفاهيم نخبوية أكثر منها للعامة من الناس، ومن اجل ان نذكر الاجيال بمكانة ثورة العشرين في ذاكرتنا التاريخية لابد إقامة شواهد مادية للذكرى : اقامة نصب لرموزها في المدن التي شهدت أحداثها، وتسمية ساحاتنا وشوارعنا بأسمائهم، واقامة متاحف للشمع لشخصياتهم في مراكز محافظاتهم كاعتراف بتضحياتهم، وأخرى تضم مخطوطات الثورة وبانوروما لأحداثها، ...الخ، فالامة التي لا تحترم تراثها، لا تطلب احتراما من الآخرين . كانت ثورة العشرين نقطة الانطلاق لتشكيل الهوية الوطنية العراقية، ولحظة حاسمة كان من الممكن ان تتشكل فيها "الأمة" والدولة العراقية على نحو راسخ لو استمر الايمان بمبادئها كمرجعية تاريخية، كما هو الحال مع الثورات العالمية الكبرى، إلا ان تلك النخب فشلت في استثمار تلك اللحظة كما فشلت في الفترات اللاحقة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رئيس الجامعة المستنصرية سابقا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش :

1- Longrigg, S.H., Iraq 1900-1950, A Political, Social and Economic History,( London,1953) , pp.112-117.

2- Haldin,      , The Insurrection in Mesopotamia,  ( London , 19220 ) .

وكذلك أنظر : مقدمة جعفر خياط لترجمة كتاب ويلسن " الثورة العراقية " ، ( بغداد،1971) ، ص10 .

3- La Rush, A., (ed.), The Records of Iraq 1914-1966, Vol.1, (Wilts, 2001), pp.763-801.

4- لاروش .أ ، الوثائق البريطانية عن العراق ، ج2 ، ترجمة كاظم سعد الدين ، منشورات بيت الحكمة ( بغدادن 2012 )، ص 272 ،ص296، ص347، ص362 ، ص372 ،ص378 .

5- الجمال ، محمد عبد الجبار ، إشكالية الهوية والتحديث في تاريخ العراق المعاصر، (بغداد ،2018) ، ص147 ، ص184 .

6- الفياض ، عبد الله ، الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 ، (بغداد،1963) ؛ نوري عبد الحميد خليل ، " انتفاضة دير الزور سنة 1920 وصلتها بثورة العشرين التحررية " ، مجلة آداب الجامعة المستنصرية ، العدد 11 (1985) ،ص350 ، ص368؛ ساكاي ، كيكو ، ثورة العشرين : دراسة في الاحزاب السياسية والشبكات الاجتماعية في العراق 1908-1920 ، ترجمة د. محود عبد الواحد القيسي ، (بغداد،2020) ، ص124.

7- العطية ، غسان ، العراق 1908- 1920 : دراسة اجتماعية –سياسية ( بيروت ، 1973) ؛ نظمي ، وميض جمال عمر ،الجذور اسياسية والاجتماعية للحركة القومية العربية (الاستقلالية)في العراق ، (بيروت ،1984 ) ، ص384 .

8- جميل ، حسين ، العراق شهادة سياسية 1908-1930 ، ( لندن، 1987) ن ص57 .

9- كوتلوف، ل.ن. ،ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق ، ترجمة د. عبد الواحد كرم ، ( بغداد ، 1971) ، ص10-11 ، ص261 ، ص270 .

10- الفياض ، عبد الله ، وثائق وكتب جديدة عن الثورة في العراق سنة 1920 ، بحوث المؤتمر الدولي للتاريخ ( بغداد ، 1974 ) ، ص29-34 .

11- ساكاي ، المرجع السابق ،ص126-128 ؛ المفرجي ، د. عدي حاتم ، ود. نعيم عبد جودة ،" الجمعية الاسلامية في كربلاء 1918-1920 " ،مجلة تراث كربلاء ، م2 ،العدد الاول (2015) ،ص246-251.

12- ساكاي ، المرجع السابق ، ص127-128 .

13- المرجع نفسه ، ص128 .

14- المرجع نفسه ، ص134-135 ؛ ياسر علاء أسود ، كيكو ساكاي وتطور الدراسات العراقية في اليابان، ( بغداد ، 2018) .

15- عطيوي ، د. عبد الجبار ، "أساليب الاستعمار في مكافحة الحركة الوطنية في العراق "، بحوث المؤتمر الدولي للتاريخ (بغداد ،1974) ، ص374-375 .

16- صدام حسين ، المؤلفات الكاملة ، نظرة في الدين والتراث ،( بغداد ، 1980-1988) ،ج9 ، ص82-83 .

17- ساكاي ، المرجع السابق ، ص129 .

18- عطيوي ، د. عبد الجبار ، المرجع السابق ، ص382 .