لا اعلم لماذا كنت ألوذ به في الملمات وحدها.

كنت اركن الى صمته ونظراته وابتسامته.. لأكتشف انني اسكن في العتمة، فيما يسكن هو في الضوء.. لا ترفاً منه ولا هروباً من صحبتي. ولكنه كان يرى، فيما كنت انا معدوم البصر والبصيرة.

كان السواد المحيط بعالمي، يشكل حالة إحباط تشكل وطأتها على مسار حياتي، فيما كان يرى ان العالم صفحة بيضاء تشوبها بقع سوداء يمكن لكل ذي ابتسامة تجاوزها بلغة التفاؤل تارة، وحقيقة الحياة تارة ثانية.

كنت لا أخرج من لقاء معه إلا وانا في وضع آخر، وصورة مغايرة، وطبع مطبوع بالاشراق.

ماذا يفعل هذا الخياط إبراهيم بي، وانا الذي اختزن من التجارب ما تنوء بثقله الجبال، وتحتبس في عيونه الدموع، وتسكن عند نبعه الحجارة؟ ماذا كان يقول شبابه لشيخوختي، وماذا تقدم ابتسامته لمن وجد طفولته وشبابه وعجزه من ثقل السنوات العجاف.. وانا الذي اراني في قطيعة مع العالم كله؟

ماذا يملك هذا الخياط من أدوات، حتى يخيط بها جراحات قديمة تتجدد بين مدة وأخرى، كما لو انها اختارتني دون غيري، لتؤكد لي قول الجواهري:

لم يبق عندي ما يبتزه الألم             

حسبي من الموحشات الهم والهرم

لم يبق عندي كفاء الحادثات أسى       

ولا كفاء جراحات تضج دم

وحده إبراهيم الخياط، كان يخيط لي جراحاتي.. بطريقة اجدني كما لو كنت في سجن معتم، ليس بوسع احد فتح اقفاله سوى هذا الخياط الماهر، حيث ينكسر القفل بين خضرة أصابعه، وورد شفتيه.. وشمس كلماته التي ما احسست يوما الا انها مستقاة من نبع لا أصفى منه ولا أعذب ولا أنقى ولا أبهى.

كان مطلع الفجر في تفاؤله، ومحبته التي كنت ابارك بها نفسي كونها تستأثر بي وانفرد بها لوحدي في عالم جعلني الخياط احس بلونه الوردي، لأعود الى بيدر الكلمات وآفاق المعرفة وسحر الكتابة.. بعد سنوات عجاف من الجفاء والقطيعة مع ضوء الحياة..

اذا كان ما تفاءل به الخياط فعل أمل وعودة الى الحياة.. فذلك ما لا يبكيني ولا يجعلني ارثي لفقدانه.. اذاً لمن تكن الدموع؟..

ترى هل بوسع احد ان يواسي القلب مع قول الشاعر بشار بن برد:

من ذا يعيرك عينك تبكي بها            

أرأيت عيناً للبكاء تُعار؟

لنقاء قلبه وبياض روحه وألق وجوده.. اقف حداداً امام شمس إبراهيم الخياط التي لا تنطفئ..

عرض مقالات: